دكتور معازيز عبد القادر أستاذ بالمركز الجامعي بالبيض ..من ملحمة الصومام إلى الجزائر الجديدة.. ذاكرة المجد لصياغة انتصارات الغد

الذاكرة: قال الدكتور معازيز عبد القادر بالأبيض سيد الشيخ، وهو أستاذ محاضر بالمركز الجامعي نور البشير البيض، مختص في العلوم الاجتماعية ومهتم بدراسة التراث الجزائري، أنه في صباح 20 أوت 1956، اجتمع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في قلب وادي الصومام، ليخطّوا بمداد العزم والدّم ميثاقا شاهدا على عبقرية الثورة الجزائرية ووحدة صفها، لم يكن الاجتماع يومها مجرّد مؤتمر، بل كان لحظة فاصلة تبلورت فيها الرؤية، وتوحّد المسار، ورُسمت معالم النصر قبل أن يطلّ على الأفق بعنوان تحرير وطن جزائري حرّ من أسر استعمار فرنسيّ غاشم، دام أكثر من قرن. مؤتمر الصّومام، هذا اللقاء التاريخي الذي انعقد في قرية إيفري، مثّل حدثا مفصليا في مسار الثورة الجزائرية، إذ لم يكن مجرد اجتماع تنظيمي، بل كان تأسيسا لمرحلة جديدة، قوامها الوحدة والوضوح والصّدق والصّرامة في إدارة الكفاح المسلح، كنبض دائم في وجدان الأمة، مستدعٍ من الأجيال أن تبقى يقظة القلب، صافية البصيرة، وفية للوطن، عاملة على رفعته، حتى تبقى الجزائر كما أرادها أبطالها، حرّة أبية، ومزدهرة قوية.. قبل الصومام، كانت الثورة الجزائرية تعيش مرحلة التشتت الميداني، وتفاوت التنسيق بين الداخل والخارج، وغياب خطة شاملة تؤطر النّضال، فجاء المؤتمر ليضع ميثاقا ثوريا يحدّد الأولويات، ويقسّم البلاد إلى ولايات بإدارة موحدة، وحدة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى، فجاء الصومام ليضبط العلاقة بين العمل السّياسي والعسكري، مؤكدا على أنّ الداخل هو قلب الثّورة النّابض، وأن الخارج سندُه المتين يشد به الأزر، ويشركه في الأمر. ’’إذا كان هدف الأمس هو انتزاع الحريّة.. فهدف اليوم ترسيخ السّيادة الوطنية وتحصين الاستقلال وبناء اقتصاد قوي يواكب التحولات العالمية’’ هذه القرارات التي اتخذت في ظروف أمنية خطيرة، جسّدت نضجا سياسيا وفكريا يعزُّ أن تشهد مثيله حركات التّحرر. بعد 69 عاما، يبقى 20 أوت شاهدا على أنّ القرارات المصيرية لا تصنعها الظروف المريحة، بل تُنتزع انتزاعا وسط التحديات. واليوم في جزائر الاستقلال، تقف قيادتنا الوطنية الرّشيدة على إرث أولئك الرّجال، مستلهمة من روح الصومام قيم الانضباط والعمل الجماعي، ومبدأ الإخلاص والتّفاني قلبا وقالبا. فإذا كان هدف الأمس هو انتزاع الحريّة، فإن هدف اليوم هو ترسيخ السّيادة الوطنية، وتحصين الاستقلال، وبناء اقتصاد قوي يواكب التحولات العالمية، ويستشرف المستقبل .إن المتأمل في مسيرة الدّولة الجزائرية اليوم، يلحظ بوضوح أنّ النّهج الذي خطّه قادة الصومام في ترتيب الأولويات وتوحيد الجهود، لا يزال يمثّل البوصلة التي توجّه السّياسات الراهنة ويمثّلها رجال تحلّوا بالصّدق والإخلاص، والتّفاني في العمل، لا شيء يثنيهم عن أمانيهم، وأرفعها حبّ الجزائر. فالرهان اليوم على تعزيز الجبهة الدّاخلية، وتدعيم المؤسسات، وتنويع الاقتصاد، وحماية القرار الوطني من أيّ تبعية خارجية، كلها امتدادات طبيعية لتلك