المرأة الجزائرية والدعوة

أ.د. زبيدة الطيب/ عرف المجتمع الجزائري في لحظات تاريخية معينة؛ نساءً مارسن الدعوة الإسلامية وحافظن على التربية الإسلامية ورسخن المفاهيم والآداب الإسلامية في بيئتهن؛ وأظهرن أن الدعوة بقدر ما تحتاج إلى العلم فهي تحتاج أولا إلى الحب والصدق والإرادة والإخلاص. وقد تَعرَّفتُ على أحد النماذج ،وأنا أطالع كتاب الشيخ محمد علي دبوز حول أعلام الإصلاح …

يونيو 17, 2025 - 16:54
 0
المرأة الجزائرية والدعوة

أ.د. زبيدة الطيب/

عرف المجتمع الجزائري في لحظات تاريخية معينة؛ نساءً مارسن الدعوة الإسلامية وحافظن على التربية الإسلامية ورسخن المفاهيم والآداب الإسلامية في بيئتهن؛ وأظهرن أن الدعوة بقدر ما تحتاج إلى العلم فهي تحتاج أولا إلى الحب والصدق والإرادة والإخلاص. وقد تَعرَّفتُ على أحد النماذج ،وأنا أطالع كتاب الشيخ محمد علي دبوز حول أعلام الإصلاح في الجزائر وترجمته لأحد علماء الجزائر، وهو الشيخ إبراهيم البيوض وحديثه عن أمه ( أي أم الشيخ إبراهيم البيوض) واسمها السيدة عائشة بنت كاسي التي نشأت متمسكة بالدين الإسلامي غيورة عليه ومتخلقة بأخلاقه.
إلى جانب ذلك نشأت محبة للعمل بارعة في النسج وأعمال الصوف، وكانت شديدة الاهتمام والعناية بشؤون الناس ومشاكلهم ، مدبرة وحكيمة تتقن العربية الفصحى إلى جانب البربرية الميزابية حتى أنها أصبحت تنظم الشعر بالعربية الفصحى، وكانت تشارك والدها الذي كان حاكم منطقة القرارة في فظ النزاعات المتعلقة بالمرأة وشؤون الأسرة، وتجتمع عندها النسوة لتعلم النسيج ودروس الفقه وقد صارت مضرب المثل في الصلاح والتقوى. فرأيت أنها داعية لكن بلا تعلم ولا تمدرس ( أنظر: أعلام الإصلاح في الجزائر، ص 142- 152)
اليوم ومع انفتاح المجتمع على العلم الشرعي ومعه إقبال المرأة على طلبه؛ ازدادت حاجة المجتمع للمرأة الداعية باعتبارها إحدى عناصر قوته وتماسكه؛ فكثرت نساء الدعوة سواء من حملة العلم الشرعي أو من غيره من العلوم والتخصصات، وتعددت المنابر الدعوية وانتقلت من البيوت والمساجد إلى الإعلام والجمعيات والمراكز والكراسي العلمية وغيرها…
إن ما يميز هذه الصحوة الدعوية التي تمارسها المرأة الجزائرية اليوم؛ هو أنها تخضع بالتأكيد لمتغيرات اجتماعية ونفسية وسياسية وحتى اقتصادية أثرت على جزء كبير من العمل الدعوي النسوي، ونقلت الدعوة من فضائها الروحي الذي يخاطب القلب والعقل ويتقصد مرضاة الله تعالى إلى فضاءات لا علاقة لها بها، وجعلت الدعوة عملا مخلوطا بالمقاصد الدنيوية وبعيدا بل منفكا عن المقاصد الإلهية كما يشير إليه مصطلح الدعوة في وضعه اللغوي المرتبط في غالبيته بالله تعالى وبالجزاء الأخروي.
إن تحويل العمل الدعوي إلى وسيلة للتكسب ومرتعا لطلب الشهرة والبحث عن الأضواء؛ بات اليوم خطرا يتهدد العمل برمته، ويسهم بصورة كبيرة في تشويه الخطاب الدعوي؛ ما يعني ضرورة أن تسارع المرأة (الداعية) إلى تنقية وجهتها عبر المكاشفة والمصارحة النفسية التي تتطلب جهدا روحيا ومعرفيا كبيرا، وإلا فإن الانسحاب فيه شرف، وهو مكرمة قبل كل ذلك، وقد سمعنا الشيخ محمد الغزالي رحمة الله تعالى عليه يقول: من أراد الدنيا ومظاهرها فليبتعد عن الدين، وله في باقي الميادين ما يكفيه ويلبي مآربه. وإنها لذكرى للكاتب والمتلقي على حد سواء.