مع سبق القرار و الترصّد

بقلم د. سناء شامي هل الشهادة العلمية رمز للثقافة، أم هي جهل ملوّن؟ أو كما أسماها الدكتور محمد الربيعي الأمية المقنّعة: الوجه الخفي لبعض المتعلمين! ربط التعليم العالي بالثقافة الحقيقية، هو خداع تستعمله المجتمعات العربية مثل برواز إجتماعي يُزيّن أمية فكرية وثقافية، تختبئ خلف ألقاب علمية رنّانة، فالأمية ليست فقط عدم القراءة أو الكتابة، و …

مايو 22, 2025 - 19:02
 0
مع سبق القرار و الترصّد

بقلم د. سناء شامي

هل الشهادة العلمية رمز للثقافة، أم هي جهل ملوّن؟ أو كما أسماها الدكتور محمد الربيعي الأمية المقنّعة: الوجه الخفي لبعض المتعلمين! ربط التعليم العالي بالثقافة الحقيقية، هو خداع تستعمله المجتمعات العربية مثل برواز إجتماعي يُزيّن أمية فكرية وثقافية، تختبئ خلف ألقاب علمية رنّانة، فالأمية ليست فقط عدم القراءة أو الكتابة، و حامل الشهادة العليا ليس بالضرورة مثقفاً، فقد يكون محترفًا في تخصص معيّن، لكنه يفتقر إلى أدوات التفكير النقدي ، الانفتاح المعرفي ، والوعي الإنساني و الأخلاقي. إن الشهادات العليا، من غير ثقافة حياة متنوعة و شامله، و من غير موقف أخلاقي، تصنع إنساناً منزوع الإرادة، خاضعًا للسلطة ، غير قادر على التفكير الحر خارج أسوار المنهج و عاجز عن فهم الواقع، بل يتجاهل تحليله، أو رفضه أو البحث عن حلول لإمكانية معالجته. المعرفة سلطة، و سلطة غالبية المثقفين العرب هي سلطة معرفية وهمية، رخوة و لا تجعل من حاملها مثقف ذو موقف. الشهادة لا تساوي الثقافة، و الثقافة من غير أخلاق تصبح باطلة المفعول، و الدليل القاطع، ما يحدث اليوم في العالم العربي من أهوال، و بشكل خاص ما يحدث في فلسطين المحتلة التي تبُاد، و سوريا المغتصبة الحقوق و الوجود و الغارقة في الغموض، و الراقصة على إيقاع الإعلام المزيف، و المثقفين السوريين و العرب لا يقترحون الحلول، و لا يدافعون عن حق: ما يحدث اليوم في الداخل السوري جريمة. إن القرار الإداري بتجميد تسجيل الولادات و الوفيات، و حالات الزواج و الطلاق، و تعطيل السجلات العقارية، هو قرار مبهم، غير شرعي، غير قانوني و ضد الهوية السوريه: منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، توقفت السلطات السورية الجديدة عن تسجيل الولادات والوفيات، و
الإجراء مستمر ودون أي إعلان رسمي أو توضيح يبرر هذا التجميد، و لا يمكن اعتباره مجرد خلل بيروقراطي مؤقت وإذا حاولنا النظر إليه في ضوء المنهج التحليلي عبر الربط بين تحولات السكان والتنمية والاستقرار، فإن هذا التوقف يشير إلى أزمة أعمق، تتجاوز مجرد نقص في البيانات، وتمتد إلى نوايا الدولة و غاياتها. فهناك مئات آلاف البشر بل ملايين هاجروا، أو قُتلوا، أو توفوا دون أن تُوثّق أسماؤهم رسميا، وذلك في بلد يعاني أصلاً من فجوات واسعة في سجلات الأحوال المدنية منذ عام 2011، و الأبشع، فمنذ سقوط نظام بشار الأسد، فإن حكومة الرئيس أحمد الشرع قررت، و بدون قرار قانوني، أو شرح، تعطيل السجلات الإدارية المدنية، و توقف تسجيل الولادات و الوفيات و شراء العقارات الجديدة، هذا التعطيل يُحوّل الفجوة القائمة إلى هاوية، و لا سيما بعد المجاذر الأخيرة في اللاذقية و طرطوس و حمص، جميعهم، و هم بالآلاف، لم يسجلوا في سجل الوفيات! ما معنى ذلك؟ و ما غايته؟ هل له علاقة بمشروع منح الجنسية السورية للأجانب و المرتزقة الإرهابيين الذين دخلوا إلى سوريا بحجة محاربة بشار الأسد، و الذي صرّح عنه الرئيس أحمد الشرع نفسه؟ هل هناك إحتمال بأن تّمنح هويات و أسماء الذين قُتلوا أو توفوا إلى آلاف الأجانب المحاربين و المتعددة جنسياتهم، و المقيمون الآن فوق الأراضي السورية؟ و إن حدث، هذا يعني، نقل جميع أملاكهم إلى هؤلاء المقاتلين الأجانب المرتزقة! إذاً هل هناك مشروع لتبديل المجتمع السوري بخليط بشري، مجهول النسب و الأصول؟ هل هناك مشروع لتذويب هوية سوريا و صهر حضارتها؟ إن غياب التسجيل الرسمي للولادات و الوفيات، و المهاجرين، و المقتولين و المفقودين، يُفقد الدولة أداة جوهرية لرسم السياسات: من توزيع الموارد، إلى التخطيط للخدمات الصحية والتعليمية، وحتى تقدير سوق العمل. هل هذا مخطط لتفكيك سوريا سكانياً، و تشويه ملامحها الجغرافية و الثقافية و الإقتصادية من خلال شرذمة السكان؟ لماذا هذا التعطيل الإداري لمؤسسات الدولة؟ و هل هو تعطيل إداري، أم سياسي مقصود؟ هل هو إستمرار لمخطط إيكوشار الصهيوني و الذي إخترق سوريا منذ الثمانينات؟ هل تُدرك الحكومة الحالية بأن تعطيل بيانات المواطنين سيخلق إنتهاكات قانونية و إجتماعية و إقتصادية و سيخلق نزاعات تتعلق بالورث و بإثبات الجنسية و الأصل؟ كيف يمكن أن يحدث تنمية إقتصادية و إجتماعية، ثقافية عمرانية، و حتى سياسية في غياب قاعدة سكانية واضحة و مستقرة؟ أي تاريخ جديد يرسمون لسوريا، و من وراء هذا القرار الخطير و الخبيث؟ ماذا يحدث في سوريا؟ و كيف يمكن للناس أن تفرح برفع العقوبات و الحديث عن إقتصاد و منذ أشهر ولادات بلا تسجيل؟ هل يدركون بأن الأمر هذا سيؤدي إلى تشويه إحصائي و سيفرز أجيالا من السوريين بلا أوراق رسمية، وهو ما سيفضي إلى: غياب عن الأنظمة التعليمية والصحية الرسمية، و حرمان من الجنسية أو إثباتها، تعقيد في التوريث والمعاملات القانونية، تضخم السوق السوداء للوثائق المزورة، إضاعت حقوق المولودين السوريين في المغترب، إذ ترفض السفارات السوريه في بلدان المهجر بتسجيل المولودين الجدد… هذا تشويه خطير لكيان سوريا، و سيؤدي للتغيير الديمغرافي للمجتمع السوري. غياب التسجيل الرسمي للولادات و الوفيات، و المهاجرين، و المقتولين و المفقودين، يُفقد الدولة أداة جوهرية لرسم السياسات: من توزيع الموارد، إلى التخطيط للخدمات الصحية والتعليمية، وحتى تقدير سوق العمل. فكيف يمكن الحديث عن إعادة الإعمار، و الدولة السورية الجديدة أوقفت السجل المدني و علقت بيانات المجتمع، و هذا بحد ذاته يُشكل إنتهاكات قانونية خطيره و يشوه القاعدة السكانية، التي بدونها لا يمكن الإعمار و التنمية؟ وفاة بدون تسجيل، كذلك طلاق، و زواج بدون تسجيل، كذلك بيع و شراء العقارات متوقف بسبب تعطيل تسجيل العقارات… هل هذا طبيعي؟ لصالح من تُرفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية، و القاعدة السكانية يتم شرذمتها، و التغيير الديموغرافي مستمر؟ هناك قرى كاملة باتت فارغة من سكانها الأصليين! ما يحدث في سوريا ليس أقل سوءاً و خطورة عمّا يحدث في غزة و فلسطين، أو ربما هو إمتداد إستعماري مخطط له؟ أم ترقىّ العار من مستعمر غربي، إلى مستعمر وطني؟ سوريا ليست بخير و وجودها ا