إعادة النظر في هيكلة جامعة الدول العربية
· التمسك بالقضية الفلسطينية والاحتلال يتمادي وجّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رسالةً قوية إلى أشغال القمة العربية المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، عبّر فيها عن رؤية الجزائر لما ينبغي أن تكون عليه أولويات العمل العربي المشترك في هذه المرحلة المفصلية من …

· التمسك بالقضية الفلسطينية والاحتلال يتمادي
وجّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رسالةً قوية إلى أشغال القمة العربية المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، عبّر فيها عن رؤية الجزائر لما ينبغي أن تكون عليه أولويات العمل العربي المشترك في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة.
وقد تولى قراءة الرسالة نيابة عنه وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، حيث جاءت حاملةً لمضامين استراتيجية تلامس جوهر القضايا العربية، وتُشخّص بعمق ما يعترض العالم العربي من تحديات غير مسبوقة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وشكلت هذه الرسالة تأكيداً على الثوابت الجزائرية في دعم القضية الفلسطينية، وعلى قناعة راسخة بضرورة إصلاح منظومة العمل العربي المشترك، من خلال إعادة النظر في هيكلة جامعة الدول العربية، وتطوير أدائها بما يتناسب مع التغيرات الجيوسياسية التي يعرفها العالم.
كما عكست الرسالة قلق الجزائر العميق إزاء تدهور الأوضاع في عدد من الأقطار العربية، نتيجة التدخلات الأجنبية والصراعات الداخلية التي باتت تهدد كيان الدول ووحدة شعوبها.
وجاءت الكلمة لتضع النقاط على الحروف في قضايا حساسة، وتدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الأمة العربية إن لم تُتخذ خطوات جادة وعاجلة لإعادة الاعتبار للوحدة والتضامن والتنسيق المشترك.
الجامعة العربية في عقدها التاسع وتحديات غير مسبوقة
استهل رئيس الجمهورية رسالته بالإشارة إلى مرور ثمانين عاماً على تأسيس جامعة الدول العربية، مؤكداً أنها “أطفأت شمعة العقد الثامن في وقت يكابد فيه عالمنا العربي تحديات متعاظمة، لم يسبق لها مثيل في تاريخه المعاصر”. هذا السياق التاريخي، بحسب الرئيس، يفرض على الدول العربية وقفة تقييم ومراجعة للمسار الذي سلكته الجامعة، والآليات التي تعتمدها في معالجة القضايا المصيرية للأمة.
القضية الفلسطينية..التصفية مستمرة والاحتلال يتمادى
وفي خضم حديثه عن أهم القضايا التي تواجه الأمة، شدد رئيس الجمهورية على أن القضية الفلسطينية، التي وصفها بالقضية المركزية، “تشهد مخططات تصفية تنهال عليها تباعاً”، في إشارة إلى سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي لا تزال تضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية. وأكد أن “الاحتلال يصر على فرض رؤيته العبثية لسلام لا يمكن أن يتصوره إلا على مقاسه”، في تعبير صريح عن غياب الإرادة الحقيقية للسلام من الجانب الإسرائيلي.
ودعا رئيس الجمهورية إلى تعزيز الالتفاف العربي حول القضية الفلسطينية، واصفاً الدفاع عنها بأنه “أمانة تاريخية تحملها الأمة العربية في أعناقها، ومسؤولية قانونية وأخلاقية وحضارية تتحملها الإنسانية جمعاء”.
تدهور الأوضاع في العالم العربي تحت وطأة التدخلات الخارجية
وتطرّق رئيس الجمهورية إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في عدد من الدول العربية، مشيراً إلى أنها تتدهور بشكل متسارع، بفعل ما وصفه بـ”تكالب التدخلات الخارجية”، والتي تهدف إلى “بث الشقاق والفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد”. وحذّر من أن هذه التدخلات لم تعد تهدد دولة أو منطقة بعينها، بل أصبحت تنذر بـ”مناخ دولي جديد يتهدد الجميع دون استثناء”.
مرحلة مفصلية تتطلب تلاحماً عربياً
وأكد تبون أن العالم العربي يمرّ بمرحلة مفصلية ومصيرية، و”لن يكون لنا فيها أي قول فصل ما لم نعد الاعتبار لما يجمعنا”. في هذا السياق، دعا إلى استحضار القواسم المشتركة بين الشعوب العربية، وعلى رأسها الهوية الثقافية والتاريخية والدينية، كسبيل لإعادة اللحمة بين الأقطار العربية.
إصلاح الجامعة العربية ضرورة حتمية
وفي واحدة من أهم رسائل الخطاب، شدد رئيس الجمهورية على ضرورة إصلاح الجامعة العربية، قائلاً: “نحن في الجزائر نعتقد أنه لا بد من أن يعيد إلى واجهة أولوياتنا حتمية إصلاح جامعتنا العربية”.
وعلّل الرئيس تبون ذلك بأن هذه المنظمة تأسست في “زمن غير زماننا، وفي سياق ومحيط غير ما نعيشه اليوم”، ما يتطلب تحديث آلياتها، وتجديد أدوارها لتكون قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها العالم.
دعوة للتمسك بالمبادئ الجامعة والعودة إلى التنسيق الجماعي
وختم الرئيس تبون رسالته بدعوة إلى تعزيز التنسيق الجماعي والتكامل العربي، والتمسك بالمبادئ التي جمعت الأمة في بدايات تأسيس الجامعة العربية.
وأكد الرئيس أن الرهان على المستقبل لن يتحقق إلا من خلال التمسك بالوحدة والتضامن العربيين، ورسم سياسة خارجية جماعية تراعي المصالح العليا للأمة العربية بعيداً عن الاصطفافات الدولية التي لا تخدم إلا أجندات القوى الكبرى.
رسالة رئيس الجمهورية إلى قمة بغداد لم تكن مجرد مشاركة رمزية، بل حملت في طياتها صرخة استنهاض ضمير الأمة، ودعوة إلى التفكير الجدي في مستقبل العالم العربي الذي يمر بأخطر مراحله منذ عقود.
ومع اشتداد الأزمات واحتدام التحديات، يبقى الأمل معقوداً على إرادة القادة العرب في تبني إصلاحات حقيقية وشاملة تضع الجامعة العربية في قلب التحولات، وتجعل منها فاعلاً حقيقياً في صناعة مصير الشعوب العربية.
أمين بن لزرق