حزبُ الله لن يجثو على ركبتيه

بدل التركيز على معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، التي تعصف بلبنان، منذ سنوات، وتكاد تحوِّله إلى دولة مفلسة وفاشلة، وعلى ضرورة انسحاب الاحتلال الصهيوني من المناطق التي يحتلّها بجنوب لبنان، تنفيذا لاتفاق نوفمبر الماضي.. بدل ذلك، آثر الرئيسُ اللبناني، جوزيف عون، ورئيس وزرائه، نواف سلام، صبّ جهودهما فقط على نزع سلاح “حزب الله”، وأصبح شغلهما […] The post حزبُ الله لن يجثو على ركبتيه appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 12, 2025 - 20:42
 0
حزبُ الله لن يجثو على ركبتيه

بدل التركيز على معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، التي تعصف بلبنان، منذ سنوات، وتكاد تحوِّله إلى دولة مفلسة وفاشلة، وعلى ضرورة انسحاب الاحتلال الصهيوني من المناطق التي يحتلّها بجنوب لبنان، تنفيذا لاتفاق نوفمبر الماضي.. بدل ذلك، آثر الرئيسُ اللبناني، جوزيف عون، ورئيس وزرائه، نواف سلام، صبّ جهودهما فقط على نزع سلاح “حزب الله”، وأصبح شغلهما الشاغل هو كيفية إنجاز هذه “المهمة” التي تقف وراءها أمريكا والكيان الصهيوني، قبل نهاية السنة الجارية.
الجميع، يعرف أنّه بفضل هذا السِّلاح، تحرّر لبنان من براثن الاحتلال الصهيوني، في ماي 2000، بعد 18 سنة كاملة من المقاومة المستمرّة التي دفع خلالها “حزب الله” حياة الآلاف من مقاتليه، وحينما أراد العدوّ الثأر منه وتجريده من سلاحه وشنَّ عليه حربا مدمِّرة في جويلية 2006، أعاد الحزب الكرّة وهزمه مجدَّدا، وقد صرّح أحدُ مسؤولي الاحتلال آنذاك قائلا: “ليس هناك قوة في العالم تستطيع تجريد حزب الله من سلاحه”.
بعد حرب 2006، أغلِق ملفّ سلاح “حزب الله” عمليًّا، وأصبح رمزا لسيادة لبنان وقوّتها بعد سنوات طويلة من الضعف والهوان واستباحة الاحتلال أراضيه ومياهه الإقليمية وأجواءه، لكن، بعد الحرب الأخيرة التي خاضها نصرةً لغزة وإسنادا لها، وانتهت بهزيمةٍ مفاجِئة له، وفقدان أغلب قادته الكبار، والآلاف من مقاتليه، ومعظم مخازنه من الصواريخ والأسلحة… اغتنم كارهو الحزب الفرصة وتداعوا للإجهاز عليه، قبل أن يتعافى من آثار الحرب المدمِّرة ويستعيد قُدراته، وهاهو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يقودان بنفسيهما هذا المسعى ويعلنان قرار نزع سلاحه في ظرف أقلّ من خمسة أشهر. والمصيبة، أنّهما يجهران بأنّ ذلك يأتي في إطار الموافقة على ورقة الأهداف الأمريكية التي قدّمها توم باراك، المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، ولا يريان أيّ ضير أو حرج في ذلك، مع أنّ المسألة تتعلّق بإملاءات أمريكية صارخة ومتعجرفة وبتدخّلٍ سافر في شأن لبناني داخلي بحت، ومن المعيب الاستسلامُ لها بهذا الشكل المهين!
