كلمة رئيس جبهة المستقبل خلال القمة الإفريقية للأحزاب السياسية المنعقدة بالعاصمة الغانية أكر

يومية الاتحاد الجزائرية
كلمة رئيس جبهة المستقبل خلال القمة الإفريقية للأحزاب السياسية المنعقدة بالعاصمة الغانية أكر

ألقى رئيس جبهة المستقبل، الدكتور فاتح بوطبيق، اليوم الأربعاء كلمة هامة خلال القمة الإفريقية للأحزاب السياسية التي احتضنتها العاصمة الغانية أكرا، بحضور قادة الأحزاب السياسية وممثليها وقادة المجتمع المدني . 

وجاء في النص الكامل لكمة رئيس جبهة المستقبل فاتح بوطبيق خلال القمة الإفريقية للأحزاب السياسية المنعقدة بالعاصمة الغانية أكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الرئيس، دولة غانا حكومة وشعباً،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، كل باسمه وجميل وسمه ومنصبه،
السيدات والسادة قادة الأحزاب السياسية وممثليها، وقادة المجتمع المدني، وأسرة الإعلام،
الإخوة والأخوات الكرام،

بداية نجدد تعازينا القلبية الخالصة لدولة غانا شعبا وحكومة في مصابهم الجلل الذي أصابهم إثر سقوط طائرة راح ضحيتها عدد من وزراء وإطارات دولة غانا الشقيقة.

يشرفني أن أقف بينكم اليوم كرئيس لحزب جبهة المستقبل من الجزائر، وبصفتي نائباً برلمانياً وعضواً دائماً في برلمان عموم إفريقيا وعضواً بلجنة العدل وحقوق الإنسان، ورئيساً للجنة العليا لانتخاب رئيس البرلمان الإفريقي، وفي قلب إفريقيا النابض، في جمهورية غانا الشقيقة، في هذا اللقاء التاريخي الذي يجمعنا تحت مظلة القمة الإفريقية للأحزاب السياسية.

أود بداية أن أرفع أسمى عبارات الشكر والعرفان لحكومة جمهورية غانا، وعلى رعاية الرئيس جون ماهاما شخصياً لهذا اللقاء، وللمركز الإفريقي للحكامة، على الدعوة الكريمة وحسن الاستقبال والتنظيم المتميز. إن حضوركم جميعاً من مختلف أرجاء القارة، من بلدان قريبة وبعيدة، دليل واضح على أن إفريقيا تريد أن تتحدث بصوت واحد، وأنها تؤمن بأن السياسة، إذا ما اقترنت بالإرادة، تستطيع أن تقود شعوبنا نحو الازدهار.

السيدات والسادة،

إن شعار قمتنا “من السياسة إلى الازدهار: تعزيز التعاون بين الأحزاب من أجل التنمية والتحول الاقتصادي في إفريقيا” ليس مجرد كلمات، بل هو دعوة إلى الانتقال من مربع التنظير إلى فضاء الفعل؛ نداء كي تتحول السياسة إلى أداة بناء، لا ساحة صراع، وإلى جسر يعبر عليه أبناؤنا نحو غدٍ أفضل.

ولكي يتحقق هذا، لا بد أن تدرك الأحزاب السياسية في إفريقيا أن دورها يتجاوز المنافسة الانتخابية، وأنها مطالبة بأن تكون حاضنة للفكر الاستراتيجي، وقاطرة للتغيير، ووسيطاً بين تطلعات الشعوب وإرادة الدول.

وبصفتي عضواً في برلمان عموم إفريقيا، أحد أهم مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فإننا نعمل على تعزيز الديمقراطية والتنمية والسلم في القارة، وضمان مشاركة الشعوب في صياغة السياسات، وتشجيع التنمية المستدامة، والمساهمة في تسوية النزاعات وحفظ الأمن، انطلاقاً من رؤية لإفريقيا موحدة، حرة، قوية، مزدهرة، وصاحبة قرار سيادي.

إن قوة قارتنا مرتبطة بالتضامن والتكامل، وبالتمسك بمبادئ التحرر والسيادة ورفض كل أشكال الاستعمار والهيمنة، والدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفاءً لمسيرة الآباء المؤسسين، وعلى رأسهم الزعيم الراحل وأول رئيس لدولة غانا، كوامي نكروما، الذي قال كلمته الخالدة: “اطلبوا الحرية السياسية وكل شيء سيعطى لكم”، مؤكداً أن استقلال غانا لا معنى له ما لم يرتبط بتحرر كامل لإفريقيا.

