نظرة أولى في مشروع قانون التعبئة العامة
للحديث في هذا الموضوع، الحيوي والهام، الحساس والاستراتيجي، وبنظرة أولى في مشروع القانون الخاص بالتعبئة العامة كما قدمته الحكومة إلى البرلمان، هذه الأيام البرلمان للدراسة والإثراء والمصادقة، أي في انتظار اتمام مساره التشريعي وصدوره قانونا مكتملا، سنحاول التطرق لجملة من النقاط (سبع نقاط تحديدا)، بمنهجية بسيطة وخطة متواضعة جدا وهي على النحو التالي: 1- مفهوم […] The post نظرة أولى في مشروع قانون التعبئة العامة appeared first on الجزائر الجديدة.

للحديث في هذا الموضوع، الحيوي والهام، الحساس والاستراتيجي، وبنظرة أولى في مشروع القانون الخاص بالتعبئة العامة كما قدمته الحكومة إلى البرلمان، هذه الأيام البرلمان للدراسة والإثراء والمصادقة، أي في انتظار اتمام مساره التشريعي وصدوره قانونا مكتملا، سنحاول التطرق لجملة من النقاط (سبع نقاط تحديدا)، بمنهجية بسيطة وخطة متواضعة جدا وهي على النحو التالي:
1- مفهوم التعبئة العامة:
نظرا لقلة المراجع الخاصة بالتعبئة العامة، حتى لا أقول انعدام كلي لها، وبالتالي اعتبارا لندرة أي مفهوم معين أو تعريف محدد لها حاولنا، بشيء من الاستنباط والاجتهاد -قدر المستطاع بالتأكيد- أن نقدم مفهوما متواضعا وتعريفا بسيطا للتعبئة العامة، كما يلي:
تعريف ومعنى التعبئة في المعاجم (معجم المعاني الجامع- معجم عربي عربي)
التَّعبِئة العامَّة: دعوة وحدات الجيش وتهيئة موارد الدولة وإعدادها عند الحرب،
عَبَأَ المتَاعَ: جَعَل بعضَه فوق بعض: وعَبَأَ الجيشَ: جهَّزهُ في مواضعه وهيَّأَهُ للحرب.
لكن ما المقصود بالتعبئة العامة التي ناقشها اجتماع مجلس الوزراء ويناقشها البرلمان حاليا؟
حسب بيان رئاسة الجمهورية الصادر عقب اجتماع مجلس الوزراء الأخير فإن المقصود بالتعبئة العامة، فيما يخص مشروع القانون الخاص بها، هو “مراجعة تنظيم وتحيين الإطار القانوني الذي يمكن الدولة من تسخير قدراتها البشرية والمادية في حالات الطوارئ الكبرى، مثل الحروب أو التهديدات الأمنية الشاملة. ويشمل ذلك آليات تجنيد الاحتياط، وتسخير الموارد الاقتصادية، وضمان جاهزية المؤسسات الوطنية للتعامل مع السيناريوهات القصوى التي تهدد الأمن القومي“.
2-أهمية مشروع هذا القانون:
مما لا ريب فيه أن مشروع هذا القانون يعد بحق وفعلا “لبنة تشريعية جديدة تضاف إلى المنظومة القانونية والتنظيمية التي تحكم مجال التعبئة العامة، لاسيما بعد سن وصدور القانون رقم 22-20 المؤرخ في أول غشت سنة 2022 والمتعلق بالاحتياط العسكري (ج ر رقم 52/2022) والنصوص القانونية الأخرى سواء منها ذات الصلة كالقانون 91-23 المؤرخ في 6 ديسمبر سنة 1991 بالمتعلق بمساهمة الجيش الوطني الشعبي في مهام حماية الأمن العمومي خارج الحالات الاستثنائية، العدل والمتمم، والقانون 87-16 المؤرخ في أول غشت سنة 1987 بالمتعلق باستحداث الدفاع الشعبي وتحديد مهامه وتنظيمه أو تلك المتخذة لتطبيقه.
3–السياق العام الذي أتى فيه مشروع هذا القانون:
من خلال تفحصنا لعرض الأسباب المقدم من طرف الحكومة، نجد أن مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة يأتي أولا لتجسيد متطلبات المادة 99 من الدستور الحلي والمتمثلة في “مجموع التدابير الواجب اتخاذها لضمان أكبر فعالية في انتقال القوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية وكذا الاقتصاد الوطني من حالة السلم إلى حالة الحرب ووضع القدرات الوطنية تحت تصرف المجهود الحربي”. ويندرج ثانيا ضمن مساعي الدولة الرامية إلى مجابهة أي خطر يهدد استقرار البلاد وأمنها وسلامتها الترابية. كما يأتي في إطار “مساعي الدولة الرامية إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة والتحضير لمجابهة أي خطر وشيك يهدد استقرار البلاد واستقلالها وسلامتها الترابية“.