تُرى.. هل يعتقد جوزيف عون ونواف سلام بأنّ الجيشُ اللبناني بات قويا وقادرا الآن على حماية البلاد إذا “حُصر السلاح” بين يديه؟ إذا كان الأمر كذلك، فأين كان هذا الجيش حينما كان الاحتلال يهجّر سكان جنوب لبنان ويدمّر ديارهم منذ أشهر، بل كان يطلق نيرانه حتى على الجنود اللبنانيين ويقتل بعضهم؟ لماذا لم يردّ عليه هذا الجيش برصاصة واحدة؟ ولماذا لا يردّ الآن على نحو 3 آلاف خرق صهيوني لاتِّفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع في أواخر نوفمبر 2024 ولم يحترمه الاحتلالُ يوما؟ ألم يكن من الأجدر أن يردّ بحزم وقوّة حتى يبرهن عن كونه قادرا على حماية لبنان وسيادتها وشعبها؟ إذا لم يحمِ الشعبَ اللبناني وسيادة لبنان الآن، فكيف يفعل ذلك إذا جرّد “حزب الله” من سلاحه؟
الواضح، أنّ سلاح الحزب بات هدفا في حدّ ذاته وينبغي تجريدُه منه مهما كانت العواقب، ما يعني أنّ الحكومة الحالية– وبتحريض أمريكيٍّ وإقليمي سافر- تقود الجيش اللبناني بسرعة إلى الاصطدام الحتمي مع “حزب الله”، في أواخر السنة الجارية، لتنفيذ قرارها الصادر في 7 أوت، إلا إذا تراجعت عن غيّها وأغلقت هذا الملفّ، حرصا على وحدة لبنان وشعبه، وتجنُّبا لحرب أهلية طاحنة قد لا يخرج البلدُ منها سالما هذه المرة، بعد أن خرج من حرب 1975- 1990 بشقّ الأنفس.. ليس في كلّ مرة تسلم الجرّة، و”حزبُ الله” لن يجثو على ركبتيه ويستسلم ذليلا مهانا ويسلّم سلاحه كما يريد الكيان والولايات المتحدة وجماعة 14 آذار والأعرابُ المتصهينون؛ لأنّ ذلك يعني انتحاره وتسليم رقبته للذبح كما حدث للفلسطينيين في “صبرا وشاتيلا”، في جوان 1982، وللبوسنيين في سيبرينيتسا بين 11 و22 جويلية 1995، ومثلما حدث في مناطق أخرى من العالم، وواهمٌ من يعتقد أنّ نزع سلاح الحزب بات أمرا ميسورا بعد هزيمته في الحرب الأخيرة، وانهيار نظام حليفه بشار الأسد بسوريا في 8 ديسمبر 2024، وتراجع نفوذ إيران إثر حرب الـ12 يوما مع الكيان وأمريكا.. لا شكّ في أنّ الحرب قد أضرّت بقُدرات الحزب العسكرية لكنّها لم تقضِ عليها كلّيا، وهو بصدد إعادة بنائها، ومن الخطإ الاستهانة به، أو الاعتقاد بأنّ الاستعانة بطيران العدوّ الصهيوني ستسهِّل مهمّة تجريده من سلاحه.
ثمّ إنّ نزع سلاح “حزب الله” معناه أن يجرّد لبنان نفسَه من قوّته، وهو انتحارٌ وهدية مجانية للكيان الذي سيحصل بالسياسة عمّا عجز عنه بالحرب، ويسمح له باستباحة أراضي لبنان وأجوائه ليلا نهارا.. أيّ كرامة تبقى للبنان بعدها أو سيّادة؟ إنّه خضوعٌ مهين لإملاءات أمريكا والاحتلال.
إذا وقعت حربٌ أهلية بلبنان- لا قدّر الله- فإنّ عون وسلام يتحمّلان الجزء الأكبر من المسؤولية، وسيقودانها نحو الهاوية، ويحوِّلانها إلى دولة فاشلة أخرى في المنطقة لا تقلّ سوءا عن الصومال والسودان وليبيا وسوريا… نسأل الله السلامة للبنان وشعبها ومقاومتها.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post حزبُ الله لن يجثو على ركبتيه appeared first on الشروق أونلاين.