قراءة ابتدائية لاتفاق ملغوم

أ. وليد عبد الحي/ حاولت جهدي الحصول على مضمون الاتفاق بين اسرائيل والمقاومة في غزة، وقارنت نصوصًا متعدّدة لكي استقر على ما هو متفق عليه في النّصوص المنشورة، وطبقا لما راجعته تبين لي ما يلي: أولاً: ليس هناك اي نص «رسمي» في كلّ ما اطلعت عليه على الانسحاب من القطاع، وكلّ ما يجري الحديث عنه …

يوليو 7, 2025 - 13:39
 0
قراءة ابتدائية لاتفاق ملغوم

أ. وليد عبد الحي/

حاولت جهدي الحصول على مضمون الاتفاق بين اسرائيل والمقاومة في غزة، وقارنت نصوصًا متعدّدة لكي استقر على ما هو متفق عليه في النّصوص المنشورة، وطبقا لما راجعته تبين لي ما يلي:
أولاً: ليس هناك اي نص «رسمي» في كلّ ما اطلعت عليه على الانسحاب من القطاع، وكلّ ما يجري الحديث عنه هو «إعادة انتشار»(Redeployment)، فالانسحاب يعني الخروج التام من الحيّز الجغرافي الذي يتمّ تحديده، بينما إعادة الانتشار تعني إجرائيا تقليص عدد المواقع العسكرية التي تعمل في المكان مع بقاء السيطرة على نفس الحيز( أي بدلا أن يكون هناك خمسة مواقع للسيطرة على مساحة معينة أو حي، يتمّ تقليص المواقع إلى 3 مع بقاء المساحة نفسها تحت سيطرة المواقع الثلاث المحددة)، ويكفي العودة إلى ما جرى تطبيقه في الضفة الغربية في نص إتفاق أوسلو على «إعادة الانتشار فيها» لا على الانسحاب.
كذلك لا بدّ أن يشمل الانسحاب المياه الإقليمية لغزة، خاصة أن نسبة الغزيين المعتمدين على الصيد البحري عالية جدًا.
ثانيًا: تبدأ عملية إعادة الانتشار الإسرائيلي أولا في الجزء الشمالي وفي ممر نتساريم، لكن خرائط إعادة الانتشار يجري الاتفاق عليها لاحقًا، (وهنا لا توجد إشارة إلى المناطق التي سيتم إعادة الإنتشار لها بشكل واضح وبتحديد جغرافي دقيق، ولا يوجد أي جدول زمني يشير لمدى التزامن بين تسليم الرهائن وبين إعادة الانتشار)، ذلك يعني احتمال كبير للمماطلة الإسرائيلية بعد استلام الرهائن، كما أنّ الاتفاق ينصّ على إعادة الانتشار في الجنوب في اليوم السابع من الاتفاق وفق «خرائط يتفق عليها»، وهو ما يفتح الباب أمام إسرائيل إلى التلاعب، لذا لا يجوز تسليم أي رهينة إلاّ بعد اكتمال التوافق تمامًا على النّص وعلى التطبيق، فلا يجوز التفاوض أثناء تنفيذ الاتفاق.
ثالثًا: عدم النّص في الاتفاق المنشور على التزامن في كلّ مقايضة، فمثلاً لماذا يتمّ إطلاق الرهائن الإسرائيليين قبل إطلاق الرهائن الفلسطينيين، ولاحظنا في المرات السابقة المماطلة الإسرائيلية وتأخير إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين أحيانًا ليومين كما جرى في المرات السابقة، لذا لا بد من النّص الواضح على:
أ‌- مساحات الانسحاب (أو حتى إعادة الانتشار)
ب‌- مواعيد انجاز الانسحاب باليوم والساعة.
ت‌- التزامن الدقيق بين إطلاق الأسرى من الجانبين.
ث‌- ليس هناك أي إشارة إلى معادلة التبادل للأسرى، فلا يوجد نص على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل كلّ أسير إسرائيلي حي أو جثة لأسير إسرائيلي.
ج‌- من الضروري أن يراعي الطرف الفلسطيني أنّ ثمن الأسرى الإسرائيليين يجب أن يتباين بين الجندي والضابط الصغير والضابط الكبير(وهذا وقع في الحرب العالمية الثانية بين المتحاربين وليس بدعة).
رابعًا: عدد الرهائن الإسرائيليين (الأحياء والجثث) هو 58، سيتمّ إطلاق 10 أحياء و18 جثة خلال الشهرين المحددين لوقف إطلاق النّار. وهناك ملاحظات تستحق التأمل في هذا الجانب مثل:
