20 ماي 2025/1965 : الذكرى الـ 60 لرحيل شيخ الجزائر و فصيحها ونضاله في مشرقنا الإسلامي

أ. مصطفى محمد حابس جنيف/سويسرا/ ستون (60) سنة مضت على رحيل شيخ الجزائر وفصيحها، العلامة المفوه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، رفيق درب الشيخ المؤسس العلامة عبد الحميد بن باديس رحمهما الله تعالى، والرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين وهي من الذكريات المهمة في تاريخ الجزائر عامة والجمعية خاصة والذي وافاه الأجل وهوتحت الإقامة الجبرية في جزائر …

مايو 28, 2025 - 13:56
 0
20 ماي 2025/1965 : الذكرى الـ 60 لرحيل شيخ الجزائر و فصيحها ونضاله في مشرقنا الإسلامي

أ. مصطفى محمد حابس
جنيف/سويسرا/

ستون (60) سنة مضت على رحيل شيخ الجزائر وفصيحها، العلامة المفوه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، رفيق درب الشيخ المؤسس العلامة عبد الحميد بن باديس رحمهما الله تعالى، والرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين وهي من الذكريات المهمة في تاريخ الجزائر عامة والجمعية خاصة والذي وافاه الأجل وهوتحت الإقامة الجبرية في جزائر الاستقلال التي أفنى عمره من أجلها، وبهذه المناسبة وهو شيخ البيان والأدب عند المسلمين والعرب، أحب أن أتوقف مع بعض محطات الشيخ في المشرق خصوصا، وأذكر أنه في إحدى زياراتي للعراق وفي إحدى الندوات بالنجف، صادف ان عقبت على أحد المتدخلين حول دور جمعية علماء الجزائر والقضية الفلسطينية، مذكرا ببعض مناقب الشيخ البشير الابراهيمي والمعروف دوره كثيرا لدى أهل العراق، فاستوقفني بعد الندوة أحد أعلام العراق والذي عرف الشيخ الابراهيمي شخصيا عن قرب وكلمني عنه معجبا بجهاده وقلمه ولسانه، إنه العلامة الشاعر محمد حسين الصغير (رحمه الله)، كما كلمني عن السفير الجزائري في العراق عثمان سعدي (رحمه الله) ودفاعه عن العربية والعروبة..

الشيخ الابراهيمي ونضاله في مشرقنا الإسلامي
ومن العراق زودني أحد أحبابنا منذ مدة، ببعض ما يكتب في السنوات الأخيرة عن رجال جمعية العلماء إبان الثورة وخاصة عن العلامة الابراهيمي الذي زار العديد من دول المشرق منها خاصة مصر ولبنان وسوريا والعراق، ناهيك عن مكة والمدينة.
أما عن العراق، فقد كتب عن الامام الابراهيمي وزيارته للعراق، المؤرخ العراقي، ا.د. ابراهيم خليل العلاف، مقالا مطولا نقتبس منه بعض القطوف، إذ بعد التعريف بسيرة الشيخ العلامة الابراهيمي، قائلا، «ان الشيخ محمد البشير الابراهيمي الجزائري لمن لا يعرفه، ولم يسمع به من قبل مناضل ومجاهد ، ومفكر وعالم ديني ومصلح جزائري معروف عاش بين سنتي 1889 و1965 . هذا الرجل عرف الموصل بالعراق وعرفته وقد زار الموصل أكثر من مرة».
مبينا دوره رحمة الله عليه في تاريخ الجزائر الحديث وفي التاريخ العربي الحديث والمعاصر، وقد كتب عنه وعن نضاله كثيرون .. وممن كتب عنه في العراق الأستاذ ياسين الحسيني في (موسوعة أعلام العرب) التي اصدرتها بيت الحكمة ببغداد سنة 2000 وقال: «ان الابراهيمي غادر الجزائر سنة 1911 قاصدا والده الذي كان يقيم في المدينة المنورة وفي طريقه زار القاهرة حيث كانت القاهرة آنذاك مكانا لتجمع عدد من رجالات حركة النهضة العربية أمثال السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والسيد عبد الرحمن الكواكبي».

الإبراهيمي من المدينة المنورة دمشق الشهباء:
مبينا أن الشيخ الابراهيمي درس في المدينة المنورة وهوفي المدينة المنورة اتصل سنة 1913 بالشيخ عبد الحميد باديس الشخصية الجزائرية التي رفعت شعار الإصلاح والتخلص من الاستعمار الفرنسي وقد اتصل بالشيخ عبد الحميد بن باديس ودرسا سوية حالة بلدهما الجزائر وكيف يمكن التخلص من الاستعمار الفرنسي وكان هذا الاتصال حجر الزاوية في حركة النهضة في الجزائر وتعميق الوعي بين أبناء الجزائر وبعد انتهاء دراسته في المدينة المنورة انتقل الى دمشق سنة 1916 حيث عمل مدرسا للغة العربية وآدابها في واحدة من مدارس دمشق الثانوية وخلال وجوده في دمشق كان يخطب ويلقي المحاضرات في الجامع الاموي وفي دمشق التقى برجل النهضة العربية في دمشق الشيخ محمد رشيد رضا وعملا سوية من اجل تعميق الوعي العربي القومي والإسلامي من خلال ما كانا يكتبانه في الصحف من مقالات وما كانا يلقيانه من محاضرات.

