الأسرة في الشريعة الإسلامية هي الأساس لبناء الأمة الفاضلة الإنسانية
الشيخ محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ الدفاع عن المرأة بمخالفة أمر ربها ظلم وإهانة لها، وسعيهم في القضاء على التمييز ضد المرأة بمقتضى معاهدة (سيداو) إنما هو حرب على قيم التكريم التي كرمها الله بها، وللتذكير فعندما وقفت أنطمة خاطئة في أوروبا وأمريكا ضد شريعة الإسلام، وحاربته في الأندلس وشمال إفريقيا …

الشيخ محمد مكركب أبران
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
الدفاع عن المرأة بمخالفة أمر ربها ظلم وإهانة لها، وسعيهم في القضاء على التمييز ضد المرأة بمقتضى معاهدة (سيداو) إنما هو حرب على قيم التكريم التي كرمها الله بها، وللتذكير فعندما وقفت أنطمة خاطئة في أوروبا وأمريكا ضد شريعة الإسلام، وحاربته في الأندلس وشمال إفريقيا خسر العالم حضارة الأمن والأمان، مما كان يحقق للبشرية التقدم الذي يجمع القوة الاقتصادية والتكنولوجية للتعايش السلمي الإنساني الحقيقي للعالم. وكانت نتيجة رفض نور الإسلام، إزهاق الملايين من الأنفس البشرية في الحربين العالميتين، وتدمير العشرات من المدن والقرى.
وفي عصرنا هذا هناك من يسعى لمحاربة الفطرة الإنسانية والكرامة الآدمية في خلقة المرأة وخُلقها، لا لتدمير الأنفس والمدن فحسب، وإنما لتحويل المجتمع البشري من الإنسانية التي أرادها الله لعباده، إلى حياة أنعامية في صور بشرية، لا يفرقون بين الحرية التي شرعها الله سبحانه، وبين الإباحية التي يريدونها عن جهل منهم، أو بناء على عقيدة أهل الإلحاد ومخالفة الوحي، لتخريب المجتمع الإنساني بالعري، والزنا، والخمر، والمخدرات، ولقلب الموازين والقيم، ليتحول المعروف إلى منكر، والمنكر إلى معروف عندهم، ويصيرون كمن قال الله سبحانه في بيان سوء فكرهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة:11).
إن قِوام الأسرة أصول إنسانية، آدمية، تحكمها قيم ومبادئ وأحكام شرعية دينية، مما شرع الله ربُّ العالمين، لصالح كل عباده المصلحين. والأصول الإنسانية والقيم الدينية شرف كل إنسان على هذه الأرض، وحفظ كيان كل مجتمع يريد التعايش السلمي الصحي الخالي من الأمراض الحسية، والتوترات والآلام النفسية، هذا لكل فرد مع نفسه ومع كل البشر.
أقول هذا في صدر هذا البحث، ليعلم القارئ في كل القارات، وعلى أي مستوى كان من الثقافات، والتوجهات، وحتى لو سكن أعماق المحيطات، أو رحل إلى أبعد البوادي والكواكب والمجرات. على أن تبادل الحوار والنقاش والنقد والتحليل بشأن الأسرة لا يكون بدافع التضاد والغلاب، ولا بدافع الأنانية والإعجاب، ولا بدافع محاولة تسلط طرف على آخر، ولا بهدف فرض فكر معين تمذهبا لقوم، على حساب أقوام آخرين. إنما الأمر هو كما كلفنا ربنا بأن نصلح الأرض لأنها بيت الجميع، ولا واحد من البشر يدعي أن الأرض له وحده، أو أن مهمته رعاية وحماية المساحة التي يسكنها فقط، وباقي الأرض لا يهمه ما يجري فيها من فساد الأخلاق، ولا من الانفلات والانحراف. فكذلك شأن الأسرة شأن المجتمع الإنساني العالمي، إننا نريد الخير لكل إنسان على هذه الأرض، والخير لا يتحقق إلا بإقامة الدين، وإذا كان المتدينون حقا، والعقلانيون صدقا يعلمون هذا المثل:{نرقع دنيانا بتمزيق ديننا. فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع} فإن هذا المثل يجب أن يعلمه كل الناس، كل بني آدم، لأن الدين الذي هو قوام السعادة، شرعه الله رب العالمين للناس جميعا، للعربي والأوروبي والأمريكي والصيني والهندي واليهودي والنصراني والفارسي والروماني، وغيرهم، فمن أراد الارتقاء في سلم الإنسانية، أقام الدين بما شرع رب العالمين.
﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران:20)
ذلك لأن مقاصد الشرع في بناء الأسرة ليس من أجل علاقة جنسية للاستمتاع، ولا من أجل شركة بين زوج وزوجة للتفوق في جمع المتاع. كما أن الكلام عن الأسرة ليس فقط من أجل تحديد البطاقات التعريفية، والألقاب العائلية وإن كان هذا مهما جدا، وله شأن في نظام المجتمع الفاضل. إنما القصد من بناء الأسرة في منظور الشرع والعقل ومنطق الحياة الإنسانية، هو بناء الأمة الإنسانية العالمية الفاضلة، ليسعد الإنسان حيث كان، ذلك لأن النهضة الحضارية التي تحفظ كيان الإنسان ضمن إطار إنسانيته، هي النهضة التي تنهض بصلاح الأسر، والإجماع منعقد على أن الأسر هي الخلايا التي ينمو ويعظم بها المجتمع العظيم، فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع.
ولا يوجد تقنين يضمن سلامة البناء الأسري، ويضمن نجاح المستقبل المجتمعي، ويحقق لكل بني آدم آمالهم، وحريتهم الإنسانية، ويضمن مصالحهم، غير التشريع القرآني الذي شرعه الله رب العالمين. هذا القانون الإلهي الحكيم الذي بَيَّنَ الله سبحانه فيه حقوق الرجل والمرأة، وواجباتهما، بأرقى موازين العدالة والإنصاف، لهو القانون الذي لا ينبغي لأي عاقل أن يخالف أمره، ولا نهيه. فإن أول آية في بناء أول أسرة على وجه الأرض، ورد البيان في شأنها، أنه لا يستقيم أمر الحياة البشرية إلا بصلاح الأسرة، ولا صلاح للأسرة إلا باتباع ما شرع الله للعباد. فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (سورة النساء:1) يا أيها الناس في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا وفي كل مكان، وكل زمان، ما المطلوب منكم لتعيشوا سعداء في سِلْمٍ وأمان في الدنيا والآخرة، اتبعوا ما شرع الله لكم، في زواجكم وعلاقاتكم، وتربيتكم، وتجارتكم، واقتصادكم، وسياستكم. فالتقوى أن نطيع الله في كل ما أمرنا، وأن نجتنب ما عنه نهانا، وأن نعامل عباد الله بما شرع الله تبارك وتعالى. فمن خالف شريعة الخالق الذي قال: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54) فقد دس نفسه فيما يهلكها،. فالله سبحانه هو الذي خلق الرجال والنساء وهو الذي وضع لهم القانون الذي يناسبهم ويحقق لهم مصالحهم، ويكون أنفع لهم مما لو ترك الأمر لاختيار كل واحد منهم. فلما خالف بعض البشر قانون خالق البشر انحدروا إلى دركات الأنعام، وإلى أضل من الأنعام.
ومن هذا المنطلق الذي يؤكد للعقلاء من بني آدم أن الرحمة والحرية والخير والعدل والحكمة، كل ذلك في اتباع أحكام الشريعة الإسلامية، لأنها رحمة من الرحمن الرحيم. وأما ما يدعو إليه أهل اتفاقية (سيداو). وفي غيرها من (مؤتمرات محاربة الإسلام) وما ادَّعَوْهُ من مطالب لا أساس لها، أقل ما يقال عن دعاتها أنهم انبهروا بسراب الشهوات، فانحرفوا عن العلم والحكمة والدين، واتبعوا هوى النفس، ونزغ الشياطين، والخوض مع الخائضين.
وفي تبيان هذا المقال نقدم رسائل، لتذكير من يخاف وعيد الخالق، ولمن يريد الخير لنفسه ولكل الإنسانية.
