برؤية اقتصادية هادئة.. الجزائر تستثمر في شراكة متماسكة مع لبنان
غيّرت الجزائر بوصلة أولوياتها الاقتصادية باتجاه المشرق العربي في السنوات الأخيرة، فقد لا يختلف اثنان أن التحوّل لافت للدولة لتنويع الشراكات وتخفيف الاعتماد على الاتحاد الأوروبي، حيث اختارت الجزائر لبنان ـ رغم أزماته الاقتصادية والسياسية المتراكمة ـ كأحد المداخل البديلة نحو أسواق جديدة في رؤية إستراتيجية هادئة، تضاف إلى قائمة دول الشرق الأوسط على غرار، […] The post برؤية اقتصادية هادئة.. الجزائر تستثمر في شراكة متماسكة مع لبنان appeared first on الجزائر الجديدة.

غيّرت الجزائر بوصلة أولوياتها الاقتصادية باتجاه المشرق العربي في السنوات الأخيرة، فقد لا يختلف اثنان أن التحوّل لافت للدولة لتنويع الشراكات وتخفيف الاعتماد على الاتحاد الأوروبي، حيث اختارت الجزائر لبنان ـ رغم أزماته الاقتصادية والسياسية المتراكمة ـ كأحد المداخل البديلة نحو أسواق جديدة في رؤية إستراتيجية هادئة، تضاف إلى قائمة دول الشرق الأوسط على غرار، الأردن، قطر، عمان ..إلخ، حيث تراهن البلاد من خلالها على لبنان كنقطة ارتكاز لمشروع أكبر يربط الاقتصاد، الدبلوماسية، الثقافة والنفوذ الإقليمي.
وتأتي زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر لتؤكد هذا التوجّه المتبادل نحو بناء شراكة أكثر تماسكا، الزيارة، التي ترافقت مع استقبال رسمي موسّع، وحضور عدد من الفاعلين الاقتصاديين، تظهرت رغبة الطرفين في ترجمة التعاون السياسي إلى مشاريع اقتصادية حقيقية.
وتشكّل الزيارة فرصة لمناقشة ملفات أساسية مثل الاستثمار، الطاقة، التعليم، والنقل الجوي، وأسفرت عن توسيع العمل في إطار اتفاقيات ثنائية ومذكرات تفاهم أوسع نطاقًا.
وبلغت صادرات الجزائر نحو لبنان حوالي 153.4 مليون دولار، معظمها في قطاع الوقود ومشتقاته أكثر من 116 مليون دولار، حسب بيانات الأمم المتحدة لعام 2023، بالإضافة إلى الحديد، السكريات، وبعض المنتجات الصناعية الأخرى وفي المقابل، لا تتجاوز واردات الجزائر من لبنان 40 مليون دولار، بحسب آخر الإحصاءات المتوفرة، ما يعكس فجوة تجارية كبيرة لصالح الجزائر.
هذه الأرقام تُشير إلى أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين، رغم الزخم السياسي والدبلوماسي، لا تزال أحادية الاتجاه تقريبا، بحيث تُمثّل الجزائر مصدّرا رئيسيا للبضائع الأساسية، في حين يواجه لبنان صعوبات في الولوج إلى السوق الجزائرية، سواء بفعل العراقيل الجمركية أو ضعف القدرة التصديرية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها.
ورغم توقيع اتفاقيات تعاون بين غرف التجارة، وتأسيس مكتب اقتصادي مشترك في بيروت مطلع 2025، لا تزال حركة السلع والخدمات خجولة، ويغيب عنها التنوع الحقيقي، ففي الوقت الذي تصدّر فيه الجزائر النفط والسكر والحديد، يقتصر التصدير اللبناني غالبا على المنتجات الطباعية، بعض الأجهزة والمعدات الخفيفة، ومستحضرات محدودة لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات سنويا.
وبالعودة إلى المواقف الجزائر الداعمة للدول العربية، يعتبر إعلان الجزائر في صيف 2024 تقديم شحنة وقود مجانية للبنان في ذروة الانهيار الكهربائي، لم يكن ذلك فقط دعما إنسانيا، بل خطوة محسوبة لتأكيد نفسها كدولة محورية وموثوقة في محيطها العربي، تملك أدوات اقتصادية ناعمة تخدم بها الاستقرار بدل التدخل السياسي لبناء تحالفات سياسية واقتصادية مستندة إلى الشراكة لا التبعية.
وتوجهت الجزائر نحو لبنان من شريك صغير إلى معبر استراتيجي نحو أسواق المشرق، وذلك من خلال تعزيز العلاقات التجارية، ودعم مبادرات فتح خطوط طيران مباشرة، وتشجيع الصادرات، فلبنان، رغم صغره، يحتفظ بصلات تجارية عميقة بسوريا، العراق، الأردن، ودول الخليج، ما تبرز أهمية لبنان كشريك عبور ضمن سياسة جزائرية أوسع تهدف إلى توسيع نطاق صادراتها الطاقوية وغير الطاقوية خارج القارة الأوروبية.
وتعتمد الجزائر في هذا الاتجاه الجديد على قانون الاستثمار الجديد لسنة 2022 لإطلاق حوافز مشجعة لرجال الأعمال اللبنانيين، خصوصا في قطاعات العقار، الصناعة الغذائية، التعليم، والسياحة، للاستثمار في الجزائر التي توفر كل مؤهلات الاستثمار، وذلك من خلال إطلاق شراكة مؤسساتية تُنظّم التعاون الاقتصاد، بتوقيع على سلسلة من الاتفاقيات بين غرف التجارة “الجزائرية اللبنانية”، مع إنشاء مكتب اقتصادي مشترك في بيروت لتنسيق المشاريع، تبادل المعلومات، وتنظيم البعثات التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، ناقشت الجزائر في مارس الماضي إنشاء مركز ثقافي جزائري في بيروت كمنصة للحوار الفني، التعليمي، والسياحي، ويأتي ذلك ضمن مقاربة أوسع تعتبر أن القوة الناعمة الثقافية يمكن أن تُهيّئ الأرضية المجتمعية لأي مشروع اقتصادي ناجح لبناء الروابط المجتمعية، عبر الثقافة والتعليم، يُسهم في كسب ثقة الناس، ويخلق سياقا شعبيا داعما للاستثمارات الثنائية.
تجدر الإشارة إلى أن الجزائر نجحت في التموضع كقوة متوازنة وغير متورطة في أي محور إقليمي في منطقة مشحونة بالصراعات والانقسامات، فهي تتعامل مع لبنان دون حسابات طائفية أو ضغوط خارجية، وتحافظ في الوقت ذاته على علاقة مستقرة في المنطقة، هذا الحياد النشط يعزّز موقع الجزائر كوسيط وشريك مقبول لدى الجميع، ما يجعلها فاعلاً محوريًا في صياغة تحالفات اقتصادية عربية مستقبلية. فهيمة. ب
The post برؤية اقتصادية هادئة.. الجزائر تستثمر في شراكة متماسكة مع لبنان appeared first on الجزائر الجديدة.