الجزء 03: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى
استمع إليّ الرئيس باهتمام، ثم قال لي أنه سيفكر في الأمر، فأحسست بأنه مبدئيا موافق، وأنه سيوافق في النهاية، فقط يجب عليّ أن لا أتوقف عن السعي لإقناعه. بعد أقل من أسبوع ، استقبلني الرئيس السابق مرحبا كعادته، لكن هذه المرة، لم تكن معه زوجته، وجدته مع شقيقه مالك بن جديد، وهو عقيد متقاعد، ومعه [...] ظهرت المقالة الجزء 03: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.

استمع إليّ الرئيس باهتمام، ثم قال لي أنه سيفكر في الأمر، فأحسست بأنه مبدئيا موافق، وأنه سيوافق في النهاية، فقط يجب عليّ أن لا أتوقف عن السعي لإقناعه.
بعد أقل من أسبوع ، استقبلني الرئيس السابق مرحبا كعادته، لكن هذه المرة، لم تكن معه زوجته، وجدته مع شقيقه مالك بن جديد، وهو عقيد متقاعد، ومعه أيضا بشير شبلي، وهو دكتور في علم الاجتماع شغل في الثمانينات منصب مدير الشباب في ولاية عنابة، وهو عديل مالك بن جديد شقيق الرئيس.
كنت تعرفت على مالك بن جديد وبشير شبلي في 2003، في عنابة، وكنت ألتقي، في بعض الأحيان، بالسيد مالك بن جديد في منزل الرئيس السابق ولم أكن ألتقي كثيرا ببشير شبلي.
في هذه الجلسة، حدّثنا الشاذلي بن جديد بنوع من الإسهاب عن دوره في القاعدة الشرقية، خلال الثورة، وحدثنا عن الضباط الذين عمل معهم، مثل عمارة بوقلاز( العسكري)، ومحمد عواشرية، وحدثنا أيضا عن خالد نزار الذي كان فرّ من الجيش الفرنسي والتحق بالقاعدة الشرقية،
وأتذكر أنه حدثنا عن قضية العقداء (عقداء الكاف كما يسميها البعض) التي تزعمها العقيد محمد العموري، ثم التفت إليّ وطلب منّي بعفوية و دون سبب واضح، أن أنقل للمجاهد صالح قوجيل الذي شغل منصب وزير النقل في عهده، وهو أحد أقرباء صالح قوجيل كما أخبرني الشاذلي بن جديد نفسه ، قال لي الرئيس السابق ” انقل لسي صالح رأيي في سي العموري وموقفي من قضيته “.
يتلخص رأي الشاذلي بن جديد في أن العقيد العموري مجاهد كبير وكان يسعى لإصلاح بعض الهفوات التي سجلت خلال الثورة ” ولم يكن يتآمر على هذه الثورة أو الحكومة المؤقتة..
كان العموري قائدا معروفا في شرق البلاد، وكان الشاذلي بن ين جديد يعرفه شخصيا ويعرف دوره وتضحيات عائلته خلال الثورة.
تتمثل قضية عقداء الكاف في اجتماع نظم في مدينة الكاف التونسية، في نوفمبر 1958، وضمّ قادة من الولاية الأولى والقاعدة الشرقية بقيادة العقيد محمد لعموري، و كانوا يهدفون إلى “تقويم أخطاء” ارتكبت في مسار الثورة في بعض المناطق بشرق البلاد، والعمل على معالجة أوجه الخلل فيها
لكن تمّ توقيفهم وُجهت إليهم اتهامات بالتآمر ضد الثورة و الحكومة المؤقتة، وجرت محاكمة العموري في مارس 1959 من طرف محكمة الثورة ، وصدر في حقه حكما بالإعدام ونفذّ فيه في نفس الشهر.
