لماذا يريدون لحماس أن تلقي بسلاحها؟!

نُكِبت الأمّة في تاريخها -ولا تزال تُنكب في حاضرها- نكباتٍ جِساما، لو بليت بها أمّة أخرى لزالت من الوجود، لعلّ من أشدّها وقعا ووطأة نكبةَ الخيانة التي توالت على الأمّة في كلّ القرون، فلم يكد يخلو قرن من خونة يطعنون الأمّة في خاصرتها ويوالون أعداءها والمتربّصين بها؛ يخونون دينها وأرضها حرصا على دنياهم، على الحياة […] The post لماذا يريدون لحماس أن تلقي بسلاحها؟! appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 2, 2025 - 16:49
 0
لماذا يريدون لحماس أن تلقي بسلاحها؟!

نُكِبت الأمّة في تاريخها -ولا تزال تُنكب في حاضرها- نكباتٍ جِساما، لو بليت بها أمّة أخرى لزالت من الوجود، لعلّ من أشدّها وقعا ووطأة نكبةَ الخيانة التي توالت على الأمّة في كلّ القرون، فلم يكد يخلو قرن من خونة يطعنون الأمّة في خاصرتها ويوالون أعداءها والمتربّصين بها؛ يخونون دينها وأرضها حرصا على دنياهم، على الحياة والسّلامة، أو على المال والجاه والسّلطان. يبيعون دينهم وآخرتهم بعرض من الدّنيا قد يبدو لهم كثيرا ولكنّه في الحقيقة قليل وحقير، لأنّ الثّمن المبذول فادح لو كانوا يشعرون!
ونحن نرى في زماننا وأيامنا هذه خاصّة، كيف أنّ الخيانة التي اقترفها الخائنون خلال القرن الماضي -قرن الاستعمار الغربيّ- في حقّ الأمّة المسلمة، تتكرّر الآن على أيدي أشخاص آخرين وبمواقف وكلمات قد تبدو مختلفة، لكنّها في النهاية خيانة للأمّة ودينها ورجالها الذين يجاهدون الصهاينة في الأرض المباركة! في القرن الماضي، كان لكلّ بلد خونته، لكنّنا الآن نرى خونة في كلّ بلدان الأمّة لطائفتها المجاهدة في الأرض المقدّسة!
في بلدنا المسلم الجزائر، رأى وعايش آباؤنا وأجدادنا، ومنهم من هم أحياء بيننا، الدّور القذر الذي قام به الحركى (القومية) أيام الاستعمار الفرنسي للجزائر المسلمة، ورأوا كيف باع الحركى دينهم وأمّتهم لأجل دنياهم، حين كانوا يدا للعدوّ يبطش بها المسلمين، وعينًا تتبّع المجاهدين لتَشي بهم عند الاستعمار! وكم من مجاهد بطل استشهد بسبب خيانة الخائنين.. قام مجاهدونا ببنادق الصيد، لمواجهة واحد من أقوى الجيوش في العالم عددا وعدة وتسليحا يؤزّه من خلفه الحلف الأطلسيّ، حملوا بنادق الصيد ليواجهوا الطائرات والدبابات والرشاشات، وفي قلوبهم إيمانهم بالله ويقينهم بنصره جلّ في علاه.. لم يستطع الاستعمار الصليبيّ بحدّه وحديده أن يقضي على المجاهدين، فمارس سياسة الأرض المحروقة، فأحرق الأراضي والمحاصيل وقتل الحيوانات وجوّع الجزائريين، كلّ هذا ليستسلم المجاهدون، وليتخلّى الشّعب عن رجاله ويتبرّأ منهم، وكان في كلّ ذلك يستعين بالحركى الذين كانوا يجوسون خلال الديار يُوَسوسون للنّاس بأنّ ما يحصل لهم من تجويع وتقتيل هو بسبب المجاهدين الفلاقة الذين يقاتلون فرنسا القوية ويرفضون الاستسلام! وكانوا يُغرون العائلات بتسليم أبنائها المجاهدين مقابل أعطيات جزيلة! ويغرونها بالإذعان لفرنسا الأمّ الحنون التي تمنّ عليهم بالغذاء والدّواء وتعلّم أبناءهم! ويقلّلون من شأن المجاهدين في أعين الجزائريين فيصفون المجاهدين بـ”الفلاقة” و”الذراري” و”المغامرين”!
