الجــزائر تستعيد صدارة سوق الغاز الإسبـانية في 2025

سجّلت الجزائر عودة قوية إلى صدارة سوق الغاز الإسبانية خلال النصف الأول من عام 2025، بصادرات بلغت 61.57 تيراواط/ساعة، مانحةً نفسها حصة سوقية قدرها 32.5%, وتفوّقت بذلك الجزائر على الولايات المتحدة وروسيا ونيجيريا، وفق بيانات رسمية كشفتها شركة “إيناغاز” الإسبانية، لتؤكد بذلك مكانتها كمورّد رئيسي للطاقة إلى أوروبا.

وتقدّمت صادرات الغاز الجزائرية إلى اسبانيا بعد انقطاع كامل في شحنات الغاز الطبيعي المسال نحو إسبانيا خلال شهري جانفي وفيفري، في سابقة لم تُسجّل منذ تدشين العلاقات الطاقوية بين البلدين. ورغم التوقف، نجحت الجزائر في ضبط وتيرة العودة بشكل تدريجي ومدروس، مستفيدة من مرونتها اللوجستية وسيادتها على قرارات التصدير.

وازنت الجزائر بذكاء بين التزاماتها التصديرية واحتياجاتها المحلية المتزايدة، خاصة في ظل انتعاش الطلب الداخلي على الطاقة. ورغم تراجع طفيف في حجم الصادرات مقارنة بالنصف الأول من 2024 (66.33 تيراواط/ساعة)، حافظت الجزائر على تموضعها الريادي دون المساس بأمنها الطاقوي الداخلي.

كما ضخّت صادرات البلاد عبر أنابيبها 52.67 تيراواط/ساعة، وأتبعتها بـ8.9 تيراواط/ساعة من الغاز المسال، ما يعكس تنوع أدواتها التقنية وقدرتها على التكيّف مع تقلبات السوق. ويؤشر ذلك إلى جاهزية منشآتها التسييلية والشحنية، رغم فترات توقف جزئية خلال يناير وفبراير ومايو.

وتربّعت الجزائر على سوق الغاز خلال شهر جوان تحديدا، حين سجلت أعلى نسبة شهرية منذ بداية 2025، بحصة 43.6% من إجمالي واردات الغاز الإسبانية. وبلغت صادراتها خلال هذا الشهر وحده 12.04 تيراواط/ساعة، موزعة بين 7.89 عبر الأنابيب و4.15 من الغاز المسال، ما يعكس استعادة كاملة لزخمها اللوجستي.

وتفوقت امتدادات الغاز الجزائرية إلى سوق الغاز الإسبانية في وقت تراجعت فيه الولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية بنسبة 15% فقط في جوان، مقارنة بـ31.2% خلال الأشهر الستة الأولى. ويعكس هذا التراجع الديناميكيات المتغيرة في السوق الأوروبية، حيث عادت الثقة تدريجيًا إلى شركاء تقليديين مثل الجزائر، مقابل ارتفاع كلفة الغاز الأميركي.

حافظت الجزائر على موقعها أمام منافسين آخرين، في وقت تراجعت فيه حصة روسيا إلى 13.8% في النصف الأول و11.8% في جوان. أما نيجيريا، فقد سجّلت انكماشًا كبيرًا، مما رسّخ الجزائر كمصدر مستقر في ظل اضطراب الإمدادات القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء.

رسّخت البلاد دورها كشريك محوري في معادلة أمن الطاقة غرب المتوسط، مستفيدة من تراجع الثقة الأوروبية في الغاز الروسي وارتفاع تكاليف الغاز الأميركي. وتستعد لمزيد من التكامل الطاقوي مع أوروبا عبر مشاريع لرفع قدرات الأنابيب وتعزيز الربط مع إسبانيا وفرنسا وإيطاليا.

أظهرت الجزائر التزاما تعاقديا ناضجا، رغم التوترات السياسية التي طبعت علاقتها مع مدريد خلال العامين الماضيين. ولم تمنع الفتور السياسي الجزائر من الحفاظ على استقرار الإمدادات، في دلالة واضحة على قدرتها على الفصل بين السياسة والمصالح الاقتصادية الاستراتيجية.

ودعّمت الإستراتجية الحكيمة للجزائر استقرار السوق الإسبانية في ظل ارتفاع الاستهلاك المحلي هناك، إذ ارتفع الطلب في يونيو بنسبة 21.7%، مدفوعًا بزيادة استهلاك الكهرباء وتراجع إنتاج الطاقة المتجددة والنووية. وأسهم الغاز الجزائري في تلبية هذا الطلب المتصاعد، فيما بلغت نسبة امتلاء المخازن الإسبانية 74% مقارنة بـ97% في العام السابق.

وعزّزت البلاد مكانتها في وقت ارتفعت فيه صادرات الغاز من إسبانيا بنسبة 22.4%، ليصل الطلب المحلي مضافًا إلى الصادرات إلى 193.7 تيراواط/ساعة. هذه الزيادة رفعت أهمية الإمدادات الجزائرية، خاصة في ظل انخفاض المخزونات وتقلبات الأسعار.

برهنت الجزائر من خلال أدائها على قدرتها في إدارة معادلة الطاقة باحترافية سيادية، مع حفاظها على مقاربة توازن بين الندّية الاقتصادية والانفتاح الدبلوماسي. ويؤكد الخبراء أن الجزائر تفرض نفسها اليوم كقوة غازية إقليمية ذات وزن استراتيجي، قادرة على التأقلم مع تحولات السوق العالمية دون التنازل عن سيادتها.