لم أكن أعرف السيد صالح قوجيل شخصيا ، لكن بعد أيام قليلة التقيته ، بعدما طلبت يد المساعدة من الصديق محمد شفيق مصباح لتنظيم موعد معه في بيته في أعلي العاصمة،
وقد سعدت كثيرا بلقائه والحديث معه ، فهو مثقف كبير ويتمتع بذاكرة قوية جدّا، وعمل تحت قيادة قادة كبار في الثورة .
كان حاضرا في هذا اللقاء محمد شفيق مصباح ، وهو أيضا مثقف ولديه شبكة علاقات كبيرة مع الكثير من الشخصيات التاريخية والسياسية والعسكرية في البلاد ، ونشر العديد من الدراسات والكتب التاريخية والسياسية.
أبلغت السيد صالح قوجيل بما قاله لي الشاذلي بن جديد عن محمد العموري وموقفه من قضيته ، فحدثنا ، هو أيضا ، عن بعض الفصول من هذه القضية، وكأنها وقعت بالأمس فقط وليس قبل 48 أو 50 سنة..
أعود إلى اللقاء مع الرئيس … لقد اغتنمت الفرصة وسألت الرئيس الشاذلي عن قضية إسقاط الطائرة التي كانت تنقل وزير الخارجية الجزائرية محمد الصديق بن يحي على الحدود العراقية والإيرانية في ماي 1982، بسبب ما كنت أعرفه عن عضوية صالح قوجيل في اللجنة التي شكلها الشاذلي بن جديد للتحقيق في ملابسات سقوط الطائرة فروى لنا القصة بنوع من التفصيل،
وقال أن لجنة تحقيق تشكلت أنذاك وكان على رأسها صالح قوجيل وتضم في عضويتها الفريق محمد مدين الشهير بالتوفيق المدير السابق لجهاز المخابرات ، و كان عقيدا انذاك ، وانتهى التحقيق إلى أن العراقيين هم الذين أسقطوا الطائرة ، ثم صمت الشاذلي بضعة ثواني وأضاف ” لقد نقلت هذا الكلام للرئيس صدام .. وقد صمت ”
فسألته عن السبب الذي حال دون الكشف عن هذه المعلومة للرأي العام ، فقال أن العراق كان في محنة ، ولم نرد وضع الاملاح على جراح إخواننا هناك ..
كان العراق ، في 1982 ، عندما اسقطت الطائرة الجزائرية ، في حرب طاحنة مع إيران ، خلفت الملايين من القتلى والجرحى من الجانبين ، وكان بن يحي يسعى لإيجاد تسوية بين البلدين لإيقاف تلك الحرب.
كان الشاذلي متأثرا وهو يتحدث عن محمد الصديق بن يحي والذي قال أنه كان أحد أفضل الوزراء في عهده ، سواء في وزارة الخارجية أو في وزارة المالية..
بعدما صال وجال ، توقف عن الكلام ليرتشف القهوة ، فاغتنمت الفرصة وسألته عن المذكرات ، فقال لي أنه فكر في الأمر وأنه من حيث المبدأ لا يعارض الفكرة ، وأنه موافق على كتابتها، وسألني الشاذلي عن وجهة نظري في طريقة كتابة مذكراته والمراحل التي أريد أن أتناولها، فبدأت أشرح وجهة نظري، لكن فجأة ، ودون سابق إنذار ، تدخل شبلي بشير في النقاش، ثم قال، دون أن يسأله أحد، أنه يرشح أحد الصحافيين الكبار لكتابة مذكراته..
لم يكن بشير شبلي يعلم بأنني تطرقت في حديث سابق مع الرئيس على أمر المذكرات، وأننا الآن بصدد الحديث عن التفاصيل وليس عن الفكرة أو المبدأ..
التفت الشاذلي إلى بشير شبلي ثم التفت إليّ وصمت ولم يقل أي كلمة، وأحسست أنه لم يكن راضيا عن هذا التدخل، لكن بشير شبلي التفت إليّ وسألني أنا دون غيري:
حنّاشي، ما رأيك في عابد شارف؟ إنه يكتب بشكل جيّد … أليس كذلك؟
ظهرت المقالة الجزء 03: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.