هذا الكلام الذي كان الجزائريون يسمعونه من الحركى الخونة، نسمع شنشنته هذه الأيام، بألسنة الخونة الجدد الذين يقولون: “إنّ إسرائيل دولة قوية، وخلفها أقوى دولة في العالم أمريكا، ومعهما الحلف الأطلسيّ.. وحماس لا تستطيع مواجهة إسرائيل بالصواريخ العبثية والأسلحة التقليدية”! ونسمع من يصف مجاهدي القسّام بأنّهم كالجرذان يعيشون في الأنفاق! بل قد سمعنا شيخا يزعم أنّه يتّبع السّلف ولا شكّ أنّ سلفه هم “الحركى الخونة”، يقول من دون حياء: “اليهـود عندهم شيء من الأخلاق، وقد تركوا الفلسطينيين، وفتحوا لهم الجامعات، وأعطوهم الصحف، وتركوا لهم الحرية في تدينهم، وفي مساجدهم، وفي جامعاتهم”!
ها هم الحركى الجدد، يعيدون سيرة الحركى القدامى، ويقولون: “يجب على حماس أن تستسلم وتلقي بسلاحها حرصا على دماء أهل غزّة، وحتى يتوقّف التجويع”! جبنوا عن أن يتوجّهوا بكلامهم إلى المحتلّ الذي يقتل ويجوّع، وإلى عملائه؛ فتوجّهوا بكلامهم إلى المجاهدين الذين قاموا ليحرّروا الأسيرات المسلمات من سجون المحتلّ ويطردوا العدوّ من الأرض المباركة ويستردّوا المسجد الأقصى!
إنّ مثل هؤلاء الخائنين كمثل أناس رأوا أحد جيرانهم تدخل عليه عصابة مسلّحة بيته، وسمعوه وهو يصرخ ويستغيث، فلم يحرّكوا ساكنا، ورأوا كيف أنّ العصابة المسلّحة احتلّت بيته ولم تعطه إلا غرفة واحدة يجتمع فيها مع أسرته، وفوق ذلك تهينه العصابة وتتحرّش بأهله، وهو في كلّ ذلك يستغيث بجيرانه الذين صمّوا آذانهم عن صيحاته. وحين قرّر هذا الرّجل أن يقوم ليدافع عن بيته وعرضه بما معه من سلاح بسيط، وسقط من أهله ضحايا، ماذا فعل الجيران؟ قاموا إلى الرّجل صاحب البيت يلومونه! ويقولون: كيف تواجه عصابة مدججة بالأسلحة؟ كيف تخاطر بنفسك وتعرّض أبناءك وأهلك للموت!
ما من عاقل إلا وهو يرى فعل هؤلاء الجيران خسّة ونذالة ودناءة! وكذلك هو فعل هؤلاء الحركى الجدد الذين يطالبون حماس بالاستسلام ويلومونها حينما قامت تجاهد اليهود بما عندها من سلاح! لكنّ هناك فرقا بسيطا بين حركى الأمس وحركى اليوم! هو أنّ حركى الأمس كانوا يخونون لأجل دنياهم، أي إنّهم باعوا دينهم وأمتهم بدنياهم، ولا يزال الأحياء منهم يأكلون السحت ببيعهم الذي باعوه خلال الثورة. بينما حركى اليوم باعوا دينهم وأمّتهم بدنيا أمراء المحميات الخليجية!
ما تقوم به حماس هو جهاد دفع، وهو الفرض الذي انتدبت إليه حين تركته الأمّة، وليس يجب عليها أن تستشير أحدا في جهادها، في الدّاخل ولا في الخارج، حتّى لو خرج سكّان غزّة عن بكرة أبيهم وأُخرجت الشعوب المسلمة –طوعا أو كرها- لتطالب حماس بالاستسلام، ما كان واجبا عليها أن تستسلم، وقد نصّ أئمة الإسلام على أنّ المجاهد يستكمل قتاله حتى يلقى ربه شهيدا ولا يستسلم. الله تعالى ينهى عباده المجاهدين عن أن يغفلوا عن أسلحتهم حتى لو كانوا في الصلاة، فكيف يرضى لهم تسليمها: قال تعالى: ((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَة)).
