العقيدة والحرية

أ. عبد العزيز كحيل/ العقيدة في الإسلام مبنية على الحرية، قال تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، لذلك نجد أن بعض الأحكام الشرعية قد أسقطها الله عن الرقيق أو خففها عنهم، وها نحن نرى شبابا بعقيدة سليمة صامدين لأكثر من 600 يوم في وجه واحد من أعتى الجيوش المعتدية في …

يونيو 30, 2025 - 14:04
 0
العقيدة والحرية

أ. عبد العزيز كحيل/

العقيدة في الإسلام مبنية على الحرية، قال تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، لذلك نجد أن بعض الأحكام الشرعية قد أسقطها الله عن الرقيق أو خففها عنهم، وها نحن نرى شبابا بعقيدة سليمة صامدين لأكثر من 600 يوم في وجه واحد من أعتى الجيوش المعتدية في العالم بينما جيوش بلا عقيدة انهارت في أقل من ستة أيام في مواجهة ذلك الجيش، والرسالة بالتالي واضحة: بسلاح بسيط وإيمان راسخ نهزمهم…لكن ما هي العقيدة الصحيحة وما هو التوحيد الخالص؟ الموضوع لا علاقة له بتلك المباحث الكلامية التي طوى صفحتها والتي تختزله في المماحكات والتفاصيل البيزنطية كما هو حال المدرسة التي تحتكر الكلام باسم السلف الصالح، العقيدة الإسلامية هي ذلك التصور البسيط الواضح الفاعل عن الله والكون والإنسان والحياة والذي يُثمر في وجدان المسلم وذهنه معاني تقديم رضا الله على رضا غيره ،وألا خوف إلا من الله ، وتجلية الولاء لله ورسوله وللأمة ومفاصلة أعداء الله، لذلك نجزم أن التوحيد الذي لا يصنع مسلما حرا أبيا إيجابيا رحيما غيورا على الحرمات هو مجرد مجموعة معلومات للجدل لا علاقة له بما كان عليه السلف.
وبجانب هذه العقيدة الإسلامية الصافية الجامعة الراسخة هناك في حياتنا عقائد فاسدة، منها:
– عقيدة «شعب الله المختار» الموروثة عن قول اليهود «نحن أبناء الله وأحباؤه»، باسْمها يفسدون في الأرض ماديا ومعنويا.
– عقيدة «شعب متميز وُجد قبل آدم» التي أشاعها البربريست يخرقون بها إجماع الأمة وينالون من الانتماء للإسلام والعربية.
– عقيدة «الفرقة الناجية» التي تتبناها الوهابية وعلى أساسها تصر على التميّز المرَضي عن باقي المسلمين، وباسْمها تتكبر عليهم وتفرق صفهم وتشوّه صورة الإسلام.
وهذه العقائد المنحرفة تورث التكبر والاستعلاء والعدوانية على عكس عقيدة الإسلام الصحيحة الصافية الجامعة التي تحمل في طياتها معاني الإنصاف والرفق والتواضع، عقيدة تعلّم معتنقيها أن الذل كفر والرضا به خلل ديني صارخ، وكلّ دعوة تحبّب إلى المسلمين المذلة والخنوع وطأطأة الرأس هي مجرد دجل، وكل «عالم» يكرّه للناس الحرية والأنفة والعزة هو مجرد دجال…هذه ثقافة رفيعة يجب أن نتشرّبها ونعلّمها أبناءنا لنصنع جيل النصر بدل جيل الاستسلام والانسحاب والانحراف، فالواجب المستعجل أن يربي المسلمون أبناءهم على حُبِّ الحرية وعدم الخضوع إلا لله تعالى، ذلك أن الموت مع التمسك بالحرية أهون من عيش الهوان في ظل الاستبداد لأن الاستبداد قرين الكفر وأصل كل فساد، وخبر ذلك في سير العلماء الذين قاوموا الطغيان كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية وسعيد ابن جبير، أما المشايخ الذين تصنعهم الحكومات فهم لا يؤتمنون على الدين، هم كذابون لا يصْدقون الله بكلمة يقولونها، يلوون أعناق الآيات، يضعون الأحاديث في غير موضعها، يخرقون إجماع العلماء، يأتون بالفتاوى الشاذة لإرضاء الأنظمة، وهم – مع الأسف – المسيطرون على دروس الفضائيات والإذاعات والصفحات الدينية في الجرائد والمواقع الإلكترونية لكننا نملك مواقع التواصل لنتابع العلماء الثقات ونتحرر من الثقافة الدينية المغشوشة التي أفسدت على المسلمين دينهم.
إننا نحب كل حر أبي مهما كان دينه وانتماؤه، فالإنسانية تكفي وشيجة، والإسلام لا ينكر الآخر وإنما يحبه ويتعاون معه ما لم يكن معتديا فكيف إذا كان يساند قضايانا ويقف معنا في مواجهة العدو الصهيوني المتغطرس؟ وها هم أحرار العالم من يهود ومسيحيين ولادينيين تحركت ضمائرهم من أجل غزة وغامروا بحياتهم لكسر الحصار عنها ونجدتها، فأين عقيدة من يؤلب على المجاهدين؟ هل نكون معه أو مع أحرار العالم؟ لقد تحركت البشرية كلها من أجل غزة، تستنكر الإبادة الجماعية الوحشية التي تستهدفها، تحرك المسيحيون ومن لادين لهم، تحرك اليهود أنفسهم حتى داخل فلسطين المحتلة، تحرك الجميع – سياسيون، مفكرون، إعلاميون، شعوب – لأن لديهم ضمائر وفيهم بقية من إنسانية، وقالوا بأصوات عالية: كفى إجراما…لم يتحرك صنفان فقط بل بقيا يشجعان استئصال حماس وإبادة غزة هما الأنظمة المطبعة والطائفة الوهابية شيوخا وأتباعا، وهؤلاء بنوا موقفهم على العقيدة والتوحيد!!! من شعر بالألم فهو حي ومن شعر بآلام الآخرين فهو إنسان، أي أن هؤلاء ليسوا أحياء وليسوا بشرا، وجاءت الحرب بين إيران والكيان الصهيوني لتفضحهم أكثر، وقد تبين اصطفافهم مع أعداء الأمة في كل نازلة، يؤلبون جحافلهم ضد المقاومة وضد إيران بزعم أن هذا ليس جهادا بل هو فتنة نبتعد عنها ويدعون جهارا العدو إلى القضاء على حماس لأنها «إخوانية»!!! وعلى إيران لأن أهلها روافض !!!
لا حل لهذه المشكلة إلا بإشاعة الحرية وتنشئة الناس على العقيدة الحية الفاعلة غير المحرّفة في المخابر المعادية للإسلام ولقضايا الأمة.