أولا: يقال للمرأة نفسها: إن الله الذي خلقك أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك وما ينفعك، فمنحك المساواة التي تليق بطهارة روحك، وجمال فطرتك، وشرف أنوثتك، وكرامة عقلك. لكن بعض أخواتنا في البشرية قد يفوتهن فقه المعروف الذي شرعه لله للرجل والمرأة، هجروا المعروف الذي يجد فيه كل من الجنسين مبتغاه وحريته ومرماه. ولو فهمت المرأة، أحكام المعروف، ومقاصد المعروف، في القرآن، لما وجدت أشرف لها من قضاء الله سبحانه وحُكْمِه. واحذري أيتها الأخت في البشرية، من أن يقال لك: إن قدرات العقل كافية للإلمام بمصالح الإنسان، أو يغالطونك بأن منهاج القرآن والسنة تجاوزه الزمان، فاعلمي أن أحكام شريعة القرآن شرعها من يعلم مصالح وظروف الإنسان إلى يوم القيامة، وما يحقق له السعادة في الآخرة، كيف لا، وهو الله العزيز الحكيم.
ثانيا: يقال لكل المؤمنين والمؤمنات في العالم: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ فهذه الآية عامة في جميع الأمور، فإذا حكم الله ورسولُه بشيء فليس لأحدٍ مخالفته، ولا اختيار لأحدٍ ولا رأي ولا قول، ولهذا شدَّد النكير والتحذير والوعيد، فقال:
﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾ (الأحزاب:36)
ثالثا: يقال لكل رجال ونساء الإعلام في العالم: إن من يعمل على الدعوة إلى ما يخالف شريعة الرحمة في القرآن، أو يشارك في تغليط الشباب، والفتيات بصفة خاصة، بنشر أقوال، وصور، وتغريدات الذين يدعون إلى ما جاء في معاهدة (سيداو) مما يخالف القرآن وتوجيهات خاتم النبيين، فقد وقع في غضب الله سبحانه، وسيحاسب عن كل الفساد في العالم الذي يحدث من جراء محاربة الفطرة الإنسانية في المرأة والرجل والأسرة. قال الله تعالى، جوابا لموسى عليه السلام، ولكل بني آدم من بعده إلى يوم القيامة: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف:157)
رابعا: إلى كل علماء ودعاة وولاة المسلمين في العالم الإسلامي، يقال لهم: إن العلماء والأمراء في المؤسسات الرسمية، كالمجالس العلمية الإسلامية، ولجان ومؤسسات الإفتاء، لا يكتفون برفض العمل بكل ما يخالف حكم الله وقضاءه فقط، وإنما يعملون بمنهجية الرسول عليه الصلاة والسلام، في التبليغ والإعلام، عملا بأمر الله عز وجل:
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ وقوله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ وقوله عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فالواجب أن يقوم العلماء بالتعاون التكاملي المستمر، مع المسؤولين من أولي الأمر، بتبليغ رسالة الإسلام كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، عن طريق وسائل الإعلام بالطريقة الحكيمة، والأدلة القاطعة، بقصد إرشاد وتعليم الغافل والجاهل، وإثبات الحجة على المعاند والمجادل. قال الله تعالى:
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: 52)
خامسا: إن دعاة (سيداو) وغير (سيداو) ممن يحاربون شريعة الإسلام. لا يتوقفون عند القوامة في الأسرة، وقضية التعدد، وأهلية المرأة المماثلة للرجل، فهم يعلمون أن الذكر ليس كالأنثى، ويعلمون نظريا أن الحق فيما شرعه الله سبحانه، إنما قصد الحاقدين منهم، كمن أخبرنا الله سبحانه عنهم. ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (البقرة:109) وهذا يقتضي منا البيان للعالم بأن الخروج عن أحكام الشريعة، سيؤدي بالإنسانية إلى فساد كبير، يعود بالدمار والخراب على مستقبل أهل الأرض جميعا، ونحن بدافع حب الخير لكل بني الإنسان، ندعو بالعودة إلى هدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف:3).