4–السياق الخاص الذي أتى فيه مشروع هذا القانون:
الأكيد أن رئيس الجمهورية مطالب بموجب الدستور بأن يحرص أشد الحرص على التطبيق السليم للدستور وعلى احترامه والدفاع عنه وعلى استمرارية الدولة وعلى السير الحسن والدائم لمؤسسات الدولة..، يتجلى ذلك من خلال مواد وأحكام دستورية عديدة، يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
أ-المادة 90 من الدستور الحالي، التي تنص على أن “يؤدّي رئيس الجمهوريّة اليمين حسب النّصّ الآتي:
“بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،
وفاء للتّضحيات الكبرى، ولأرواح شهدائنا الأبرار، وقيم ثورة نوفمبر الخالدة، أُقسم باللّه العليّ العظيم، أن أحترم الدّين الإسلاميّ وأمجّده، وأدافع عن الدّستور، وأسهر على استمراريّة الدّولة، وأعمل على توفير الشّروط اللاّزمة للسّير العاديّ للمؤسّسات والنّظام الدّستوريّ، وأسعى من أجل تدعيم المسار الدّيمقراطيّ، وأحترم حرّيّة اختيار الشّعب، ومؤسّسات الجمهوريّة وقوانينها، وأحافظ على سلامة التّراب الوطنيّ، ووحدة الشّعب والأمّة، وأحمي الحرّيّات والحقوق الأساسيّة للإنسان والمواطن، وأعمل بدون هوادة من أجل تطوّر الشّعب وازدهاره، وأسعى بكلّ قواي في سبيل تحقيق المثُل العليا للعدالة والحرّيّة والسّلم في العالم .
واللّه على ما أقول شهيد .”
ب-المادة 99 من الدستور الحالي، التي تنص على أن رئيس الجمهورية يقرر التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني.
5–أنواع التعبئة وأصنافها:
يذكر أن التعبئة هي فعل تسخير الأشخاص، العتاد والخدمات لاستعمالهم في إطار الدفاع الوطني أو في حالة الضرورة الملحة للمنفعة العامة. وتتمثل التعبئة في تحضير الإمكانات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والعسكرية بغية الرد على التهديدات والأزمات والحروب والاضطرابات والقلاقل التي يمكن أن تحدث هنا أو هناك. تقوم التعبئة، التي هي واجب كل مواطن، على تطوع وإخلاص وتضحية الاحتياطيين الذين من واجبهم الحضور عندما يكون أمن واستقلال وسلامة الوطن في خطر.
يمكن أن تكون التعبئة عامة أو جزئية، كما تكتسي أيضا طابعا مدنيا أو عسكريا.
التعبئة العسكرية أو التعبئة في مفهومها العسكري:
تهدف التعبئة العسكرية إلى الرفع، في أقصر الآجال، من قدرات القوات المسلحة في حالة السلم، إلى المستوى الذي يسمح بمواجهة التهديدات التي تتربص بالوطن.
تعتمد التعبئة العسكرية على موارد بشرية قابلة للتعبئة، تسمى الاحتياط، الذي يتكون من المواطنين الذين أدوا الخدمة الوطنية أو أفراد الجيش العاملين أو المتعاقدين الذين أحيلوا على التقاعد، والذين يستوفون
بعض الشروط، من الصحة والانضباط والسن.
يستفيد الاحتياطيون الذين أعيد استدعائهم من الحقوق، التي منها:
–المتعلقة بالأجر: يتحصلون على نفس أجرة العسكريين العاملين من نفس الرتبة والسلم؛
–المحافظة على الوظيفة: تتخذ المؤسسة المؤجرة الأصلية للاحتياطي، كافة التدابير لإعادة تشغيل الاحتياطي بعد تسريحه ولو فوق الحاجة.
يبقى كل احتياطي معني بإعادة استدعاء دفعته، الذي تغيب بفعل نسيان إعلان تغيير المسكن، في وضعية غير قانونية ومتابع من طرف القضاء العسكري المختص إقليميا.
وتكتسي التعبئة العسكرية أهمية خاصة، إذ ترتكز على ما يعرف بـ”الاحتياط”، وهم المواطنون الذين أدوا الخدمة الوطنية أو أفراد الجيش السابقون المتقاعدون، ممن تتوفر فيهم شروط الصحة والانضباط والسن، ويستدعون عند الحاجة. ويحظى هؤلاء الاحتياطيون، عند استدعائهم، بعدة حقوق مكفولة قانونا، من أبرزها الأجر المماثل لنظرائهم العسكريين العاملين من نفس الرتبة، وضمان الحفاظ على وظائفهم الأصلية داخل مؤسساتهم.
