ساعة الصفر في حسابات الجزائر الإستراتيجية !

‪ ‬‬ تعزيز قدرة الدولة على التحرك الفوري والمنظم في الحالات الاستثنائية ‪ ‬‬ ‪ ‬‬ ‪ ‬‬ في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والمتغيرات الجيوسياسية العميقة التي يشهدها العالم، برزت الحاجة في الجزائر إلى تعزيز البنية التشريعية المرتبطة بالأمن والدفاع الوطني، من خلال مشروع قانون جديد تحت مسمى “قانون التعبئة العامة”. هذا المشروع الذي أقره …

مايو 20, 2025 - 20:11
 0
ساعة الصفر في حسابات الجزائر الإستراتيجية !

‪ ‬‬
تعزيز قدرة الدولة على التحرك الفوري والمنظم في الحالات الاستثنائية
‪ ‬‬

‪ ‬‬

‪ ‬‬
في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والمتغيرات الجيوسياسية العميقة التي يشهدها العالم، برزت الحاجة في الجزائر إلى تعزيز البنية التشريعية المرتبطة بالأمن والدفاع الوطني، من خلال مشروع قانون جديد تحت مسمى “قانون التعبئة العامة”.
هذا المشروع الذي أقره مجلس الوزراء في 7 أفريل 2025، يُعتبر خطوة إستراتيجية نحو رفع الجاهزية الشاملة للدولة بكل قطاعاتها ومؤسساتها في مواجهة الأخطار والتهديدات المحتملة.
وقد كشف النائب عبد الله عماري، عضو لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، في حديث لجريدة “الوسط”، أن هذا المشروع يأتي استجابة ضرورية لتأمين الجبهة الداخلية وتعزيز قدرة الدولة على التحرك الفوري والمنظم في الحالات الاستثنائية.
‪ ‬‬
السياق الجيوسياسي وأسباب التشريع
‪ ‬‬
تشهد المنطقة المغاربية والساحل الإفريقي تحديات أمنية معقدة تتراوح بين الإرهاب، الهجرة غير الشرعية، تهريب السلاح، وتدخلات القوى الإقليمية والدولية في شؤون الدول الضعيفة. الجزائر، التي تتمتع بموقع استراتيجي حيوي يربط شمال إفريقيا بالجنوب الصحراوي، ليست بمنأى عن هذه التهديدات، خاصة مع التوترات الحدودية المتكررة من جهات عدة.
وفي هذا الإطار، يشير عماري إلى أن التعبئة العامة ليست خيارًا بل “ضرورة وطنية”، حيث تسعى الدولة إلى بناء منظومة قانونية مرنة ومتكاملة تتيح تحويل البلاد من وضع السلم إلى وضع الطوارئ أو الحرب بسرعة وكفاءة.
‪ ‬‬
أهداف القانون ومضمونه الرئيسي
‬‬
ينص مشروع القانون على أن التعبئة العامة هي “مجموعة التدابير والإجراءات التي تهدف إلى تحويل مؤسسات الدولة ومواردها البشرية والمادية من حالة السلم إلى حالة الاستعداد الكامل لمواجهة أي عدوان أو خطر يهدد سيادة الدولة واستقرارها”.
ويؤكد النائب عماري أن هذا القانون لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل يشمل البنية الاقتصادية، الصحية، الإعلامية، والإدارية، ليشكل بذلك شبكة دعم وطني متكاملة قادرة على الصمود والتصدي.
ويمنح مشروع القانون حسب ذات النائب صلاحية إعلان التعبئة العامة لرئيس الجمهورية، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك خلال اجتماع لمجلس الوزراء، وتُنهي بنفس الآلية. ويفتح المشروع المجال لإمكانية إعلان “تعبئة جزئية” في مناطق أو قطاعات معينة، حسب طبيعة الخطر وحدوده، ما يمنح المرونة في التطبيق دون الحاجة إلى تعطيل شامل لحياة البلاد.
‪ ‬‬
الأدوار الوزارية والمؤسساتية
‪ ‬‬
تُكلف كل وزارة في الدولة بإعداد “مخططات خاصة بالتعبئة”، يتم دمجها في “مخطط تعبئة وطني” تُشرف عليه وزارة الدفاع الوطني. وتشمل هذه المخططات آليات توجيه الموارد، تسخير الإمكانيات، وتحديد المسؤوليات. كما يُلزم القانون الوزارات بوضع احتياطات مادية وبشرية تُستخدم عند الحاجة، إلى جانب إعداد تقارير دورية لمراقبة جاهزية هذه الاحتياطات وصيانتها.
ومن بين القطاعات المعنية بشكل مباشر بالتعبئة: وزارة الدفاع، الداخلية، الخارجية، الصناعة، الصحة، النقل، الموارد المائية، الفلاحة، الطاقة، البريد والمواصلات، التجارة، الاتصال، والشؤون الدينية. ويشدد القانون على ضرورة التنسيق الوثيق بين هذه الوزارات لضمان نجاح التعبئة الشاملة أو الجزئية عند الضرورة.
‪ ‬‬
تسخير الموارد وتعليق التقاعد
‪ ‬‬

