الجزائريون بين ساحر ومسحور
أ. عبد العزيز كحيل/ ما هذا؟ نصف الجزائر سحار ونصفها الآخر مسحور؟ الجزائر العظيمة بلغت هذه الدرجة من الهبوط والخرافة وسيطرة الأوهام؟ دولة الحواضر العلمية المتألقة عبر التاريخ في بجاية وتلمسان وقسنطينة وغيرها تسلك هذا المنحنى الهابط وترتمي في هذه الحمأة الوبئة وتصل هذا الدرك الأسفل؟ عقيدة مهلهلة، توحيد على الطريقة الوهابية، شعب موسوس، شعوذة …

أ. عبد العزيز كحيل/
ما هذا؟ نصف الجزائر سحار ونصفها الآخر مسحور؟ الجزائر العظيمة بلغت هذه الدرجة من الهبوط والخرافة وسيطرة الأوهام؟ دولة الحواضر العلمية المتألقة عبر التاريخ في بجاية وتلمسان وقسنطينة وغيرها تسلك هذا المنحنى الهابط وترتمي في هذه الحمأة الوبئة وتصل هذا الدرك الأسفل؟ عقيدة مهلهلة، توحيد على الطريقة الوهابية، شعب موسوس، شعوذة على نطاق واسع يقبل عليها المثقفون (وخاصة المثقفات) قبل غيرهم، إعلام يضخم الأمور التافهة ويصرف الناس إليها ويربطهم بها، أمة بلا بوصلة… إنها ردة ولا ابن باديس لها… لقد أماتوا على الناس دينهم وجعلوا الوسوسة تنغص حياتهم وتفسد ذات البين، وقد قال لي أحدهم «نظرا للمفاسد الموجودة في المقابر من المصلحة توظيف حراس عليها، قلت له «الأفضل تزويد الناس بعقول واعية»، فهذه الظاهرة تغزو المجتمعات حين يوغل الفقر ويحاصَر الدين وينتشر الالحاد باسم العلمانية، حينها ينتعش السحر وتزدهر الدروشة وتسود الأوهام ويتقدم المتسربون من المدارس الصفوف كأطباء نطاسيين يمتهنون آفة خطيرة سموها الرقية وهي في الغالب شعوذة موصوفة، ويقبل عليهم من استقالوا من مواجهة عالم الشهادة ليعلقوا حياتهم بعالم الغيب الذي أمِرنا أن نؤمن به لا أن نتعامل معه، والسحر الحقيقي يكمن في السياسات الفاسدة في مجال التعليم والصحة والاقتصاد والاجتماع، أما المقابر فهي أماكن لأموات لا يملكون ضرا ولا نفعا، وكان ينبغي للمسلمين أن ينتبهوا لمخططات التنويم والتخدير التي تصرفهم عن مشاكلهم الحقيقية وتلهيهم عن التحديات الجسام التي يتهربون منها بدل الانقياد خلف أعمال الإلهاء، ولو احتكمنا إلى محكمات القرآن والسنة لعرفنا أن السحر الأكبر ليس في المقابر بل في العقول الخاملة والقلوب المنقطعة عن الله، في العطالة عن العمل، في المخدرات والمهلوسات، في كرة القدم التي حلت محل الله في قلوب كثير من المسلمين، والأدهى أن سوق المشعوذين ستزدهر أكثر هذه الأيام باسم الرقية لأن بعض القنوات والأوساط تدفع الناس إلى ذلك بقوة، ومعظم هؤلاء «الرقاة» يساهمون في نشر الخزعبلات ووسوسة الناس… إنها ظاهرة تكرس تبرير العجز والخمول والكسل وعدم تحمل المسؤولية، السحر هو القشة التي يعلق عليها الفاشلون فشلهم، وهو انحراف عقدي ونفسي وسلوكي خطير جدا، لكن العيش في الوهم أسهل الحلول…أيها المسلمون دعوا عنكم تضخيم ظاهرة السحر، شمروا على سواعدكم، أقبلوا على العمل، أخلصوا لله عز وجل، ولا توهموا الأمة بأنها معطلة بالسحر، فنحن أمة عاطلة عن العمل، غلبتها الأوهام، وأخشى أن المستفيد من الحملة المشبوهة في قضية ما يسمى بالسحر في المقابر هو استرجاع شعبية الوهابيين بعد أن فضحتهم غزة واكتشف المسلمون خبثهم وعمالتهم للصهيونية، سيهولون الأمر ويشغلون الناس بدروس ومحاضرات عن السحر، أي يزيدون الناس رهقا، نعم السحر ثابت بنص القرآن والسنة لكن المشكلة تكمن في التهويل من أمره (مع العين والمس) واللجوء إلى التفسيرات الغيبية للأحداث والأشياء كأن بعضهم يسعده أن يرى الشعب غارقا في التفاهات والسخافات والخرافات، فينسى الأشياء الحقيقية والمهمة ويغرق في كأس ماء ملأه مخرّف لينسى سحر القصور التي تصد عن سبيل الله وتخون قضايا الأمة وتروّج بخياناتها الإلحاد والردة والانحراف بكل أنواعه، وكذلك سحر السحرة والمشعوذين الذين يعطلون مصالح الناس في الإدارات والمستشفيات ومختلف المؤسسات بالتماطل في قضاء حوائج الجمهور والتسويف والمحسوبية ونحوها من السلوكيات التي نغصت على الناس حياتهم اليومية وجعلت الكثير يكفرون ببلادهم، فهذه أخطر أنواع السحر والشعوذة لأنها عامة وعلنية لا طلاسم فيها ولا أحراز بل متبرجة متغطرسة، سببت معاناة الناس وبطالة الشباب وهدم البيوت.
إن السحر المذكور في القرآن لا يخشاه المسلم لأن الله يقول: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}، فالخوف من الله لا من السحر، والساحر يعتمد التخييل واللعب بالمشاعر: «يخيّل إليهم من سحرهم أنها تسعى»…فمن نخاف إذًا؟ الله أو السحر؟
والحل؟ الحل هو لا يكمن لا فيما يسمى الرقية ولا فيما يسمى التوحيد والعقيدة على الطريقة الوهابية لأن الرقية ثابتة بالسنة وهو قرآن ودعاء لكنها تحولت إلى شعوذة على نطاق واسع، أما ما يروجه الوهابيون فهو معلومات كلامية الغرض منها التشويش على العقيدة الصافية البسيطة التي جاء بها الكتاب والسنة، وترويج الإرجاء والخمول والعطالة والسلبية وتشتيت صفوف المسلمين…الحل هو التمسك القوي البصير بدين الله والقيام بالمهام التي انتدب إليها المسلم وهي الخلافة والعبادة وعمارة الكون.