الرّوح التي سادت في واد الصومام. ورغم اختلاف التّحديات بين الأمس واليوم، فإن جوهر المعركة واحد، وهو الحفاظ على الجزائر رمز الانتماء والفخر والحرية والكرامة، قوية وموحدة في وجه أيّ محاولة لزعزعة استقرارها. بالأمس، كان السلاح هو الأداة والوسيلة الوحيدة في ظلّ استعمار غاشم، أما اليوم فالسّلاح هو التنمية والابتكار والسياسة المتبصّرة. وبين الحالتين، يظلّ المبدأ ثابتا، أنّ وحدة الصف ووضوح الرؤية هما الضمان الحقيقي لدوام النصر والتمكين. إن إحياء هذه الذكرى لا يعني الاكتفاء بسرد الوقائع، بقدر ما يتعلّق باستحضار المعاني التي انبثقت منه بمبدأ أنّ القيادة الرشيدة لا تكتفي بإدارة اللحظة، بل تزرع للمستقبل، وأنّ الدول التي تنجح هي التي تربط ماضيها بحاضرها بوعي ومسؤولية. وفي هذا الربط، تؤكد الجزائر الحديثة أنها وريثة شرعية لذلك الرصيد النضالي، وحارسة أمينة لثمار التضحيات التي سالت في سبيلها دماء طاهرة. وهكذا، فإن ما بدأ في الصومام قبل ما يقارب سبعة عقود ما زال يتردد صداه اليوم، لا كشعار تاريخي يعلّق على الجدران، بل كمبدأ حي يترجم في السياسات والمشاريع والرؤية الوطنية، وإذا كانت الشعوب العظيمة تُقاس بقدرتها على الوفاء لتاريخها، فإن الجزائر، بقيادتها وشعبها، أثبتت أنها أهل لهذا الوفاء، وأهل لأن تصنع من ذكريات النصر وقودا لمستقبل يليق باسمها وتضحيات أبنائها من ملحمة الصومام إلى الجزائر الجديدة.. ذاكرة المجد لصياغة انتصارات الغد

أغسطس 20, 2025 - 16:44
 0
دكتور معازيز عبد القادر أستاذ بالمركز الجامعي بالبيض ..من ملحمة الصومام إلى الجزائر الجديدة.. ذاكرة المجد لصياغة انتصارات الغد
الذاكرة:
قال الدكتور معازيز عبد القادر بالأبيض سيد الشيخ، وهو أستاذ محاضر بالمركز الجامعي نور البشير البيض، مختص في العلوم الاجتماعية ومهتم بدراسة التراث الجزائري، أنه في صباح 20 أوت 1956، اجتمع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في قلب وادي الصومام، ليخطّوا بمداد العزم والدّم ميثاقا شاهدا على عبقرية الثورة الجزائرية ووحدة صفها، لم يكن الاجتماع يومها مجرّد مؤتمر، بل كان لحظة فاصلة تبلورت فيها الرؤية، وتوحّد المسار، ورُسمت معالم النصر قبل أن يطلّ على الأفق بعنوان تحرير وطن جزائري حرّ من أسر استعمار فرنسيّ غاشم، دام أكثر من قرن. مؤتمر الصّومام، هذا اللقاء التاريخي الذي انعقد في قرية إيفري، مثّل حدثا مفصليا في مسار الثورة الجزائرية، إذ لم يكن مجرد اجتماع تنظيمي، بل كان تأسيسا لمرحلة جديدة، قوامها الوحدة والوضوح والصّدق والصّرامة في إدارة الكفاح المسلح، كنبض دائم في وجدان الأمة، مستدعٍ من الأجيال أن تبقى يقظة القلب، صافية البصيرة، وفية للوطن، عاملة على رفعته، حتى تبقى الجزائر كما أرادها أبطالها، حرّة أبية، ومزدهرة قوية.. قبل الصومام، كانت الثورة الجزائرية تعيش مرحلة التشتت الميداني، وتفاوت التنسيق بين الداخل والخارج، وغياب خطة شاملة تؤطر النّضال، فجاء المؤتمر ليضع ميثاقا ثوريا يحدّد الأولويات، ويقسّم البلاد إلى ولايات بإدارة موحدة، وحدة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى، فجاء