تركيا.. بعد 23 شهرا!
أخيرا، قرّرت تركيا قطع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الكيان الصهيوني وغلق مجالها الجوي وموانئها أمام طائراته وسفنه، استكمالا لقرار الرئيس طيب رجب أردوغان في 23 نوفمبر 2024 قطع العلاقات الديبلوماسية معه، احتجاجا على تواصل جرائمه التي فاقت كلّ الحدود في غزة. هي خطوة محمودة وينبغي تثمينها وحثُّ بقية المطبّعين المسلمين والعرب على الاقتداء بها، إلا […] The post تركيا.. بعد 23 شهرا! appeared first on الشروق أونلاين.


أخيرا، قرّرت تركيا قطع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الكيان الصهيوني وغلق مجالها الجوي وموانئها أمام طائراته وسفنه، استكمالا لقرار الرئيس طيب رجب أردوغان في 23 نوفمبر 2024 قطع العلاقات الديبلوماسية معه، احتجاجا على تواصل جرائمه التي فاقت كلّ الحدود في غزة.
هي خطوة محمودة وينبغي تثمينها وحثُّ بقية المطبّعين المسلمين والعرب على الاقتداء بها، إلا أنّنا نستغرب تأخّرها 23 شهرا كاملا، أي قرابة سنتين من حرب الإبادة في غزة، ولا نجد أيّ مبرّر مقنع لانتظار تركيا هذه المدّة الطويلة قبل أن تقرّر أخيرا قطع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الاحتلال، في حين لم تتردّد دول أمريكية لاتينية وبلدان أخرى في هذا العالم في اتخاذ خطوات أكثر جرأة منها في الأسابيع الأولى من الحرب، بعد أن اتّضح لهذه الدول أنّها ليست حربا على حركة “حماس”، بل على الشعب الفلسطيني برمّته بغرض إجباره على الهجرة وترك وطنه للصهاينة أو إبادته بمجازر مهولة كلّ يوم.
لقد حزّ في نفوسنا أن نرى دولا عديدة غير مسلمة تبادر في الأسابيع الأولى للحرب إلى قطع كافة أشكال العلاقات مع الاحتلال وطرد سفرائه من عواصمها أو على الأقل سحب سفرائها من تل أبيب احتجاجا على مذابحه في غزة، في حين تنتظر تركيا 13 شهرا من الحرب قبل أن تقوم بقطع العلاقات الديبلوماسية مع الكيان في نوفمبر 2024، وتنتظر قرابة سنة أخرى قبل قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية! ولا ندري كيف تتعاون تركيا، إحدى أكبر الدول المسلمة، اقتصاديا وتجاريا مع هذا الكيان المارق الوحشي الذي يرتكب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ الفلسطينيين ويجوّعهم حتى الموت، في صور تنمّ عن قمّة الحقد والوحشية والفاشية، ولا ترى في ذلك أيّ ضير طيلة 23 شهرا كاملا؟ والأمر ذاته ينطبق على بقية الدول العربية والإسلامية المطبّعة، وفي مقدّمتها الدول التي فتحت له طريقا برّيا إلى فلسطين المحتلة لتزويده بالأغذية والمؤن، وضاعفت معه حجم مبادلاتها التجارية، منذ سنة 2023 إلى اليوم، وفق إحصاءات الجمارك الصهيونية، وكأنها تكافئه على جرائمه بحقّ “أشقائها”!
في سنة 2010، قرّرت تركيا فورا قطع علاقاتها كافَّة مع الاحتلال وأغلقت السفارة الصهيونية بأنقرة وطردت السفير، ردّا على قيام قوات البحرية الصهيونية باقتحام سفينة “مرمرة” التي أرسلتها تركيا لحمل المساعدات الإنسانية لغزّة المحاصرة، وقتلت 9 أتراك كانوا على متنها وجرحت آخرين، وتطلّب الأمر مرور ستّ سنوات قبل أن تتنازل تركيا بشكل غير مبرّر وتعيد علاقاتها الديبلوماسية مع الاحتلال في جويلية 2016، وكان ذلك قرارا خاطئا انتقدناه بشدّة، آنذاك.. واليوم، انتظرت تركيا 23 شهرا كاملا ارتقى خلاله أزيد من 63 ألف فلسطيني وأصيب 160 ألف آخرين، أي قرابة 10 بالمائة من سكان غزة، قبل قطع علاقاتها كافّة مع الاحتلال!
بعد مرور أيّام قليلة من حرب 2008- 2009 التي دامت 23 يوما فقط على غزة (27 ديسمبر 2008- 18 جانفي 2009)، آلمت مناظر المجازر الوحشية التي كان يرتكبها طيران الاحتلال الفاشي بحقّ المدنيين الفلسطينيين، الرئيس الفنزويلي، آنذاك، هوغو تشافيز، فحمل الهاتف واتّصل بوزير خارجية بلاده وسأله عن السفير الصهيوني بكراكاس قائلا: “ألا يزال ذلك الخنزير هنا؟ اطرده حالا وأغلق السفارة”، وقطعت العلاقات برمّتها بين فنزويلا والكيان إلى اليوم، وقد اقتدت موريتانيا بتشافيز، آنذاك، وقطعت علاقاتها مع الاحتلال، ولإزالة عار التطبيع الذي ألحقه بها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، أقدمت الجرّافات الموريتانية على تسوية مقرّ السّفارة الصهيونية بالأرض.
اليوم، ارتكب الاحتلال، خلال 23 شهرا، جرائم أكثر فظاعة ووحشية بكثير مما حدث في حرب الـ23 يوما مع المقاومة بين 27 ديسمبر 2008 و18 جانفي 2009، ومع ذلك، لم ترتق أغلب الدول العربية والإسلامية المهرولة إلى مستوى ما فعله تشافيز والقيادة الموريتانية في تلك الحرب، ولم تقدم أيّ دولة منها على قطع علاقاتها مع هذا الكيان الوحشي العنصريّ، باستثناء تركيا أخيرا.
ومع ذلك كلّه، نأمل أن تكون هذه البداية وأن تقتفي دول أخرى أثرها وفي مقدّمتها مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان وأذربيجان ودول إسلامية أخرى، كما نأمل أن تكون القطيعة هذه المرة نهائية بين تركيا والاحتلال خلافا لما حدث في صيف 2016، كان الله في عون الفلسطينيين.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post تركيا.. بعد 23 شهرا! appeared first on الشروق أونلاين.