الشيخ الإبراهيمي يعود من المشرق لأرض الوطن:
وفي سنة 1920 عاد الى وطنه الجزائر واتصل بالشيخ عبد الحميد بن باديس وأخذ يكتب في جريدته (الشهاب) وعملا على تأسيس جمعية العلماء الجزائريين سنة 1931 وأخذت الجمعية تقود النشاطات السياسية الوطنية وكان لهذه الجمعية فروع في عدد من المدن الجزائرية وانتخب الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيسا للجمعية والشيخ محمد البشير الابراهيمي نائبا له. وقد حظيت الجمعية بالتفاف الجزائريين حولها وقد كان لها دورها في الحفاظ على المؤسسات الدينية في الجزائر من تعديات المستعمرين الفرنسيين عليها وقد اتخذ الابراهيمي من جهة وهران قاعدة له وقد قام المحتلون الفرنسيون بحل الجمعية وفروعها مستغلة ظروف الحرب العالمية الثانية وقد اعتقل الابراهيمي وابعد عن الجزائر واعتقله الفرنسيون في المغرب ولم يطلق سراحه إلا في اواخر سنة 1943 وقد عاد لممارسة دوره في قيادة جمعية العلماء الجزائريين لكنه اعتقل ثانية سنة 1945 وبعد سنة أطلق سراحه.

الشيخ الابراهيمي وزياراته للعراق:
مبينا بقوله: « أن الشيخ الابراهيمي زار مدينة الموصل ( العراق)، التي كان يعرف اهميتها وتوجهها العروبي الاسلامي وكثيرا ما كان يحدثني اخي الاستاذ احمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة (فتى العراق) الموصلية عن الشيخ الابراهيمي ومما قاله انه عرفه وذهب مع والده صاحب جريدة فتى العراق الاستاذ ابراهيم الجلبي لزيارته عندما جاء الموصل في تموز سنة 1952». وقد كتب احمد سامي الجلبي عن انطباعاته عن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وقال انه عندما زار الموصل نزل في دار السيد عبد الرحمن السيد محمود وهومن الرجالات الذين كان لهم دورهم السياسي والديني في الموصل آنذاك وقال انه استمع الى الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وهو يتحدث بلهجته الجزائرية وانه اعجب به وأدرك انه يحمل علما وفيرا وايمانا قويا بمستقبل بلده والزيارة الأولى هذه لم تدم طويلا فقد سافر الى مصيف سرسنك في شمال العراق بعد بقائه يومين في الموصل».
مضيفا بقوله : «قد يكون من المناسب أن أشير الى ان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي احب الموصل واعجب بالموصليين، وثمن وعيهم العروبي الاسلامي، وتمنى ان يكون بينهم على الدوام كما قال لولا ارتباطاته بقضايا بلده لذلك وعدهم بالعودة ثانية وبالفعل عاد ليزور الموصل اكثر من مرة ففي المرة الثانية جاء ممثلا عن لجنة تجمع التبرعات لثورة الجزائر، وحضر اجتماعا كبيرا عقده الموصليون في الجامع النوري الكبير لهذا الغرض.»
مبينا في مقاله أن: «الشيخ الابراهيمي زار في مطلع سنة 1955 مدينة الموصل والتقى نخبها الدينية والثقافية وعندما غادرها جرى توديع حافل له في منطقة الكلك القى خلاله كلمة عبر فيها عن حبه العميق للموصل وتمنى البقاء فيها»
وجزم أن الشيخ محمد البشير لابراهيمي، كان يؤكد أن العرب أضاعوا فلسطين بالكلام وجاء ذلك في خطاب ألقاه في جامع الامام الاعظم أثناء حفل استقبال تم له في السابع من كانون الثاني سنة 1954 أقامته جمعية الاخوة الاسلامية ببغداد.»
معلوم أن علاقة الشيخ محمد البشير الابراهيمي بمدينة الموصل لم تنقطع أبدا، وحتى وفاته رحمه الله سنة 1965
فقد كان يراسل عددا من أصدقائه في الموصل وعندما توفي أبنته جريدة (فتى العرب) الموصلية ومما جاء في العدد الصادر يوم 21 مايو–ايار سنة 1965 وتحت عنوان ( المجاهد الكبير الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في ذمة الخلود).

أمنية الشيخ الابراهيمي أن يموت في الموصل، حبا في أهلها :
«حملت أنباء الجزائر خبر وفاة المجاهد الكبير الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء في الجزائر والمجاهد المؤمن بدينه وعروبته والذي ساهم في معارك الجزائر بكل طاقته رغم شيخوخته فسجل أعظم المواقف الوطنية في محاربة الاستعمار والفقيد الكبير ليس غريبا على الموصل فقد زارها مرارا وكانت آخر زيارته لها سنة 1955 وسجل في نفوس الذين تشرفوا بمعرفته اكبر الذكريات واخلدها.ويتجلى اعجاب سماحته بالموصل وحبه اياها الى حد انه وقف يخاطب مودعيه ليقول (يا اهل الموصل : كنت اتمنى بصدق ان ياخذ الله امانته مني في مدينتكم لأبقى فيها أبدا) . وختمت الجريدة نعيها بالقول: (ونحن الذين عرفنا الشيخ الابراهيمي وقدرنا روح الكفاح عنده ، أفجعنا النعي واذهلنا، إلا أن حكم الله وقضاؤه ولا راد لقضائه فإلى جنان الخلد والرضوان وإنا لله وإنا إليه راجعون).
رحم الله الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه وأمته.
والصورة التاريخية المرفقة التي ترونها الى جانب هذا المقال هي صورته أهداها للأستاذ ابراهيم الجلبي في 27 شوال 1371 هجرية الموافق ليوم 18 تموز – جويلية سنة 1952 ومما كتبه على الصورة (تذكار للأخ الاستاذ ابراهيم الجلبي والتوقيع محمد البشير الإبراهيمي).