ينص المشروع صراحة على إمكانية “تسخير الأشخاص، الممتلكات العامة والخاصة، والخدمات”، بهدف دعم المجهود الحربي أو الوطني. وتُعد هذه النقطة حساسة، لأنها تمس حقوق الأفراد والمِلكيات الخاصة، ما يستدعي ضوابط قانونية صارمة لتفادي الانزلاقات.
كذلك، ينص القانون على “تعليق الإحالة على التقاعد” بالنسبة للموظفين والعاملين الذين يشغلون مناصب إستراتيجية لها علاقة بالتعبئة، لضمان الحفاظ على الكفاءات والخبرات اللازمة في الظروف الاستثنائية.
‪ ‬‬
ويتضمن المشروع حسب ذات المتحدث فرض قيود على بعض النشاطات الاقتصادية، خاصة “الحد من تصدير المواد الاستهلاكية الأساسية”، وذلك لضمان توفيرها للسوق الوطنية في زمن الأزمات. كما يمنح السلطات المختصة صلاحية التدخل في تسيير الموارد اللوجستية والنقل والخدمات الحيوية لضمان استمرارية عمل الدولة ودوام الخدمات للمواطنين.
‪ ‬‬
المجتمع المدني والتعبئة المعنوية
‪ ‬‬

من أبرز النقاط التي أثارها عبد الله عماري، هي “البُعد المعنوي” للتعبئة العامة، حيث يرى أن القانون لا يهدف فقط إلى حشد الموارد المادية، بل إلى تعبئة الوعي الجماعي للمجتمع. ومن هنا، يشمل المشروع دورًا فاعلاً للمجتمع المدني من جمعيات ومنظمات شبانية ونقابات مهنية في دعم المجهود الوطني، عبر حملات تحسيس وتكوين، خاصة في القطاعات الحيوية.
ويُمنح لقطاع الاتصال (الإعلام العمومي والخاص) دور محوري في التوعية، محاربة الإشاعات، وبناء ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. أما وزارة الشؤون الدينية، فستتولى دورًا تعبويًا روحيًا، من خلال الخطب والدروس التي تحث على التضامن، الوطنية، والامتثال للقانون.
‪ ‬‬
الأحكام الجزائية والعقوبات: بين الردع والانضباط الوطني
‪ ‬‬