التعبئة السياسية أو التعبئة في مفهومها السياسي:
التعبئة السياسية، أو التعبئة الشعبية، (بالإنجليزية Mass mobilization): مصطلح يشير إلى محاولة فرد ما التأثير على التوزيع الحالي للسلطة. ويُرَى ذلك عادةً في الجماعات الديموغرافية والأقليات العرقية. تُعرَّف التعبئة الجماهيرية، بأنها عملية تشرك وتحفز مجموعة واسعة من الشركاء، والحلفاء، على المستويين الوطني والمحلي، لزيادة الوعي والطلب بشأن هدف إنمائي معين من خلال الحوار وجهاً لوجه. يعمل أعضاء المؤسسات، والشبكات المجتمعية، والجماعات المدنية، والدينية، وغيرهم، بطريقة منسقة للوصول إلى مجموعات محددة من الأشخاص لإجراء حوار محملين برسائل محددة ومخططة. بعبارة أخرى، تسعى التعبئة الاجتماعية إلى تسهيل التغيير من خلال مجموعة من اللاعبين المشاركين في الجهود المترابطة، والمتكاملة.
التعبئة الجماهيرية للحركات الاجتماعية:
الحركات الاجتماعية، هي مجموعات، تحتج على قضايا اجتماعية أو سياسية.
-تحاول الحركات الاجتماعية المختلفة، توعية الجمهور، والسياسيين بمختلف المشكلات الاجتماعية.
-بالنسبة للحركات الاجتماعية، من المهم حل المشاكل من خلال العمل الجماعي.
-عندما تحتج الحركات الاجتماعية على شيء ما لصالح المجتمع بأسره، يكون من الأسهل على الفرد عدم الاحتجاج.
-سوف يستفيد الفرد من النتيجة، لكنه لن يخاطر بأي شيء من خلال المشاركة في الاحتجاج. يُعرف هذا أيضًا باسم مشكلة الراكب الحر.
-يجب على الحركات الاجتماعية، إقناع الناس بالانضمام إلى الحركة لحل هذه المشكلة.
مثال على ذلك:
معارضة تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام. خلال حرب فيتنام، حيث حشد مؤيدو ومعارضو الحرب إلى الاحتجاجات. كانت الحركات الاجتماعية ضد الحرب مجموعات من الطلاب أو قدامى المحاربين. لم تصدق هذه الجماعات أن الحرب مبررة، وأن على الولايات المتحدة سحب القوات المتمركزة هناك. ولمواجهة هذه الاحتجاجات، خاطب الرئيس ريتشارد نيكسون «الأغلبية الصامتة»، ليدعموا الحرب، ولتنظيم احتجاجات مضادة تدعم الحرب. حركة السترات الصفراء، هي حركة اجتماعية نشأت في باريس. بدأت الاحتجاجات عندما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، زيادة ضريبة الوقود. فرأى المتظاهرون ذلك بمثابة ضريبة على الطبقة العاملة، والناس في الريف الذين يضطرون إلى القيادة إلى العمل. في البداية كانت الحركة ناجحة، انضم إليها الكثير من الناس وأيدته غالبية السكان. ولكن بعد الأسابيع الأولى، انهارت الحركة، وأصبحت بعض الفصائل عنيفة. انخفض عدد المتظاهرين وانخفض دعم السكان لهم.
التعبئة الجماهيرية الحكومية
يمكن للحكومات تعزيز التعبئة الجماعية لدعم القضايا التي تعززها. تحاول العديد من الحكومات تعبئة السكان، للمشاركة في الانتخابات، وغيرها من أحداث التصويت. ومن المهم للأحزاب السياسية في أي بلد أن تكون قادرة على تعبئة الناخبين من أجل كسب الدعم لحزبهم، مما يؤثر على إقبال الناخبين بشكل عام.
أمثلة على ذلك:
طبقت ألمانيا النازية، تقنيات تعبئة جماعية لكسب الدعم لسياساتها. حيث يحشد الحزب النازي السكان من خلال اجتماعات جماعية واستعراضات وتجمعات أخرى. هذه الأحداث جذبت مشاعر الناس. كثيرا ما تستخدم كوريا الشمالية، الحشود الجماعية، لدعوة شعبها للتعبير علنًا عن ولائهم، في المناسبات والأعياد المهمة. تستخدم التعبئة أيضًا، لاكتساب القوى العاملة للقيام بمهام مثل البناء، وأعمال الزراعة، والحفاظ على الأماكن العامة نظيفة، والإغاثة العاجلة من الكوارث. كما تستخدم التعبئة الجماعية، لجلب العملة الصعبة. كما أن المشاركة في حملات التعبئة إلزامية، وقد يؤدي عدم المشاركة فيها إلى عقوبات. ومع ذلك، بالنسبة للبعض، من الممكن تقديم الرشوة لإعفاء أنفسهم من الخدمة.——————————–يتبع
د. موسى بودهان
The post نظرة أولى في مشروع قانون التعبئة العامة appeared first on الجزائر الجديدة.