صمود غزة يهدم مسلمات الوعي العالمي
سراي المسعودي إن صمود المقاومة في هذه الرقعة الصغيرة جدا من جغرافيا العالم وصبر أهل غزة كل هذه المدة رغم الدمار والجوع والضحايا لا يماثله في كل تاريخ البشرية صبرا إلا صبر مؤمني الخندق لقد هُدمت أساسيات في الفكر الغربي كانت تعد مسلمات للحياة المعاصرة وعنوان للحداثة وقيم عالمية في كل المعمورة وهي كما يلي. …

سراي المسعودي
إن صمود المقاومة في هذه الرقعة الصغيرة جدا من جغرافيا العالم وصبر أهل غزة كل هذه المدة رغم الدمار والجوع والضحايا لا يماثله في كل تاريخ البشرية صبرا إلا صبر مؤمني الخندق لقد هُدمت أساسيات في الفكر الغربي كانت تعد مسلمات للحياة المعاصرة وعنوان للحداثة وقيم عالمية في كل المعمورة وهي كما يلي.
· سقوط المركزية الغربية
اقتات الفكر الغربي منذ قرنين على علمنة وتشير ومركزة تصوره ا للحياة والكون والإنسان والعلاقات الانسانية متجاوزا في ذلك أي تفسير مخالف وماورائي لمختلف الظواهر ومع التطور العلمي والتقني فرض مركزيته على كل الانساق الفكرية والحضارية المختلفة عنه تاريخا وتصورا فأصبحت سرديته لتاريخ الإنسان والطبيعة والفكر هي المرجع الذي تقاس على معاييره كل الأمور و نظريته في النفس والمجتمع والثقافة هي المنوال الذي يجب ان ينسج عليه أي نسيج ثقافي او اجتماعي او سياسي حتى في حقل الدين الذي ادعى انفصاله عنه. رغم انه يعتبر نفسه امتداد للقيم المسيحية والتوراتية ولذلك لم يجد غضاضة أبدا في ان يعتبر اي دين أو ثقافة مخالف للمسيحية هو دين مخالف اقيم الحضارة الغربية، فربي خوفا مستمرا من اي تصور حياتي مختلف ولكن مقاومة أهل غزة لمدة عامين وصبرهم وتحملهم لكل الفظائع التي تمارس عليهم من مجازر وتقتيل للأطفال والنساء فجر سؤال مدهش في الوعي الجمعي الغربي عن عوامل هذا الصبر والتحمل وهذا ما دفعهم الى البحث عن حقيقة الإيمان والإسلام وتصورهما للحياة والإنسان والموت والآخرة وبالتالي اعادة النظر في السردية السائدة في تصور الحياة والإنسان والدين ليكتشفوا ان هناك تصورات ومفاهيم مختلفة يربط الدنيا بالآخرة والدنيا بالدين وقد أغنانا ذلك عن آلاف الكتب التي حولت التأثير في الوعي الغربي لتوضيح له مفهومنا للإسلام وقيمه في الحياة …
· نهاية حالة الإسلاموفوبيا
كما أنه بفضل صمود اهل غزة امام وحشية وهمجية الكيان الصهيوني. اكتشف الوعي الغربي ان دندنة ساسته ومنظومة صناعة الرأي العام عنده على نشر الخوف من الإسلام بوصفة دين عنف وتطرف وإرهاب ومعادي لقيم الحرية والحياة هي مجرد مغالطة وتعمية عن رؤية حقيقة المفاهيم الاسلامية التي جوهرها انساني وروحاني متعالي يوازن بين الكرامة والحرية والعدالة. ذلك أن العقل الغربي الرأسمالي يدرك أن أهم تصور شمولي متكامل ومنسجم للحياة والانسان والكون والمجتمع من الممكن ان يقلب المفاهيم المادية الصرفة هو الاسلام واتباعه. وخاصة بعد انهزام التصور الشيوعي لذلك أحيا سرديته فالغرب تاريخيا يصنف الإسلام واتباعه العدو الأول والأخطر الذي يجب الانتباه له ومضايقته منذ عهد الحروب الصليبية التي رغم الهزيمة النكراء التي منيو بها عادوا مع الاستعمار الغربي المسيحي لإعلان انتصارهم جغرافيا وسياسيا على الإسلام كثار لها فللم يغفروا ابدا انتشار الإسلام في مرابع المسيحية الاولى ولذلك يتربصون لأي حالة يقظة جادة حضارية للإسلام لأنه تهديد الوحيد الذي يقوض أساسات الليبرالية المادية القائمة على الاستغلال العنصري الفظيع للشعوب وحتى للفرد الاوروبي الذي جعلته طاحونة الرأسمالية مجرد ترباس في دواليبها بمجرد ما تنتهي فعاليته يطحن سمادا ولذلك زرع الكيان الصهيوني في فلسطين كجبهة متقدمة في الوطن العربي لتخريب أي مشروع وحدوي نهضوي وبين الحين والآخر يحيك المؤامرات والأحداث التي تمكنه من الرصد التام للمنطقة بأحداث القلاقل مثل اختطاف الأجانب وسقوط الابراج في 11سبتمبر و بعبع بن لادن وحرب العراق .الخ وذلك كله مع العزف المتواصل على الخوف من الإسلام .ولكن من بركات صمود أهل الغزة أنه
لم يعد الخوف من الإسلام يمثل هاجسا لدى طبقات كثيرة في الغرب، وهذا تغير كبير في الرأي العام العالمي وفي اختبار الديمقراطية والحرية.
