لماذا طوفان الأقصى؟

أ. عبد العزيز كحيل/ مهما اختلفت الآراء حوله فإنه تاريخ مفصلي في حياة دول وشعوب المنطقة العربية وسيلقي بظلاله على العلاقات الدولية بشكل مؤثر ولمدة طويلة، وسيرتبط باسم حماس والمقاومة واليمن من جهة وبحلف الشر العربي من الجهة الأخرى. ما الباعث عليه؟ لقد يئس الشعب الفلسطيني من جيل فتح فراهن على جيل الشباب، واشتغلت حماس …

يونيو 2, 2025 - 16:32
 0
لماذا طوفان الأقصى؟

أ. عبد العزيز كحيل/

مهما اختلفت الآراء حوله فإنه تاريخ مفصلي في حياة دول وشعوب المنطقة العربية وسيلقي بظلاله على العلاقات الدولية بشكل مؤثر ولمدة طويلة، وسيرتبط باسم حماس والمقاومة واليمن من جهة وبحلف الشر العربي من الجهة الأخرى.
ما الباعث عليه؟ لقد يئس الشعب الفلسطيني من جيل فتح فراهن على جيل الشباب، واشتغلت حماس بصناعة جيل التحرير إيمانيا وتربويا وثقافيا وفكريا وعلميا وتقنيا، وأقنعتهم أنهم موجودون على هذه الأرض للدفاع عنها وتحريرها وربطتهم بها ربطا إيمانيا ووطنيا متينا، وفي هذا الإطار قدمت للجيل قدوات صالحة ونماذج رفيعة عبر مشروع مكتوب بالدم والشهداء والرموز والتطبيق الميداني على الأرض، وأقنعتهم أن التحرير ليس مرهونا بامتلاك ما يمتلكه العدو من قوة ولكن بامتلاك إيمان جازم بقدرتهم على التحرير بما يملكون…لقد صنعت حماس الرجل الذي لا يستسلم لقلة الإمكانات ولا يعجز أمام الحصار كما ربت المرأة التي تعرف مكانتها المركزية في القضية فتؤدي وظيفتها الرسالية بعيدا عن الجزع والعويل مهما كانت التضحيات، وهكذا هيأت جيلا تربى في الحصار والحرمان لا في الرفاهية والدعة لذلك لا يفهمه الطرف الذي يعيش في البحبوحة والترف، وهذا أحد أبرز أسرار قدرة حماس على صنع الأنفاق والصواريخ والسلاح في ظروف توحي النظرة السطحية أنها ضرب من الخيال، وهذا أدى إلى درس لقنته المقاومة للفلسطينيين والعرب والمسلمين مفاده أن ضرب الكيان الصهيوني في العمق و هزيمته شيء ممكن خلافا لما تردده الأنظمة العربية الوظيفية وعلى رأسها سلطة رام الله، ولهذا نستطيع الجزم أن غزة تصنع الأمل للجماهير العربية، فقد فعلت غزة في العدو ما لم تصنعه الجيوش العربية مجتمعة، هذا ما يقره من لا ينظر إلى النصف الفارغ من الكأس بل إلى النصف الممتلئ، نعم…لا بد في الحرب من قتلى وتخريب ودموع لكن موتانا في الجنة وقتلاهم في النار، وقد أثبتت غزة أنها تستطيع أن تنشر في الأرض المحتلة وفي قلوب الصهاينة القتل والتخريب والهلع والرعب، فعلت هذا وهي محاصرة منذ ما يقرب من 20 عاما، فما المطلوب؟ أن تستعيد الأمة الثقة بنفسها وتمتلئ أملا وتفاؤلا، فبداية المطر قطرة، وقطرةُ غزة مباركة…ثم ها هي غزة ميزت الصفوف وفضحت المطبعين والمنافقين والمرجفين الذين يتمنون انتصار العدو وانكسار غزة: «ليميز الله الخبيث من الطيب»…إنها ليست معركة عابرة بل لها ما بعدها بعد أن عكست ميزان القوة وأدخلت الصراع منعطفا لم يكن في حسبان المحتلين المعتدين وحلفائهم الغربيين والعرب و»المسلمين»، ويجب أن نحْذر خاصة الخطاب الديني المحرّف الذي يوظفه المطبعون لشيطنة أصحاب الحق وللتعاطف مع المعتدين وغمز السلاح المبارك وحامليه، ومن الضروري التأكيد على أن هذا ليس وقت محاسبة حماس ولا ذكر سلبيات سعيها ولا نقاط الضعف في طوفان الأقصى بل يجب الاصطفاف الواضح مع المجاهدين والمرابطين الذين يجاهدون نيابة عن الأمة، إن عقدوا صفقة سنقول إنها احسن صفقة، وإن لم يعقدوها سنقول حسنا فعلوا، وإن أوقفوا الحرب سنقول لقد انتصروا، وإن أبرموا هدنة سنقول هذا هو المتاح، إن استمروا في الجهاد قلنا أبطال، إن توقفوا قلنا أدوا ما عليهم، إن ماتوا قلنا شهداء… لا يعني هذا أنهم ملائكة أطهار أو مقربون منزهون عن الخطأ لكنه أولا وقت الإسناد وليس وقت الحساب، ثم من نحن حتى نسمح لأنفسنا بانتقادهم وهم في صمود قل نظيره؟ إنهم لا ينال منهم إلا منافق معلوم النفاق، أما نحن فخارج المعادلة منذ البداية، ومن إبراء الذمة أمام ربنا كفّ الألسنة والشرور عنهم ودعمهم ماليا وإعلاميا باستمرار، وسيكتبُ التاريخ أن مسلمي غزةَ يموتون من القصف و الجوع منذ أكثر من عام ونصف وبجانبِهم ملايين المسلمين يكررون الحج والعمرة و يسألونَ اللهَ الجنة !!! لو كان إقبالهم على الجهاد كإقبالهم على الحج لما بقي شبر محتل في ديار الإسلام، لكنه زمن التدين العاطفي الذي يرتضيه الغرب والأنظمة الوظيفية وتروجه الوهابية قبل غيرها، وهو خلف الخذلان والإرجاف إلى حد بعيد، وها هي فظاعة المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني جعلت العالم كله يثور ويغضب إلا الحكام العرب وشيوخهم وأتباعهم، ومعلوم أن من شعر بالألم فهو حي ومن شعر بآلام الآخرين فهو إنسان، أي أن حكام الأنظمة المطبعة خاصة المحيطة بغزة والوهابيين ليسوا أحياء و لا بشرا.
لقد كسر طوفان الأقصى غرور الصهاينة وألّب الرأي العام العالمي ضدهم وأعاد قضية فلسطين إلى الواجهة وجعل الجماهير المسلمة تلتف حول حماس بقدر ما جعل المرجفين والمتصهينين ينفرون منها.