دبلوماسية النفاق الملكي لا تنطلي على الجزائر!
في الذكرى الـ26 لاعتلائه العرش المغربي، عاد محمد السادس إلى المناورة بخطاب التودّد والنيّات الحسنة تجاه الجزائر، في محاولات مكشوفة لإحراجها أمام العرب، بإظهار استعداد المملكة لرأب الصدع القومي بين الجارتين الشقيقتين، بينما واقع الممارسات العدائية اليومية من المخزن يثبت العكس تماما، إذ لم تعد دبلوماسية النفاق وازدواجية السلوك بين القول والفعل تنطلي على الجزائريين، […] The post دبلوماسية النفاق الملكي لا تنطلي على الجزائر! appeared first on الشروق أونلاين.


في الذكرى الـ26 لاعتلائه العرش المغربي، عاد محمد السادس إلى المناورة بخطاب التودّد والنيّات الحسنة تجاه الجزائر، في محاولات مكشوفة لإحراجها أمام العرب، بإظهار استعداد المملكة لرأب الصدع القومي بين الجارتين الشقيقتين، بينما واقع الممارسات العدائية اليومية من المخزن يثبت العكس تماما، إذ لم تعد دبلوماسية النفاق وازدواجية السلوك بين القول والفعل تنطلي على الجزائريين، بعد خيبات كثيرة وطعنات متواصلة، بل إنهم ملزمون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأخذ الحيطة والحذر من نظام متربّص، كلما كشّر عن أنياب الشرّ، اختفى وراء ابتسامة مصطنعة.
نؤمن صدقا أنّ النخبة، ساسة ومثقفين وكتّابا وفنانين وصحافيّين ودعاة وغيرهم، دورها الرئيس هو العمل على تجسير الهوة بين الأنظمة السياسية عند الخلافات والأزمات، من خلال تفعيل الدبلوماسية الشعبية والحفاظ على أواصر الترابط والتآخي، لأنّ السياسات والمواقف تتغيّر من النقيض إلى النقيض بتغيّر الظروف والمصالح، بينما الشعوب والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك لا يتحوّل، وهو الركيزة الأصلية في بناء العلاقات الأخوية والنفعية بين دول الجوار، فضلا على أن تكون شقيقة في الدين والدم.
غير أنّ نظام المغرب الوظيفي، ويا للأسف الشديد، سدّ أمامها كل المنافذ التي تمكّن النخب من التقريب بين بلدين لـ”شعب واحد”، فرّقتهما الخيانات المتوالية والعمالة القديمة والمتجدّدة والأنانيات القطرية الضيقة على حساب الأخلاق والأخوّة ومبادئ حسن الجوار، فلم يكن أمامها من بدّ سوى فضح الدسائس وتعرية الأباطيل والمناورات حتى تتهيّأ ظروف الوحدة المغاربية مع نظام آخر يؤمن فعلا بخيارها، ويسعى لاستقرار المنطقة في كنف المصالح المشتركة.
والآن نعود إلى خطاب العاهل المغربي في عيد عرشه، إذ زعم حرص بلاده على “إقامة علاقات طيبة مع الشعب الجزائري وإيجاد حل توافقي في نزاع الصحراء يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”، بل إن محمد السادس وظّف مرة أخرى تعبير “اليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر”.
أولا: لو صدقت نيّة الملك مع كلامه، ما ربط تسوية أزمته مع الجزائر بالقضية الصحراوية، فهي ليست طرفا فيها، بل المسألة تخصّ الشعب الصحراوي وممثله جبهة “البوليساريو”، وموقف الجزائر واضح وثابت، فهي مع كل حل يرضى به الصحراويون ضمن مواثيق الأمم المتحدة.