· الديموقراطية اختيار تجاري وليست اختيار حر
أيضا من بركات الصمود التغيرات العظيمة التي حققها أهل غزة هو اكتشاف الوعي الغربي أن الديموقراطية التي كان يتوهم مثقفيها انها الانموذج الامثل الذي انتهى إليه تطور التاريخ أنها في الحقيقة ديمقراطية مموهة ومضللة انتهت إلى أن تكون ديموقراطية الأثرياء ومدراء الشركات التجارية والاعلامية وان احترام الحريات الفردية سياجه ،وسقفه حرية الشهوات والغرائز فقط والأمر كله في المحصلة من أجل تحقيق أهداف الشركات الضخمة التي تستهلك جيوب المواطن الغربي فهي في الحقيقة لعبة اختيار تجاري وليست اختيار احرار و أفراد ومن هنا أمكن لهم ان يتساءلوا عن التفاوت المتزايد بين اقلية غنية واكثرية تحولت إلى مجرد عمال رهائن قروض البنوك الرأسمالية .
إن الديمقراطية الغربية تنظر إلى الإنسان غير الغربي كالصيني والعربي والفلسطيني… نظرة لا إنسانية وغير أخلاقية وأداتيه فقد عرت حرب غزة زيف هذه الدعوات فاكتشفت نخبها المثقفة من الانحياز الأعمى والفظيع لأنظمتها الديموقراطية للصهيونية وتجلى لهم كم التضليل الإعلامي الذي يغطي الإبادة الجماعية في وسائلهم الاعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، إن ثقافة الحرية المزعومة هي مجرد يافطات وشعارات خاوية بين عوارها التوجه المضلل الذي تمارسه امريكا واسرائيل بمعاني العدل والخير والشر والأمن والمدنية …. الخ
· تهافت تهمة معاداة السامية
من المفارقات العجيبة أن نهاية الحرب العالمية الثانية التي مست فظائعها كل الشعوب العالم اختزلت في ذكرى الهولوكوست التي اقتصرت على الشعب اليهودي حيث صيغت تهمة معاداة السامية لتجريم كل معارض للتصور والتفسير الصهيوني للتاريخ والثقافات وحتى الأديان حيث يجر أي مخالف مبدعا او مفكرا أو إعلاميا الى المحاكم بمجرد ان يندد بما تمارسه الصهيونية في أرض فلسطين من احتلال وتقتيل ..فكانت السردية الصهيونية هي المسيطرة على الرأي العام العالمي ووقف العرب عاجزين على اثبات احقيتهم الدينية والقومية لموطنهم لكن صبر أهل غزة وثباتهم ومقاومتهم كشف ان معاداة السامية مجرد غطاء تسلل منه الصهيونية للسيطرة ليس على فلسطين بل على الشعوب الغربية وجامعاتها واحزابها واعلامها وحتى على انظمتها السياسية ولذلك نجد ان الراي العام الاوروبي والامريكي يقف مع غزة وفلسطين وسلطتها مع الصهيونية فمن الكرامات العظيمة لهذه الغزوة في غزة. في ان تكون محطة فاصلة لتغير كبير في العقل والوعي الغربي وأنه لمن المفارقات أن تتحول الكوفية الفلسطينية المخططة بالأبيض والأسود الى شارة وأيقونة نضال من أجل الحرية والكرامة والانسانية وصيحة” الحرية لغزة والتنديد بالإبادة الجماعية” الى صوت يطارد الرئيس ترامب والمجرم نتنياهو ورؤساء الغرب في كل المحافل والاجتماعات ..ولاشك ان قتل احد ابواق الصهيونية في امريكا الاسبوع الماضي والمسيحية المتصهينة التي تعادي العرب والمسلمين والأجانب في امريكا ليس مجرد اختلاف سياسي وإنما تعبير عن مقارعة حقيقية ستكون بين عالم متصهين وعالم يريد ان يكون أكثر عدلا وانسانية واخلاقية
والخلاصة أن رغم هوان العرب والمسلمين وما نتعرض له من اذلال الى درجة العجز عن الرد على الغطرسة الصهيونية التي تضرب في عمق الأمن العربي فان من كرامة صبر أهل غزة وصمودهم هو في جعل القضية الفلسطينية قضية إنسانية وعالمية وفي تهديم مسلمات كانت لا تناقش في الوعي الغربي والتي على مضمونها رسمت القوانين والعلاقات الدولية في الاقتصاد ،والسياسة والفكر وان جحافل الشهداء تزهر بين الهدم ،والردم والدم معاني العزة والكرامة والانسانية وكل ذلك مصدره الايمان بأنه لا غالب إلا الله الأحد.