الصومام ليضبط العلاقة بين العمل السّياسي والعسكري، مؤكدا على أنّ الداخل هو قلب الثّورة النّابض، وأن الخارج سندُه المتين يشد به الأزر، ويشركه في الأمر. ’’إذا كان هدف الأمس هو انتزاع الحريّة.. فهدف اليوم ترسيخ السّيادة الوطنية وتحصين الاستقلال وبناء اقتصاد قوي يواكب التحولات العالمية’’ هذه القرارات التي اتخذت في ظروف أمنية خطيرة، جسّدت نضجا سياسيا وفكريا يعزُّ أن تشهد مثيله حركات التّحرر. بعد 69 عاما، يبقى 20 أوت شاهدا على أنّ القرارات المصيرية لا تصنعها الظروف المريحة، بل تُنتزع انتزاعا وسط التحديات. واليوم في جزائر الاستقلال، تقف قيادتنا الوطنية الرّشيدة على إرث أولئك الرّجال، مستلهمة من روح الصومام قيم الانضباط والعمل الجماعي، ومبدأ الإخلاص والتّفاني قلبا وقالبا. فإذا كان هدف الأمس هو انتزاع الحريّة، فإن هدف اليوم هو ترسيخ السّيادة الوطنية، وتحصين الاستقلال، وبناء اقتصاد قوي يواكب التحولات العالمية، ويستشرف المستقبل .إن المتأمل في مسيرة الدّولة الجزائرية اليوم، يلحظ بوضوح أنّ النّهج الذي خطّه قادة الصومام في ترتيب الأولويات وتوحيد الجهود، لا يزال يمثّل البوصلة التي توجّه السّياسات الراهنة ويمثّلها رجال تحلّوا بالصّدق والإخلاص، والتّفاني في العمل، لا شيء يثنيهم عن أمانيهم، وأرفعها حبّ الجزائر. فالرهان اليوم على تعزيز الجبهة الدّاخلية، وتدعيم المؤسسات، وتنويع الاقتصاد، وحماية القرار الوطني من أيّ تبعية خارجية، كلها امتدادات طبيعية لتلك الرّوح التي سادت في واد الصومام. ورغم اختلاف التّحديات بين الأمس واليوم، فإن جوهر المعركة واحد، وهو الحفاظ على الجزائر رمز الانتماء والفخر والحرية والكرامة، قوية وموحدة في وجه أيّ محاولة لزعزعة استقرارها. بالأمس، كان السلاح هو الأداة والوسيلة الوحيدة في ظلّ استعمار غاشم، أما اليوم فالسّلاح هو التنمية والابتكار والسياسة المتبصّرة. وبين الحالتين، يظلّ المبدأ ثابتا، أنّ وحدة الصف ووضوح الرؤية هما الضمان الحقيقي لدوام النصر والتمكين. إن إحياء هذه الذكرى لا يعني الاكتفاء بسرد الوقائع، بقدر ما يتعلّق باستحضار المعاني التي انبثقت منه بمبدأ أنّ القيادة الرشيدة لا تكتفي بإدارة اللحظة، بل تزرع للمستقبل، وأنّ الدول التي تنجح هي التي تربط ماضيها بحاضرها بوعي ومسؤولية. وفي هذا الربط، تؤكد الجزائر الحديثة أنها وريثة شرعية لذلك الرصيد النضالي، وحارسة أمينة لثمار التضحيات التي سالت في سبيلها دماء طاهرة. وهكذا، فإن ما بدأ في الصومام قبل ما يقارب سبعة عقود ما زال يتردد صداه اليوم، لا كشعار تاريخي يعلّق على الجدران، بل كمبدأ حي يترجم في السياسات والمشاريع والرؤية الوطنية، وإذا كانت الشعوب العظيمة تُقاس بقدرتها على الوفاء لتاريخها، فإن الجزائر، بقيادتها وشعبها، أثبتت أنها أهل لهذا الوفاء، وأهل لأن تصنع من ذكريات النصر وقودا لمستقبل يليق باسمها وتضحيات أبنائها من ملحمة الصومام إلى الجزائر الجديدة.. ذاكرة المجد لصياغة انتصارات الغد
دكتور معازيز عبد القادر أستاذ بالمركز الجامعي بالبيض ..من ملحمة الصومام إلى الجزائر الجديدة.. ذاكرة المجد لصياغة انتصارات الغد