“الاحتيال الرقمي” يستفحل ومختصون يدقون ناقوس الخطر

في ظل الانتشار الكثيف للتكنولوجيا، ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، تزايدت جرائم الاحتيال الرقمي، التي تنوعت طرقها وأساليبها، باستغلال الظروف الاجتماعية والحالة النفسية للضحايا الذين يتم انتقاؤهم بعناية فائقة بعد استقطابهم من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي، التي تستغلها شبكات منظمة للترويج لنشاطاتها الاحتيالية، التي تُدّر عليها أموال طائلة، بعد نشر إعلانات مغرية تستهوي مختلف فئات […] The post “الاحتيال الرقمي” يستفحل ومختصون يدقون ناقوس الخطر appeared first on الشروق أونلاين.

سبتمبر 2, 2025 - 18:00
 0
“الاحتيال الرقمي” يستفحل ومختصون يدقون ناقوس الخطر

في ظل الانتشار الكثيف للتكنولوجيا، ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، تزايدت جرائم الاحتيال الرقمي، التي تنوعت طرقها وأساليبها، باستغلال الظروف الاجتماعية والحالة النفسية للضحايا الذين يتم انتقاؤهم بعناية فائقة بعد استقطابهم من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي، التي تستغلها شبكات منظمة للترويج لنشاطاتها الاحتيالية، التي تُدّر عليها أموال طائلة، بعد نشر إعلانات مغرية تستهوي مختلف فئات المجتمع الذين يذهبون ضحايا للاحتيال الرقمي، انطلاقا من إبحارهم عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تُغرقهم في دوامة ترهن مستقبلهم ومصيرهم….
تلك الجرائم زادت انتشارا، بل إنها توسعت لتشمل مجالات أخرى من جرائم القانون العام، ولم تعد مقتصرة على جريمة القذف والتشهير وجريمة النصب والاحتيال فحسب من خلال نشر إعلانات مغرية بعرض بعض السلع والبضائع بأسعار متدنية، أو ممارسة طقوس السحر والشعوذة إلكترونيا، بل إنها امتدت حتى إلى استدراج بعض الأشخاص وإدخالهم في مجالات الجريمة المنظمة وحتى الجرائم الأخلاقية، على غرار إقدام بعض الصفحات والمواقع غير المعتمدة قانونيا لممارسة التجارة الإلكترونية التي يكفلها القانون، على نشر إعلانات لتوظيف عملاء مقابل تلقي عمولات مغرية قد تتجاوز مبلغ الأربعة ملايين سنتيم يوميا.
“الشروق” ولتشريح الظاهرة وأخطارها على الفرد والمجتمع، أخذت بآراء المختصين، من أجل إيجاد الحلول الممكنة للقضاء على الجريمة الرقمية أو على الأقل التقليل من حدتها، وتجنب الوقوع في شباك المحتالين الرقميين، حيث ذكر الدكتور “محمد الصالح جمّال”، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والباحث في الشؤون الأمنية، ما تشهده منصّات التواصل الاجتماعي في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة من انتشار واسع لإعلانات عمل موجهة خصيصًا للنساء، تعرض رواتب مرتفعة مقابل مهام بسيطة أو وظائف عن بعد، تبدو في الظاهر، أنها إعلانات تقدم فرصًا سحرية ومغرية، لكنها في الواقع شكل من أشكال ما يسمى “التصيّد الإلكتروني”، حيث يتم استدراج النساء وجمع بياناتهن وصورهن، ليقع العديد منهن لاحقًا ضحايا لعمليات ابتزاز تمسّ بسمعتهن وكرامتهن.
وأضاف الدكتور “جمّال”، أنه ومن منظور علم الأمن السيبراني، تُصنف هذه الممارسات ضمن ما يُعرف بـ “الهندسة الاجتماعية”، أي استغلال الثقة والدوافع النفسية للأشخاص بدلًا من اختراق الأنظمة التقنية. يقوم المحتالون بتصميم محتوى يجذب الانتباه ويثير الأمل، مثل “وظائف براتب كبير جدا” أو “فرص عمل من دون خبرة”. وما أن تنجذب الضحية، حتى يوجَّه التواصل إلى قنوات خاصة مثل “واتساب” أو “تلغرام”، حيث يُطلب منها إرسال صور شخصية أو وثائق بدعوى “استكمال ملف التوظيف” أو حضور مقابلة عبر الكاميرا. هذه الخطوة هي المرحلة المفصلية، إذ يتحوّل العرض من مجرّد فرصة عمل وهمية إلى عملية إعداد للابتزاز الجنسي أو المالي.