لذلك، فإنّ محاولة جرّها إلى ساحة الابتزاز بالملف الصحراوي تبقى مناورة فاشلة، خاصّة إذا أخذنا في عين الاعتبار سياقها الزماني، مع ما يشاع عن رسالة ترامب الجديدة إلى الرباط، بخصوص “السيادة المغربية” المزعومة على الإقليم الصحراوي، في أعقاب زيارة مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، إلى الجزائر.
بل إن هذه الدعوة التصالحية المشروطة بنفض الجزائر يديها من المسألة الصحراوية المبدئية والأممية، هي برهان جليّ على الروح العدائية المتواصلة تجاهها، ولن يتحرّر منها المخزن التوسّعي حتى لو تخلّت عن حقوق الشعب الصحراوي، مع أن ذلك لن يحدث ولا في أحلام محمد السادس وكلّ من يليه.
ثانيا: عندما يزعم الملك حرصه على “تطوير العلاقات الأخوية”، فهل يستوي خطابه الكاذب مع واقع الحال، وهو يرمي بالمغرب في أحضان الكيان الصهيوني للاستقواء على الأشقاء، وتحويل الإقليم المغاربي إلى مرتع للاستخبارات الإسرائيلية، وجلبه للخبراء الأمنيين الصهاينة للعمل بالقاعدة العسكرية الواقعة بمنطقة جرادة الحدودية مع الجزائر؟
وهل يصدق كلام الملك في ظل فتح الباب على مصراعيه لما يسمى “الاستثمارات الصهيونية”، للمرور نحو إفريقيا، وتمكين الكيان من مدّ علاقاته إلى الدول التي لا تربطها به علاقات دبلوماسية؟ ذلك أن المخزن يعتبر نفسه أكبر مستفيد من الإدماج الإفريقي لعدوّ الأمة، حيث سيكون عرّابه في تعزيز مصالح المغرب على مستوى القارة السمراء.
ثالثا: هل من المنطقي أن يتحدث محمد السادس عن الإرادة في مد جسور التعاون مع الجزائر، في وقت يبذل نظامه كل ما في وسعه لإغراقها بالسموم؟ بهذا الصدد، سجّلت وزارة الدفاع الجزائرية حجز أكثر من 368 قنطار من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال 2024، وربما لا تمثل هذه الحصيلة السنوية إلا جزءا يسيرا من الكميات المهرّبة نحو الداخل بتدبير منهجي من جنرالات الملك وقصره، وفق تقارير مغربية موثوقة.
رابعا: كيف يبدي محمد السادس الرغبة في التصالح مع الجزائر، في حين يشكّل المغرب مصدرا لـ97 بالمئة من الهجمات السيبرانية التي تستهدف مواقعها الحكومية، وأخرى تابعة لمؤسساتها الاقتصادية والحيوية الإستراتيجية ومؤسساتها الإعلامية، بهدف ضرب الاستقرار الوطني؟ بل ولتطوير المنظومة العدوانية العملياتية ضدّ الجزائر، وقّعت حكومة المخزن قبل سنوات قليلة اتفاقية في مجال الحرب الإلكترونية “سايبر” مع دولة الاحتلال الصهيوني موجّهة ضد بلادنا تحديدا.
لكنّ ملك المغرب يتجاوز كل تلك الحقائق الدامغة، من دون أي إقرار بالمسؤولية، كأنّ الفاعل مجهول أو طرف آخر، في خطوة مدحورة لإظهار الجزائر في موقع الرافض للمصالحة الثنائية.
إذا كان الملك، أو من يحكم نيابة عنه، يريد العمل سويّا على أساس الثقة والحوار وحسن الجوار، فإنّ شروط الجزائر معلومة، وهي الالتزام بوقف تدفق المخدرات، واحترام موقفها تجاه الصحراء الغربية، وإنهاء الاستقواء بالكيان الإسرائيلي، مع الوقف الفوري للحرب الإعلامية والسيبرانية والدبلوماسية.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post دبلوماسية النفاق الملكي لا تنطلي على الجزائر! appeared first on الشروق أونلاين.