غزّةُ العِزّة
د.خديجة عنيشل/ سبحان الذي وصَفَ الشهداءَ بأنهم ﴿أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون﴾ فهم أحياءٌ حقاً يُرزَقونَ الخلودَ في ضميرِ التاريخ الذي لا ينسى. اُستشهدَ السنوار ورحلَ إلى دار البقاء وبقيت كلماتُهُ حيّةً تُرزَق، بقيت كلماتُهُ وقوداً تستعرُ به جذوةُ المقاومة فلا تنطفئ، بقيت كلماتُهُ تُثبِتُ قوّةَ تفكيرِه، وحِكمةَ عقله، ودهاءَ تخطيطه، وسدادَ رأيه. فلينظر الناسُ إلى …

د.خديجة عنيشل/
سبحان الذي وصَفَ الشهداءَ بأنهم ﴿أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون﴾ فهم أحياءٌ حقاً يُرزَقونَ الخلودَ في ضميرِ التاريخ الذي لا ينسى. اُستشهدَ السنوار ورحلَ إلى دار البقاء وبقيت كلماتُهُ حيّةً تُرزَق، بقيت كلماتُهُ وقوداً تستعرُ به جذوةُ المقاومة فلا تنطفئ، بقيت كلماتُهُ تُثبِتُ قوّةَ تفكيرِه، وحِكمةَ عقله، ودهاءَ تخطيطه، وسدادَ رأيه. فلينظر الناسُ إلى كلامه في إحدى خطاباته حين قال: «أنا تقديري إنه خلال أشهر معدودة لن تزيدَ على العام سنجعل الاحتلال الصهيوني أمام خيارين: إما أن نرغمه على تطبيقِ القانون الدولي واحترام القرارات الدولية والانسحاب من الضفة والقدس وتفكيك المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين، وإما أن نرغمه نحنُ والعالم على هذه الأمور ونحقّق إقامةَ دولةٍ فلسطينيةٍ على الأراضي المحتلة عام67 بما فيها القدس، أو أن نجعلَ هذا الكيان في حالةِ تناقضٍ وتصادمٍ مع الإرادة الدولية كلِّها ونعزله عزلاً عنيفاً شديداً ونُنهي حالةَ اندماجهِ في المنطقة وفي العالم ..» هذا الذي قاله السّنوار هو عينُ المسار الإستراتيجي الذي تسيرُ عليه المقاومةُ منذ اندلعت شرارةُ السابع أكتوبر المجيد بخطىً ثابتةٍ واثقة رغم طعنِ الطاعنين وإرجافِ الجبناء وخذلانِ المنافقين وكيدِ أعداءِ الأمةِ والدين. إننا أمامَ إعجازٍ في العقيدة الجهادية لرجالِ المقاومة: يرحلُ القائدُ فيخلفهُ قادةٌ، يُخطِّطُ القائدُ ثم يرتقي إلى السماء وهو يُمسكُ بعصاه وينزفُ جسدُه وتظلُّ كلماتُهُ تُسطّرُ إلياذةَ النصر والثبات دون تراجعٍ ولا إخفاق برغمِ الحصار الدولي الذي يُضيِّقُ على غزة، وبرغمِ انعدامِ الإمداد وشحّ الإمكانات، وبرغمِ الجوعِ والعطش ونقصِ الهواء في الأنفاق يدكُّ المجاهدون الصامدون في غزّة الصمود أعتى جيوشِ العالم ويقتلون جنودَه ويمرّغونَ أنفَ ساستِهِ وقياداتِهِ المهزومة في التراب!!! لقد صدقَ الشهيدُ السّنوار وعدَه فالكيانُ الصهيوني اليوم يعيش لأولِ مرةٍ منذ نشأتهِ المشوّهة عزلةً مُهينة، وغضباً دولياً شعبياً ورسمياً وكُرهاً من كلِّ شعوبِ العالم، بل إن حتى حلفاء الصهاينة انقلبوا على الكيانِ المحتل مما جعل هيئة البث العبرية الرسمية تُصرّح هذا الأربعاء 21/05 بأن «(إسرائيل) تعيش أزمة دبلوماسية غير مسبوقة»؛ وفي يوم الإثنين 19 مايو الجاري اجتمع الرئيسُ الفرنسي ماكرون ورئيسُ الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيسُ وزراء كندا مارك جوزيف كارني وأصدروا بياناً مشتركاً يحذّرون فيه حليفَهم النتن ياهو من أنهم لن يقفوا «مكتوفي الأيدي» إزاء «الأفعال المشينة» لحكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو في غزة، ملوّحين بـ»إجراءات ملموسة» إذا لم تبادر إلى وقف عمليتها العسكرية وإتاحة دخول المساعدات الإنسانية. وبعد هذا البيان شديد اللهجة حدثت واقعةُ الهجوم على سفارةِ دولةِ الاحتلال في الولايات المتحدة الأمريكية والتي قتلَ فيها إلياس رودريغز موظّفين (إسرائيليين) في السفارة وهو يصيح: فلسطين حرّة!! مما دفعَ بوزير الشتات الصهيوني عميحاي شيكلي يوم الخميس إلى اتّهام زعماء فرنسا وبريطانيا وكندا بأنهم سببُ هذا الهجوم؛ وقال شكيلي في حسابهِ على منصة «إكس»: «الزعماء الغربيون، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، يجب أن يُحاسبوا» على إطلاق النار بواشنطن !!