ويجب أن نعمل على تنمية مستدامة تعتمد على موارد إفريقيا لصالح شعوبها، وترسيخ الشفافية والمساءلة والعدالة والمساواة، وحماية الثقافة والهوية الإفريقية، مع الانفتاح على التطور ودعم التكامل الإفريقي، خاصة عبر تعزيز التبادل التجاري البيني في إطار منطقة التجارة الحرة القارية. وفي هذا الإطار، ستحتضن الجزائر قريباً معرض التجارة البينية الإفريقية بحضور رفيع المستوى، ليكون إضافة نوعية لدفع العلاقات الاقتصادية القارية.

أيها الإخوة والأخوات،

في إفريقيا، كما في أماكن أخرى، غالباً ما يُنظر إلى السياسة على أنها صراع دائم على السلطة، لكن الوقت قد حان لتجاوز هذه الرؤية الضيقة. التحديات الاقتصادية التي تواجه قارتنا — بطالة الشباب، الاعتماد المفرط على المواد الخام، والهشاشة أمام الأزمات العالمية — لا يمكن معالجتها إلا عبر التماسك السياسي والتعاون بين الأحزاب.

لقد جئت إلى هنا بقناعة راسخة اكتسبتها من التجربة: لا يمكن لأي خطة اقتصادية، مهما كانت طموحة، أن تنجح إذا ظلّت الأحزاب تعمل في جزر معزولة. فالانقسام السياسي يكلّف القارة ما يقارب 100 مليار دولار سنوياً من الفرص الضائعة، وفقاً لبنك التنمية الإفريقي (2024). وفي المقابل، أتاح التوافق السياسي في تجارب عديدة إطلاق مشاريع استراتيجية في الزراعة، والطاقة المتجددة، والصناعة، والمناجم، والتكنولوجيا.

التجربة الجزائرية مثال على ذلك:

ميثاق تنويع الاقتصاد (2022-2025) رفع الصادرات خارج المحروقات بنسبة 27% عام 2024.

منصة الشباب-الأعمال، وهي فريق عمل مشترك بين الأحزاب، ساهمت في خفض بطالة الشباب بنسبة 9% في المناطق التجريبية، عبر برامج التمويل الصغير والإرشاد الريادي.

هذه التجارب تثبت أن الثقة تُبنى عبر مشاريع ملموسة ونتائج قابلة للقياس.

السيدات والسادة،

أقترح ثلاث خطوات عملية تنبثق عن هذه القمة:

1️⃣ إنشاء المجلس الاقتصادي للأحزاب الإفريقية (CEPA) لتوحيد السياسات حول أولويات قارية ثلاث: تكامل البنية التحتية الإقليمية، التصنيع المحلي، والزراعة الذكية مناخياً. والجزائر ملتزمة باستضافة الاجتماع الافتتاحي عام 2026.

2️⃣ إقامة مناطق اقتصادية عابرة للحدود، كممر الطاقات المتجددة الجزائر–تونس–النيجر، لأن رأس المال والسلع لا يجب أن تُقيَّد بالحدود السياسية.

3️⃣ إطلاق صندوق إفريقي للإصلاحات التضامنية بتمويل 0.1% من الميزانيات الوطنية لدعم الإصلاحات المتفق عليها، بدءاً بتبسيط الإجراءات الجمركية في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

كما تدعو جبهة المستقبل إلى إنشاء مدرسة إفريقية للحكم المشترك بين الأحزاب لتكوين القادة الشباب، والمساهمة في إصدار مؤشر سنوي للازدهار الإفريقي لقياس تقدمنا المشترك.

إن أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي تمثل خارطة طريق نحو قارة موحدة ومزدهرة وسلمية، ويجب أن نلتزم بها عملياً، بدءاً من برامج أحزابنا وصولاً إلى سياسات حكوماتنا.

وفي الختام،
فلنجعل هذه القمة نقطة انطلاق لتحالف سياسي إفريقي من أجل الازدهار، ولنجعل السياسة محركاً للتقدم لا عائقاً أمامه. دعونا ننتقل — فعلياً — من السياسة إلى الازدهار، ولتكن إفريقيا التي نريد هي إفريقيا أبنائنا وأحفادنا، إفريقيا التي تتحدث بصوت واحد وتقف بندية أمام العالم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة رئيس جبهة المستقبل خلال القمة الإفريقية للأحزاب السياسية المنعقدة بالعاصمة الغانية أكر
itihad