يتضمن مشروع قانون التعبئة العامة فصلًا خاصًا بالأحكام الجزائية، يُعد من بين أبرز أركان النص القانوني الجديد، إذ يُضفي طابع الجدية والصرامة على مسار التعبئة الوطنية، ويضمن الالتزام الفعلي من جميع الفاعلين، سواء كانوا أفرادًا، إدارات، أو مؤسسات عامة وخاصة.
ويهدف هذا الفصل إلى منع أي تهاون أو تلاعب قد يعرقل الجهود الوطنية في مواجهة التهديدات، ويؤسس لثقافة الانضباط القانوني في زمن الأزمات.
وفقًا لما ورد في مشروع القانون، يُعاقب كل من يرفض أداء الواجبات الموكلة إليه أثناء حالة التعبئة العامة، سواء كان موظفًا، عاملًا في قطاع استراتيجي، أو حتى مواطنًا تم تسخيره ضمن الخطة الوطنية.
وتُشدد العقوبات بشكل أكبر على حالات “التخلي غير المبرر عن المهام”، حيث يُنظر إلى هذا الفعل على أنه خيانة للواجب الوطني، ويُعامل بموجب قوانين الطوارئ والأمن القومي. وتشمل العقوبات المحتملة الغرامات المالية، الإقصاء من الوظائف، الحبس المؤقت أو حتى العقوبات السالبة للحرية في الحالات الخطيرة.
كما يشمل الإطار الجزائي معاقبة كل من يُسيء استخدام الممتلكات المسخرة من قبل الدولة لأغراض التعبئة، سواء تعلق الأمر بمعدات، مركبات، أو حتى منشآت عامة وخاصة.
ففي هذا السياق، يُعدّ أي تصرف يتسبب في إتلاف أو سوء استغلال لهذه الموارد خرقًا جسيمًا للقانون، ويُعامل كجريمة ضد المصلحة العامة. ويتم التعامل بصرامة أيضًا مع أي جهة أو فرد يحاول توجيه هذه الموارد لأغراض شخصية أو ربحية، إذ يعتبر ذلك “استغلالًا للوضع الخاص للبلاد” وقد تصل العقوبات في هذه الحالات إلى حد العقوبات الجنائية المشددة.
ومن بين البنود الهامة أيضًا، تلك المتعلقة بـ”عرقلة عملية التعبئة”، سواء بطريقة مباشرة كرفض تنفيذ الأوامر، أو بطريقة غير مباشرة، مثل نشر معلومات مغلوطة، بث الإشاعات، أو التحريض على العصيان في أوقات الطوارئ. وتُصنف هذه الأفعال ضمن “التهديد للأمن القومي”، حيث يرى المشرّع أن التعبئة لا تُبنى فقط على توفر الإمكانات، بل أيضًا على الثقة والانضباط المجتمعي.
‪ ‬‬
وفي تصريحه لجريدة “الوسط”، شدد النائب عبد الله عماري على أن هذه الأحكام ليست للتخويف أو القمع، بل “ضرورة وطنية لحماية التعبئة من التسيب والتفلت”، مؤكدًا أن القانون يراعي التوازن بين الردع القانوني والضمانات القضائية، حيث تُمنح للمتهمين حقوقهم في الدفاع والطعن أمام الجهات القضائية المختصة، بما يحفظ مبدأ سيادة القانون حتى في ظل الظروف الاستثنائية.
ويُشكل هذا الجانب من القانون رسالة واضحة لكل الفاعلين في المجتمع: إن زمن الأزمات لا يحتمل الفوضى، وإن الأمن القومي مسؤولية جماعية لا فردية، يُحاسب فيها كل مقصّر، ويُكرَّم فيها كل من يؤدي واجبه بإخلاص والتزام.
ويُمثل مشروع قانون التعبئة العامة في الجزائر خطوة نوعية في تطوير البنية القانونية للدفاع الوطني، وتوسيع مفهوم الجاهزية ليشمل كل مكونات الدولة والمجتمع. وكما عبّر النائب عبد الله عماري، فإن القانون هو “رسالة للشعب أولاً، بأن الدولة لن تتهاون في حماية أمنه واستقراره، ورسالة للخارج بأن الجزائر على أهبة الاستعداد في كل الظروف”.
وبين التحضير القانوني والتنفيذ العملي، يبقى النجاح مرهونًا بالجاهزية، الانضباط، والتلاحم بين المواطن والدولة.

‪ ‬‬أمين بن لزرق