ها هم بعض العرب المسارعين في إرضاء اليهود، ولأجل أن يحرجوا حماس ويضطروها للاستسلام بعد أن عجز العدوّ عن إجبارها على ذلك، ها هم الآن يتداعون إلى ما أسموه “مؤتمر حلّ الدولتين” مع دول الغرب، ليعلنوا عن براءتهم من “طوفان الأقصى” ويدعوا حماس لأن تسلّم غزّة لوكلاء الاحتلال، باسم دولة فلسطينية منزوعة السلاح منزوعة السيادة! إنّهم يريدون تكرار ما حدث سنة 1936م، حينما أطلق الشيخ عز الدين القسّام –رحمه الله- ثورة عارمة ضدّ الانتداب البريطاني على الأرض المباركة، فلجأت بريطانيا إلى العرب الذين توسّطوا لدى الفلسطينيين ليوقفوا ثورتهم، وحينما أوقفوها كانت النتيجة تقسيم فلسطين!
اليهود ومن حالفهم يريدون لحماس أن تستسلم لأنّهم لا يحبّون أن يهدّد أمن مستوطنيهم ويمرّغ كبرياء جيشهم في التراب، خاصّة إذا كان هذا الذي يهدّد أمنهم ويهين جنودهم يحمل راية إسلاميّة! وهم لا يريدون أن ترتفع في فلسطين راية باسم الإسلام!
وسبب آخر هو أنّ غزّة تتمتّع بموقع استراتيجيّ وخلاّب، مساحتها 365 كم2 كلّها منطقة مستوية ولا يوجد فيها جبال، وأعلى نقطة في غزّة ترتفع 105 متر فقط على سطح البحر، وفي هذا ردّ على الجهلة الذين يقولون: لماذا لا تجاهد حماس في الجبال كما فعل مجاهدو ثورة التحرير! غزّة موقعها يغري أهل الفساد الذين يريدون أن يكون الحكم فيها لأهل الفساد، لا يريدون أن يكون الحكم فيها لمن يخافون الله، وقد صرّح بذلك ممثل أمريكي ينشط في تأييد الكيان الصـهيوني، يدعى “مايكل رابابورت”، حين قال: “إن غزة جحيم بسبب من يديرونها… يجب أن تكون هناك كازينوهات، ونوادي تعرٍّ، ومطاعم تشيك-فيل-آس، ولن يحدث ذلك أبدًا بسبب حماس”!
هذا ما لا يدركه الخائنون في أيامنا هذه! وربّما يدركونه ولكنّ حقدهم على مجاهدي كتائب القسّام أعماهم، فهم يناضلون لأجل أن تسقط حماس ولو آل الأمر بعدها إلى علمانيين يحوّلون غزّة إلى ملهى على الهواء الطّلق! بل لا يهمّهم أن تسقط غزّة في أيدي الصهاينة! المهمّ أن تسقط راية الجهاد التي تحرجهم وتكشف خيانتهم للدّين والأمّة! ولن تسقط بإذن الله وبوعد الله.
يقول النبيّ –صـلى الله عليه وسلم-: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” (أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل، والطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات).. وسبحان الله! كيف بمسلم يقرأ هذا الحديث ويسمعه، ثمّ هو يصرّ على الوقوف في وجه الطّائفة المنصورة خذلانا وتخوينا؟! ويقول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أيضا: “أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ؛ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلان”. (الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاس)، ومعلوم أنّ غزّة كانت في تاريخ الأمّة جزءًا من عسقلان. ولك أن تلحظ كيف أشار النبيّ الذي لا ينطق عن الهوى –صـلى الله عليه وسلم- إلى أنّه في آخر الزّمان سيكون هناك معسكران: معسكر المجاهدين وأنقى راياتهم تلك التي في عسقلان، في أكناف بيت المقدس، ومعسكر الأمراء المتكادمين على الحكم.. ولك أن تعجب مرّة أخرى لمسلم يسمع أو يقرأ هذا الحديث ثمّ يصرّ على أن يكون في معسكر الأمراء المتكادمين على الحكم الحريصين عليه الذين يبيعون الأمّة ودينها لأجله، في مواجهة معسكر الطّائفة المنصورة في الأرض المباركة.. عندما ترى من هذه حاله لا تملك إلا أن تدعو الله بأن يثبت قلبك على دينه، وأنت تستذكر قوله سبحانه: ((وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم)).

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post لماذا يريدون لحماس أن تلقي بسلاحها؟! appeared first on الشروق أونلاين.