المقاومة كما وعَدَ السّنوارُ فعلاً قد حشرت الصهاينةَ في زاوية الفناء والاضمحلال وفرضت عليهم ما يظهرُ عليهم اليوم من تخبّطٍ واضح جعلَ الداخلَ الإسرائيلي هو الاخر في تصادم حاد؛ فرئيسُ أركان جيش الاحتلال يُقيلُ اللواء دافيد زيني الذي عُيِّنَ مؤخراً رئيساً للشاباك بسبب تواصله مع النتن ياهو دون علمه، ورئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود باراك يواصلُ سلسلةَ انتقاداتِهِ للنتن وآخر تصريح له هو استخفافُه بما يقوم به حيث قال:» إن احتلالَ غزة وتهجير مليوني فلسطيني وتوطين الإسرائيليين محلَّهم مجردُ أوهام سترتدُّ على (إسرائيل)»، وزعيم حزب الديمقراطيين يائير غولان يقرّ بانتهاك رئيس وزرائه للقانون وتحدّيه لقرارات المحكمة العليا، غولان الذي أثار تصريحُهُ الأخير لغطاً كبيرا حيث صرّحَ الثلاثاء» إن هذه الحكومة «تقتل الأطفال (الفلسطينيين) كهواية!! مما دفع بالنتن ياهو إلى إصدار قرار بمنعه من دخول قواعد الجيش وارتداء الزي العسكري.. والشعبُ في دولةِ الكيان مقرٌّ بهزيمةِ دولته وهذا البروفيسور إيال زيسر خبير شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب رئيس جامعة تل أبيب، يُصرِّح في مقال نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» : إنّ «الجيش يخوض حربا ضد حماس في غزة منذ خمسة عشر شهرا، لكنه لا يزال بعيدا عن هزيمتها». ولعل تصريح زعيم المعارضة الصهيونية يائير لبيد واتهامه الصّريح للنتن ياهو بأنه «فقد رجاحة العقل» كرئيس للوزراء !! دليلٌ آخر على أفول هذا المجرم وانتهائه إنسانياً وسياسياً. إن السابع أكتوبر العظيم نقلَ صوتّ الشعب الفلسطيني ومقاومتَهُ في عامٍ واحد إلى كلِّ أصقاع الأرض فمن كان يصدّق أن عمالاً يابانيين في أقصى الأرض لا يربطهم بغزةَ رابط يتظاهرون أمام مركز ماكوهاري ميسه في مدينة تشيبا يرفعون شعارات مندّدة بالكيان الصهيوني تدعو إلى وقف الحرب على غزة رفضاً لمشاركة 20 شركة عسكرية صهيونية في معرضٍ للأسلحة. فضلاً عن مئاتٍ بل آلافِ مقاطعِ الفيديو لمواطنين أمريكيين تغزو وسائل التواصل الاجتماعي يبكي فيها أصحابُها حُزناً على مناظر أشلاء الأطفال والدماء والجوع الشديد في المحرقة الصهيونية التي تقوم بها دولةُ الاحتلال في غزة ويتساءلون بحُرقة: كيف نستمر في حياتنا العادية والناس الأبرياء يموتون حرقاً وجوعاً!!!
إننا نشهدُ في كل يوم كما وعَدَ السّنوار ازدياد الضغط الداخلي والدولي على دولةِ الاحتلال ومعه ازديادَ تخبّط رئيس وزراء الكيان وانهياره، وهي كلُّها مؤشّراتٌ على الانهزام الذي لحق هذا الكيان الغاصب المجرم جرّاء صعقةِ السابع أكتوبر ثم جَلَد المجاهدين وقوّتهم وثباتهم على نهجِ الجهاد واستمرارهم الأسطوري والبطولي في القتال والمُراغمة لا يضرُّهم من خذلهم، يؤمنون بقولِ ربِّهم لهم: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، لا ينتظرون أن يُدافعَ عن أرضِهِم وعرضِهم أحدٌ إلا الله لأنهم أصحابُ عقيدة ربّانية تقومُ على: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، واثقون من نصرِ ربِّهم لهم لأنهم ينصرونَهُ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.