ناصر مقداد يضيء قناديل “قصر الداي” بصوته وحسن أدائه

من الحدي الروحاني إلى الحوزي الراقص والبروالي و حكايات البحر والإنتصارات… ناصر مقداد يقود الجمهور في رحلة فنية استثنائية تحت نجوم العاصمة البيضاء، مُكرّماً كبار الشعبي ومستعيداً عبق القصبة و “البهجة” عموما في أجواء احتفالية ساحرة.

شهد قصر الداي حسين الثعالبية، في ليلة مقمرة من ليالي الجزائر الدافئة، وتحت نجوم العاصمة المتلألئة، واحدة من أجمل السهرات الفنية التي احتفت بالطرب الشعبي الأصيل. في هذا الفضاء التاريخي العتيق، أطل الفنان ناصر مقداد، ابن القصبة وولد حي سيدي محمد الشريف الزهار، على جمهور عاشق للفن والتراث،.
ويأتي هذا الحفل ضمن برنامج تنشيط ولاية الجزائر خلال موسم الاصطياف 2025، تحت شعار “صيفنا لمة وأمان”، حيث تجسدت أجواء اللمة والفرح في رحاب بلاد سيدي عبد الرحمان، في أجواء من البهجة والأصالة

استهل الفنان أمسيته بقصيدة روحانية في مدح النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، باستخبار أولي مردداً بصوته العذب”يا قلبي خلّي الحال يمشي على حاله، اترك جميع الأقوال واصغِ لما قالوا، أمهل فلا تعجل، ومن صبر نالوا”.

برفقة فرقة موسيقية راقية قادها الفنان بلال ڨرين على آلة البيانو، وكريمو على البنجو التينور، إلى جانب نخبة من العازفين الموهوبين، حمل ناصر مقداد الحضور في رحلة فنية ساحرة بين أنغام الحدي والحوزي والبروالي، حيث تعانق الإبداع مع الوفاء لروح التراث. من رائعة “مال حبيبي مالو كحل العين مدبل الشفر”، إلى تحفة الشيخ مريزق “لله يا أهلي عذروني” من كلمات عبد القادر القصري، ردد الجمهور مع ناصر كلمات الأغاني في أجواء عائلية دافئة، مليئة بالحنين والتقدير للكبار الذين صنعوا مجد الشعبي.

واصل ناصر مقداد التألق عبر باقة من الأغاني التراثية التي أداها بإحساس عميق وأسلوب رقيق بصوته القوي الذي يشد المسامع و يداعب و يُلامس حنايا القلوب، منها “كل نور”، “ما سباني وأدى عقلي”، و”ما يشالي” للمغراوي، وصولاً إلى الأغنية الحكاية “لقيتها في الطواف تسعى” وأغنية “والله ما نخاف أنا بابا عيساوي” بإيقاع حماسي جميل، لتختتم الفقرة الأولى من الحفل بعد 45 دقيقة من الطرب الخالص.
ومع بداية القسم الثاني، أبدع ناصر في أداء “يا ضوء أعياني، يا الڨمري زرق الجنحان”، قبل أن يقدم قصيدة محمد الزربوط “من غيرك يا دزاير فيك الجمال غاير”، التي شدت انتباه الحضور بجمالها وبصورتها الشعرية التي تغنّت بأحياء العاصمة وأساطيرها. كما أتحف الجمهور برائعة “شهلة لهياني” التي أعادت أجواء الزمن الجميل، وأغنية “قرصان غنم” البحرية التي أضفت على السهرة طابعاً أسطوريا بامتياز يعدد حكايا و إنتصارات البحرية الجزائرية.

وكان القسم الثالث من الحفل بمثابة مسك الختام، حيث أبدع ناصر في أداء رائعة أكلي يحياتن بالأمازيغية القبائلية، التي تحكي عن وجع الهجرة وحنين العودة، وسط تجاوب و تصفيقات حارة من الجمهور. ولم يكن بإمكان ناصر أن يغادر المسرح دون أن يعيد ذاكرة الحضور إلى الزمن الذهبي للشعبي من خلال روائع بوجمعة العنقيس، فأدى “آمان آمان على زمان ماذا يوعد ويدور”، و”علاش علاش اللي بلاش ديما باقي محڨور”، كما أدى أغاني أخرى للعنقيس التي سطرها محبوب باتي مثل “تشاوروا عليا، هدروا زوروا، جمل العيوب” و”مال مالي واش يقولوا فينا”. وأبى ناصر إلا أن يختتم السهرة التي امتدت إلى ما بعد منتصف الليل بأغنية “لبسوه بوشاشية، تغامزوا عليه الهزية”، وسط أجواء من الفرح العارم والاعتزاز بالتراث الشعبي.

تحية كبيرة للفنان ناصر مقداد على هذه السهرة التي
أعادت هذه السهرة للذاكرة الشعبية وهجها، وللجمهور الذواق الذي شارك بروحه وحماسه في هذا العرس الفني الأصيل، دون أن ننسى الدور المتميز للتقني عدنان الحبشي الذي أبدع في هندسة الصوت، فكان لكل نغمة بريقها الخاص في هذه الليلة الاستثنائية.

وهكذا، لم تكن سهرة قصر الداي مجرد حفل غنائي عابر، بل كانت احتفالاً بالذاكرة، ووقفة وفاء للفن الشعبي الذي يسكن قلوب الجزائريين جيلاً بعد جيل. بصوته الدافئ وحضوره الآسر، أعاد ناصر مقداد للحرف نغمته الأصيلة، وللنغمة روحها، وللجمهور لحظة يحن إليها طويلاً… لحظة تذوب فيها المسافات بين الماضي والحاضر، حيث تلتقي القصبة بالقلوب، ويُبعث الشعبي في أبهى حلله.

خليل عدة

The post ناصر مقداد يضيء قناديل “قصر الداي” بصوته وحسن أدائه appeared first on الجزائر الجديدة.