مؤتمر الصومام: إنجازٌ ثوري تتقاذفه السرديات المتصارعة

لقد شكّل علم الحديث في الإسلام أول محاولة منهجية للتحقق من الأخبار وتأسيس أسس النقد التاريخي، ليس بمعناه الحديث فحسب، بل كنظام متكامل يعتمد على دراسة الإسناد -أي سلسلة الرواة- وفحص عدالتهم وضبطهم، مع تحليل المتن ومطابقته للقرآن، ويمكن اعتبار هذا الاهتمام بالإسناد والمتن تأسيسا مبكّرا للوعي النقدي وخطوة أولى في ضبط الأخبار التاريخية وتمييز […] The post مؤتمر الصومام: إنجازٌ ثوري تتقاذفه السرديات المتصارعة appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 24, 2025 - 17:24
 0
مؤتمر الصومام: إنجازٌ ثوري تتقاذفه السرديات المتصارعة

لقد شكّل علم الحديث في الإسلام أول محاولة منهجية للتحقق من الأخبار وتأسيس أسس النقد التاريخي، ليس بمعناه الحديث فحسب، بل كنظام متكامل يعتمد على دراسة الإسناد -أي سلسلة الرواة- وفحص عدالتهم وضبطهم، مع تحليل المتن ومطابقته للقرآن، ويمكن اعتبار هذا الاهتمام بالإسناد والمتن تأسيسا مبكّرا للوعي النقدي وخطوة أولى في ضبط الأخبار التاريخية وتمييز الصحيح من الضعيف، قبل ظهور أساليب النقد التاريخي في أوروبا بقرون عديدة، ومن هنا تنبثق الحاجة الدائمة إلى التفكير النقدي المستمرّ في كل رواية تاريخية، مهما كانت قديمة أو نالت قداسة جمعية قد تكون قداسة متوهمة.
امتدّ هذا النهج إلى الكتابة التاريخية المبكرة، سواء تعلق الأمر بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بتاريخ الإسلام المبكر وقرونه الأولى، كما يظهر في أعمال موسى بن عقبة والزهري، إذ جمعوا الأخبار عن الصحابة والتابعين بطريقة منهجية، مسجلين الأحداث والأخبار المرتبطة بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ومغازيه، في حين ركز ابن سعد على دراسة تراجم الرواة وطبقاتهم، ما أتاح التأكد من صحة الأخبار وربطها بسياقاتها الواقعية، وجاء تاريخ الطبري ليمثل مجموعا ضخما من الأخبار المسنَدة تاركا مهمة فحصها لغيره.
وهكذا وضع التاريخ الإسلامي إطارا منهجيا يعتمد على التحقق النقدي، بعيدا عن النقل الأعمى، مؤسسًا قاعدة لفهم الأحداث في سياقاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، ومع أن التاريخ سرعان ما شكّل منهجية مختلفة مع تشكل مدرسة الإخباريين، لكن النَّفَس النقدي بقي يمارس دوره في التمييز بين الروايات عند المؤرخين الصارمين.
وتوسّع هذا المنهج النقدي مع ابن خلدون، الذي رسم في مقدمة “كتاب العبر” تصوُّرا لدراسة التاريخ كأساس علمي قائم على العمران البشري والاجتماعي، ونبّه في مقدمة “مقدمته” إلى الأخطاء الشائعة عند النقل الأعمى للأخبار، وأنكر ما تصادم منها مع العقل ومع طبيعة العمران البشري، مؤكدا أن دراسة التاريخ تتطلب أدوات تحليلية دقيقة لتفريق الحقيقة عن الوهم والكذب، وفهم العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشكِّل الأحداث بما يعدُّ اختراقا في فهم التاريخ وإدراك فلسفته، وبذلك تصبح الكتابة التاريخية دراسة متكاملة للعلاقات البشرية والتفاعلات المجتمعية التي تؤطّرها، وليس مجرد سرد للأحداث.

 أثار هذا التحوُّل مطارحات إبستمولوجية عميقة حول طبيعة المعرفة التاريخية: هل التاريخ موجودٌ بذاته، أم أن المؤرخ هو من يبنيه؟ هل دور المؤرِّخ هو تفسير الماضي أم إعادة تشكيله؟ هنا يظهر مفهوم السرديات الوظيفية؛ أي الروايات التاريخية المبنية لتلبية أهداف محددة في الحاضر، سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو شخصية، وقد تتضمن تبسيط الأحداث، أو حذف وقائع، أو إعادة ترتيبها، أو منحها تفسيرات جديدة وفق مصالح معينة، بخلاف المنهجية الأكاديمية التي تسعى إلى الموضوعية والتحقق النقدي.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post مؤتمر الصومام: إنجازٌ ثوري تتقاذفه السرديات المتصارعة appeared first on الشروق أونلاين.