الرشوة وأثرها على الشباب بما تحدثه في الأخلاق من الفساد والخراب
أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ والرشوة، من الرَّشْو، وهو مصدر رَشاه يرشوه رَشْواً، وَالِاسْم الرّشوة. وهي ما يقبضه المرتشي مقابل خدمة للمحاباة، من الراشي الذي يطلب خدمة ليست من حقه. والرشوة سحت، أي حرام خبيث. والرشوة تسمى الإتاوة. قال الشاعر الأديب زهير: {فَفِي كُلِّ أسْواقِ العِرَاقَ إتاوَةٌ … وَفِي كُلِّ …

أ. محمد مكركب أبران
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
والرشوة، من الرَّشْو، وهو مصدر رَشاه يرشوه رَشْواً، وَالِاسْم الرّشوة. وهي ما يقبضه المرتشي مقابل خدمة للمحاباة، من الراشي الذي يطلب خدمة ليست من حقه. والرشوة سحت، أي حرام خبيث. والرشوة تسمى الإتاوة. قال الشاعر الأديب زهير: {فَفِي كُلِّ أسْواقِ العِرَاقَ إتاوَةٌ … وَفِي كُلِّ مَا باعَ أمْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهِمِ} وتسمى المصانعة، والقهوة، والْحُلْوَان. ورد في لسان العرب: {قال ابن الأثير: الرَّشوة والرُّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء، فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه} (لسان العرب:14/322). وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم، الراشي والمرتشي. ففي الحديث. [لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ، وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ] (صحيح ابن حبان:5076) والرشوة مرض نفسي اجتماعي، يتعامل به مرضى النفوس، الذين لا يشبعون ولا يقنعون. ومن الفساد الأخلاقي الذي تخلفه رذيلة الرشوة، ومما ينعكس سلبا على الشباب: فقد الثقة في الإدارات والمرافق التي تتعامل بالرشوة، والتجرؤ على تعاطيها بدون حياء، وتفشيها بين الناس، وتضيع الحقوق، ويفقد الشباب الأمل في مجتمعهم، والشاب الذي يتولى وظيفة بالرشوة، وينجح في مسابقة بالرشوة، ويعفى من تكاليف بالرشوة، ويملك عقارات بالرشوة. فهذا الشاب عندما يصبح مسؤولا قد يعامل الناس جميعا بمثل ما عامله به الناس من قبل، وهكذا يستفحل المرض، ويخرب المجتمع. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (النساء:29) لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل، وهو كل طريق لم تبحه الشريعة، كالسرقة والخيانة والرشوة، والغصب، والربا، والقمار، وما شاكل ذلك. قال الله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} أي لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم. قال الإمام الذهبي: {قال العلماء فالراشي هو الذي يعطي الرشوة والمرتشي هو الذي يأخذ الرشوة وإنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم، أو ينال بها مَا لَا يَستحق، أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له، أو يدفع عن نفسه ظلما، فإنه غير داخل في اللعنة، وأما الحاكم (كل الولاة والأمراء والموظفين والعمال والحراس والمكلفين بالمهام) فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقا أو دفع بها ظلما، وقد روي في حديث آخر إن اللعنة على الرائش أيضا وهو الساعي بينهما وهو تابع للراشي في قصده خيرا لم تلحقه اللعنة وإلا لحقته} (كتاب الكبائر:1/132) ومن تأثير الرشوة على الفرد فإن أول من يتضرر هو الراشي والمرتشي، فإنهما يقعان في الذل والخزي، فيصاب الراشي والمرتشي إن كررا العمل بها، يصابان بفساد القلب، يفتقد معنى الشرف، ويصبح لا يبالي بمن يؤذيه في عِرْضِه، بالإضافة إلى أن الرشوة من عمل المنافقين، كما أن من يمارسها، يدخل في صف الخائنين. ومما يصاب به أهل الرشوة: موت الضمير، وموت ذاكرة الوعي عنده، يصاب بالغباوة، وتنحط شخصيته. وعيب كبير على المسلم الذي يتعامل بالرشوة، وعيب أكبر على المسؤول الذي يتقاضى مرتبا محترما، وقد يكون في مسؤولية مشرفة، وقد يكون أمينا على حسابات، ومشاريع، ومنا صب مالية أو إدارية عالية المقام في الدولة، فإذا كان يمارس الرشوة فإنه يمارس الخيانة والإجرام. وقد لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل لأنهم كانوا يفعلون المنكرات ولا يتناهون عنها. قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة:78،79)
إنهم لعنوا على فعلهم، والذين يتعاطون الرشوة لعنوا جزاء خيانتهم، وقبح صنيعهم. ألا يستحيي من يأكل أموال الناس بالرشوة.لعن الله عزّ وجلّ الكافرين من بني إسرائيل، لُعنوا بكل لسان، إِن اليهود لّما اعتدوا في السبت دعا عليهم داود فمسخهم الله قردة، وأصحاب المائدة لّما كفروا بعيسى دعا عليهم عيسى فمُسخوا خنازير، ذلك اللعن بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثمّ بيّن الله تعالى حالهم الشنيع فقال كانوا لا ينهى بعضُهم بعضاً عن الأفعال القبيحٍة، فبئس الشيء الذي كانوا يفعلونه، قال الزمخشري: (تعجيب من سوء فعلهم، مؤكد بالقسم، فيا حسرتا على المسلمين في إِعراضهم عن التناهي عن المنكر) وقال في البحر: (وذلك أن الذين لعنوا جمعوا بين فعل المنكر، والتجاهر به، وعدم النهي عنه.) هل ما زال من يقرأ هذا ويسمعه، هل يظل في ملعونا في الرشوة، أو في تعاطي الربا، أو المخدرات، أو يظل ملعونا في صنع الخمر وبيعها؟ أو في المكس، وأكل أموال الناس بالباطل؟؟ من هم الملعونون: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غير منار الأرض. ولعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ولعن الله الواشمات والمستوشمات، ولعن الله السارق،ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا، لعن الله الْمُحَلِّل، والْمُحَلَّل له، ولعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه. ولعن الله الواصلة، والمستوصلة، ولعن الله مَنْ مَثَّلَ بالحيوان،. ويأتي مع كل هؤلاء الراشي والمرتشي عياذا بالله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ] (مسند أحمد.ط.الرسالة.9023. وابن ماجه،باب التغليظ في الحيف والرشوة رقم:2313) وفي سنن الترمذي. [لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ.] (الترمذي، في باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم،رقم 1337) هل ترضى لنفسك أيها الراشي والمرتشي والرائش، أن تكونوا ممن لعنهم الله ورسوله؟ قال تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 188) وهذا النهي يشمل سائر أنواع السحت، ويجمعها في كل ما نهى الشارع عنه، كالمغصوب، والمسروق، أو ما يصرف في معصية، أو ما يؤخذ من المال العام، كأموال البلديات، والمرافق والمؤسسات الوطنية كالمستشفيات والجامعات، والشركات الوطنية، وكل أموال الأمة، ومنه تحريم الغلول، فإنَّ الغُلُولَ عارٌ، ونارٌ، وشنارٌ على أهله يوم القيامة. وماقصة صاحب الشملة عنكم بمجهولة. فلنتق الله يا عباد الله. ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