أ‌- إنّ عدد الأسرى الأسرائيليين الذي سيفرج عليهم في اليوم الأول هو 8، وهو رقم كبير للغاية، وأنّ مجموع من سيتم إطلاقهم في الشهرين هو 10 أحياء و18 جثة (أي 28، وهو ما يعادل 50% تقريبا من عدد الرهائن الأحياء والموتى)، وهذا فيه غُبن كبير، ومن الضّوري مراجعة معادلة التبادل، وأن يكون العدد أقلّ من ناحية، وأن يتمّ الإصرار مقابل الرّقم الحالي على الانسحاب التدريجي بدلا من إعادة الانتشار لقبول هذا الرّقم، ومن الأفضل أن يكون العدد الأقل ممن يطلق سراحه من أسراهم في بداية الاتفاق حتى مع الالتزام بالمراحل الخمسة المنصوص عليها في الاتفاق.
ب‌- جاء في النّص: «التزام أمريكي مصري قطري بمفاوضات جادة بهدف «إنهاء الحرب»، وهذه عبارات غير ملزمة، ناهيك عن أن مصر وقطر لا يملكان أي قوة إلزامية على إسرائيل لذا يجب أن تطلب المقاومة من الجزائر عرض الاتفاق على مجلس الأمن الدولي ويجري التصويت عليه لتضمنه القوى الكبرى دائمة العضوية.
ت‌- لعلّ من أغرب النّصوص هو النّص على أنّ المساعدات «سيتم التوافق عليه خلال مدة الاتفاق، وتكون كميات «كافية» دون تحديد، ويتم التوزيع من خلال قنوات «يتفق عليها» منها الأمم المتحدة والهلال الأحمر. وهذا النّص يخلو من تحديد الكميات، وترك قنوات نقلها وإيصالها للتفاوض، وعليه يجب أن تصر المقاومة على تحديد الكميات اليومية ونوعية المساعدات الملحة أكثر من غيرها، واقتصار آلية التوزيع والمراقبة على الأمم المتّحدة، وأن تشمل قنوات عبورها كافة المعابر.
ث‌- هناك أمور استراتيجية تركت بصياغات عامة للغاية، مثل «مناقشة ترتيبات أمنية طويلة الأمد» وهو ما يعني احتمال مطالبة إسرائيل نزع سلاح المقاومة أو المطالبة بحقها في الرّقابة على المعابر… الخ. كذلك «يدعو الاتفاق إلى التفاوض» على الوقف الدائم لإطلاق النّار، وليس هناك أي أفق زمنيّ لانجاز ذلك.
ج‌- نصّ الاتفاق على «امتناع حماس عن تنظيم مراسم متلفزة لتسليم الأسرى، ويجب أن يكون لهذا المطلب الإسرائيلي ثمن مثل تقليص ساعات النشاطات العسكرية وزيادة ساعات امتناع الطيران الإسرائيلي عن الاستطلاع إلى 15 ساعة (بدلا من 10) في الأيام العادية، و20 ساعة في الأيام التي يتمّ فيها تسليم بعض الرهائن بدلاً من 12.أو المطالبة مقابل ذلك بزيادة آليات الإسعاف والجرافات المسموح لها بدخول القطاع لرفع الأنقاض.
أخيرًا:
على المقاومة أن تعمل خلال التفاوض على تحديد دقيق لمعنى «كلّ كلمة»، وأن يكون ذلك ملحقًا للاتفاق وجزءا لا يتجزأ منه، فكلمة مساعدات لا بد من تحديدها وتحديد كمياتها اليومية وطرق ايصالها وأولوياتها ومعايير تحديدها، وكذلك معنى إعادة الإنتشار والانسحاب والاستطلاع وقواعد التبادل للأسرى.
على المفاوض الفلسطيني أن يستفيد من الخبرة التاريخية للتفاوض مع إسرائيل، وأن يتنبه إلى أنّ إسرائيل تعمل وفق القواعد التالية:
أ‌- تجزئة الموضوعات
ب‌- تجزئة الزمن
ت‌- تجزئة الأطراف
أما دالة التفاوض فهي ذات بعدين: الأول هو العمل على: وقف دائم لإطلاق النّار، انسحاب تام من غزة، فتح المعابر تمهيدا لوضع خطة عاجلة لإعادة الإعمار، أما البعد الثاني فهو أنّ الثّقة فيما يقوله نيتنياهو أو ترامب أو الأطراف العربية يجب أن لا تتزحزح عن صفر%، أنّ موضوع الرهائن هو المرار الذي يغص حلق نيتنياهو، ويريد أن يحصل عليهم بالخديعة بعد فشله في تخليصهم، وفي حالة تحقيقه ذلك، سيصبح متحررا من هذا الموضوع ليبدأ بالتفكير في مرحلة لإفراغ القطاع إو على الأقل تقليص سكانه بأكبر قدر ممكن، وسيماطل إلى أبعد الحدود في تمرير مشروعات الإعمار، وستسانده دول عربية مهما كان جرمه واضحا.