جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين في كتابات أبو القاسم سعد الله
الزبير بن بردي*/ المقصود بكتابات الدكتور سعدالله ما سجله قلمه ـ رحمه الله ـ في كتبه: أفكار جامحة، وحوارات، والحركة الوطنية الجزائرية، وخارج السرب مقالات وتأملات، وتاريخ الجزائر الثقافي، وأبحاث وآراء في تاريخ الجزائر. لا تكاد تخلو أعمال سعد الله من الإشارة والتأريخ لجمعية العلماء، حيث ظلّ يُعّرف بها ويبرز دورها ويدافع عنها وينشر مبادئها. …

الزبير بن بردي*/
المقصود بكتابات الدكتور سعدالله ما سجله قلمه ـ رحمه الله ـ في كتبه: أفكار جامحة، وحوارات، والحركة الوطنية الجزائرية، وخارج السرب مقالات وتأملات، وتاريخ الجزائر الثقافي، وأبحاث وآراء في تاريخ الجزائر.
لا تكاد تخلو أعمال سعد الله من الإشارة والتأريخ لجمعية العلماء، حيث ظلّ يُعّرف بها ويبرز دورها ويدافع عنها وينشر مبادئها. وقد عرّفها بقوله: «استطاعت جمعية العلماء في ظرف قصير نسبيا أن تصبح منظمة جماهيرية، لها أتباع وأنصار في كل جزء من الوطن، ولها شُعَب ومدارس ومساجد حرة ومعلمون في كل قرية ومدينة».
كما كانت أسباب ظهور الجمعية حسب أبي القاسم سعد الله عندما سُئل عن ذلك في مجلة «العالم» الصادرة في لندن هي ظهور: «المؤشرات التي تدل على أنّ الجزائر العربية المسلمة ستختفي كما اختفت الأندلس إذا لم يتداركها أبناؤها قبل الأوان، ذلك أنّ الفرنسيّين اعتبروا أنفسهم أسياد الجزائر، واستقروا على ذلك، واستوطنوها، وهمّشوا شعبها بالتجهيل وطمس المعالم التاريخية، والاستيلاء على المساجد والزوايا والمدارس الإسلامية، وتدجين علماء الدين، أمّا السبب المباشر فهو شعور المصلحين من العلماء بضرورة مواجهة الخطر الداهم لشخصية الجزائر العربية المسلمة». أي أنّه يُرجع نشأة الجمعية إلى رغبة العلماء في المحافظة على الجزائر العربية المسلمة، والعودة بها إلى الدّين الإسلامي الأصيل.
ومن الأسباب الأخرى التي يُوردها سعد الله في تشكُّل الحركة الإصلاحية في الجزائر ونشأة جمعية العلماء:
أوّلاً: تأثير الشيخ محمد عبده (حركة الجامعة الإسلامية) ولا سيما فكرته عن الاجتهاد.
ثانياً: تأثير مجلة «المنار»، وكُتب المصلحين الدينييّن، مثل: ابن تيمية، وابن القيّم، ومحمد الشوكاني.
ثالثاً: الثورة التعليمية التي أحدثها عبد الحميد بن باديس بعد عودته من تونس والمشرق.
رابعاً: الوقع النّفسي للحرب على الأهالي الجزائرييّن، الذي أدّى إلى تدهور الاعتقادات الخرافية، بالإضافة إلى تدهور المبادئ المقدّسة في أعينهم.
خامساً: عودة بعض أبناء الجزائر المخلصين المؤمنين من الحجاز مَنْبَت الإسلام ومركز النّهضة الإصلاحية، بعد أن تعلّموا فكرة الإصلاح الناضجة.
وفيما يتعلّق بأهداف الجمعية الدينية، فيورد بعضها أبو القاسم سعد الله بقوله: «القصد من هذه الجمعية هو محاربة الآفات الاجتماعية كالخمر والميسر والبطالة والجهل، وكل ما يُحرّمه صريح الشرع وينكره العقل، وتحجره القوانين الجاري بها العمل».
كما كتب سعد الله عن دعوة وأُسس وأصول الجمعية التي تقوم عليها، ومنها: الإسلام هو دين الله ودين البشرية الذي لا تسعد إلا به، والقرآن هو كتاب الإسلام، والسنة القولية والفعلية الصحيحة، تفسير وبيان القرآن، وسلوك السلف الصالح تطبيق صحيح لهدي الإسلام، وفهوم أئمة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة، والبدعة كل ما أُحدث على أنّه عبادة وقربة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فِعله، وأفضل الخلق هو محمد -صلى الله عليه وسلم – والتوحيد أساس الدّين. ندعو إلى ما دعا إليه الإسلام وما بيّناه من الأحكام بالكتاب والسنّة وهدي السلف الصالح من الأمّة.
وتحدّث أبو القاسم سعد الله أيضاً عن أعمال ونشاطات الجمعية بقوله: «أنّ جمعية العلماء اهتمت بالإنسان، فجعلته هو الهدف في كلّ تحركاتها، وخاطبت عقله بالعلم والإصلاح والوطنية. وخاطبت عاطفته بالدّين والخطابة والتاريخ، وأنشأت لذلك جمهرة من الدعاة والخطباء والمؤرّخين والمعلمين..، ووفّرت لهم مراكز ووسائل تمثلت في المساجد والمدارس والنوادي والصحف والكتب».