وأردف الباحث في الشؤون الأمنية الدكتور “محمد الصالح جمّال”، أن تحليل الظاهرة يبين أن هذه الشبكات لا تعمل بشكل عشوائي، بل هي منظّمة. فهناك حسابات متخصّصة في نشر المحتوى، وأشخاص آخرون يكلَّفون بجذب الضحايا، في حين تتكفّل مجموعة ثالثة بمرحلة جمع البيانات والابتزاز، ويستفيد المحتالون من ثلاثة عوامل رئيسية تزيد من نجاح مخططاتهم أولها الخوارزميات الرقمية التي تساعد المحتوى الجاذب على الانتشار بسرعة، إضافة إلى ضعف ثقافة الخصوصية الرقمية لدى شريحة من المستخدمين، خصوصًا النساء الباحثات عن فرص عمل، إلى جانب العامل الاجتماعي والثقافي، حيث يشكّل التهديد بنشر صور أو محادثات حساسة ضغطًا نفسيًا هائلًا على الضحية، ما يجعلها أكثر قابلية للخضوع لمطالب المبتز.
مؤكدا في ذات السياق أن الأضرار الناتجة عن هذه الممارسات متعددة، فعلى المستوى الفردي، قد تخسر الضحية أموالًا، أو تتعرّض لهزات نفسية خطيرة مثل القلق والانعزال. أما على المستوى المجتمعي، تؤدي هذه الظاهرة إلى فقدان الثقة في سوق العمل الرقمي الناشئ، وهو ما يضرّ بالاقتصاد الوطني ويعطّل مسار التحول الرقمي.
وذكر الدكتور “جمّال” أن انتشار الجريمة الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي، أضحى تشكل خطرا على الفرد ويُهدد كيان المجتمع، على الرغم من الإستراتيجية المنتهجة من طرف السلطات العمومية وفي مقدمتها وزارة العدل، التي أقرّت مؤخرا العديد من القوانين والتشريعات لردع مستغلي وسائط التواصل الاجتماعي لممارسة جرائمهم، والإيقاع بضحاياهم، مضيفا بأنه ولمواجهة هذا الخطر، هناك حاجة إلى تبنّي استراتيجيات وقائية واضحة، من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال التمحيص والتدقيق أو بالأحرى الانتباه جيدا في إشارات الخطر التي قد تتضمنها تلك إعلانات الاستدراج، حيث يجب أولا على المستخدمين التعرّف على تلك الإشارات والمتمثلة غالبا في رواتب غير واقعية، استعجال في الانتقال إلى تطبيقات مراسلة خاصة، طلب صور غير مبررة، أو غياب معلومات رسمية عن المؤسسة المعلِنة. ثانيًا، من الضروري اعتماد الممارسات الوقائية مثل فصل الحسابات المهنية عن الشخصية، استخدام بريد إلكتروني خاص بالطلبات الوظيفية، وعدم مشاركة بيانات حساسة قبل التأكد من مصداقية الجهة المعلنة. ثالثًا، على من يتعرّض لمحاولة ابتزاز ألا يرضخ لمطالب المحتالين، بل يحتفظ بالأدلة (محادثات، صور، أرقام هاتفية) ويقدّم بلاغا رسميا للجهات الأمنية المختصة.
وأضاف الدكتور “محمد الصالح جمّال”، أنه من الجانب الأمني، تبرز الحاجة إلى تطوير آليات تبليغ سريعة وسرّية، بما يضمن ثقة الضحايا ويشجعهم على الإبلاغ. كما ينبغي أن تساهم وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية في نشر ثقافة الحذر الرقمي عبر حملات توعية تستهدف الفئات الأكثر عرضة. وفي الجانب القانوني، يصبح من الضروري فرض ضوابط أكثر صرامة على الإعلانات الرقمية والتحقق من هويات ناشريها.
وخلص الدكتور “محمد الصالح جمال” في معرض حديثه في تحليل الظاهرة لـ”الشروق اليومي”، بأن هذه الظاهرة ليست مجرد حالات فردية، بل تعبّر عن تهديد منظم للأمن الرقمي والاجتماعي في الجزائر، وأن التعامل معها يتطلب تكاتف الجهود بين الدولة، والمنصات الرقمية، والمجتمع المدني من أجل بناء وعي جماعي يحد من انتشارها، فالوعي المبكر والسلوك الرقمي الرشيد هما خط الدفاع الأول أمام هذا النوع من الجرائم، وحماية النساء من الوقوع في هذا الفخ مسؤولية جماعية لحماية استقرار المجتمع ككل.
وتكشف الإحصائيات التي أضحت تُقدمها مختلف الأجهزة الأمنية، تنامي وتطور الجريمة الإلكترونية، وتعدد مجالاتها، حيث تعدت حدود الجرائم البسيطة المتمثلة في النصب والاحتيال والسحر والشعوذة، والسب والقذف والابتزاز وغيرها، إلى جرائم استدراج بعض الضحايا من الفتيات والنساء حتى إلى خارج حدود الوطن، وإقحامهن كرها ضمن شبكات الدعارة وفساد الأخلاق، وحتى شبكات منظمة لنقل وتهريب المخدرات ومختلف الممنوعات.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post “الاحتيال الرقمي” يستفحل ومختصون يدقون ناقوس الخطر appeared first on الشروق أونلاين.