مع العلم أنّ مجموع المدارس التي كانت تابعة لجمعية العلماء حتى سنة 1954، قد بلغ أكثر من 150 مدرسة، كان يتردّد عليها أكثر من خمسين ألف طفل وطفلة، يدرسون فيها: اللّغة العربية وآدابها، وأصول الدّين الإسلامي، والتّاريخ الجزائري والإسلامي، وفق برنامج يجمع بين ضرورات العلم، وبين إيجابيات التّربية الإسلامية والوطنية الصّحيحة.
وفي كتابه «خارج السرب» يقول سعد الله: «جمعية العلماء التي كانت تُعلِّم في مدارسها حبّ الجزائر في الإطار العربي الإسلامي المتميّز عن إطار الثقافة الفرنسية على نحو ما عَنَاهُ بيان أوّل نوفمبر، حين تحدّث عن دولة جزائرية في إطار المبادئ الإسلامية».
كما يقول أيضا: «جمعية العلماء بَنَتْ جذوعاً صلبة تحت جدار الاستعمار، وذلك بالبحث والحفر على تراث الجزائر العربي الإسلامي، وحضارتها الإسلامية..».
وعن خدمة علماء الجمعية للدّين، يؤكّد سعد الله أنّ علماء الجمعية بذلوا جهوداً كبيرة في فتح النوادي والمدارس في مختلف مناطق الوطن، وكذا توظيف المساجد لتعليم الدّين وعلومه والأخلاق واللّغة العربية. ويضيف قائلا: «كما أنشأت الجمعية معهد عبد الحميد بن باديس في قسنطينة..، فهو يوصل لشهادة الأهلية، ثمّ ينتقل تلاميذه إلى الزيتونة للحصول على شهادة التحصيل أو الثانوية العامة. وكانت الجمعية تخطط لإنشاء كلية في قسنطينة أيضاً للطلبة المتخرّجين من جامع الزيتونة والمعاهد الإسلامية الأخرى. كما عادت جريدة البصائر للظهور، وهي سيفٌ من سيوف الإسلام وقبس من روحانية الشرق..».
كما تطرّق أبو القاسم سعد الله إلى نشاط جمعية العلماء في فرنسا، حيث يقول في كتابه «تاريخ الجزائر الثقافي»: «أرسلت الجمعية سنة 1936، وفداً من الشيوخ منهم: الفضيل الورتلاني، وسعيد صالحي، وعبد الرحمن اليعلاوي، ثمّ الربيع بوشامة، وسعيد البيباني. وذكر البشير الإبراهيمي أنّ الثلاثة الأوائل حاولوا الحصول على مكتب دائم للجمعية في باريس فلم ينجحوا، ولكنّهم بذلوا جهوداً في فتح نوادٍ تهذيبية، والمقصود بها محلّات لتعليم الدّين والأخلاق، واللّغة العربية، وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد، بما يربط الجالية بوطنها ودينها خوفاً عليها من الضياع في الحياة الفرنسية».
وممّا يلاحظ عن نظرة سعد الله لجمعية العلماء، أنّها جمعية دينية تريد من خلال مُؤسّساتها نشر تعاليم الدّين الإسلامي في كافة تراب الوطن.
ومن جهة أخرى، يوضّح أبو القاسم سعد الله موقف الجمعية في قضية فصل الدّين عن الدولة، بقوله: «بسطت الجمعية وجريدتها البصائر القول في قضية فصل الدّين عن الدولة، وقدّمت بشأنها مقترحات إلى النّواب بالمجلس الجزائري، وعالجها الإبراهيمي في عدّة مقالات مُتّصلة الحلقات».
وفيما يتعلّق بدور جمعية العلماء في اندلاع الثورة، فيقول سعد الله في الجزء الرابع من كتابه «أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر» ما يلي: «وإنصافاً للتاريخ أيضاً، نقول أنّه لولا أولئك الفتية الذين آمنوا بربّهم ووطنهم، وكوّنوا أنفسهم في الخفاء، واجتمعوا وتجاوبوا وقرّروا الثورة، لكانت الجزائر، بدون جمعية العلماء، كريشة في مهب الريح سنة 1954..، ويبقى أن نعرف مستقبلاً كم من الذين فجّروا ثورة 1954، كانوا من خرّيجي مدارس جمعية العلماء».
فهو هنا يعطي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريّين، التي كانت تُدافع عن الهوية الوطنية المتمثّلة خاصّةً في شعارها: «الجزائر وطننا، والعربية لغتنا، والإسلام ديننا»، دوراً بارزاً في اندلاع ثورة أوّل نوفمبر سنة 1954، باعتبارها كوّنت الجيل الذي قادها وساهم في تحقيق الهدف الرئيس، ألا وهو استرجاع السيادة الوطنية، والاستقلال والحرّية عن احتلال فرنسي غاشم دام 132 سنة.
*جامعة الوادي ـ وأستاذ التاريخ المعاصر في قسم التاريخ.