المناعة الداخلية‪ ‬شرط أساسي لأمن بلادنا‬

‪ ‬‬ بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار ‪ ‬‬ في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحوّلات سريعة، واضطرابات متلاحقة، وتداخل غير مسبوق بين الأمن الخارجي والداخلي، بات واضحًا أن الحروب التقليدية لم تعد التهديد الوحيد الذي يُحدق بالدول. فقد أصبح الأمن مفهومًا مركبًا، يتجاوز المسائل العسكرية إلى ما هو أشمل وأعمق، ليشمل الأمن الفكري، الاجتماعي، …

مايو 12, 2025 - 21:26
 0
المناعة الداخلية‪ ‬شرط أساسي لأمن بلادنا‬

‪ ‬‬
بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار
‪ ‬‬
في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحوّلات سريعة، واضطرابات متلاحقة، وتداخل غير مسبوق بين الأمن الخارجي والداخلي، بات واضحًا أن الحروب التقليدية لم تعد التهديد الوحيد الذي يُحدق بالدول. فقد أصبح الأمن مفهومًا مركبًا، يتجاوز المسائل العسكرية إلى ما هو أشمل وأعمق، ليشمل الأمن الفكري، الاجتماعي، الاقتصادي، الرقمي، والثقافي. وفي قلب هذا التحوّل، تبرز المناعة الداخلية كشرط أساسي لبقاء الأوطان واستقرارها‪.‬‬
‪ ‬‬
الجزائر، بتاريخها النضالي، وبُعدها الجغرافي، وثرائها الطبيعي والبشري، ليست بمنأى عن هذه التحديات. بل إن موقعها ومواقفها المستقلة يجعلها في كثير من الأحيان مستهدفة من قِبل جهات لا تروق لها السيادة الجزائرية أو الخيارات السياسية الوطنية. وقد تجلّت في الآونة الأخيرة مؤشرات لحملات متعددة الأوجه تسعى – بطرق غير مباشرة – إلى المساس بالاستقرار الداخلي، عبر بث الفتن، وتأجيج الخطابات العدائية، ونشر الإشاعات، واستغلال الأزمات الاجتماعية لضرب الثقة في المؤسسات‪.‬‬
‪ ‬‬
· المناعة الداخلية… المفهوم والدلالة
‪ ‬‬
عندما نتحدث عن “المناعة الداخلية”، فإننا نقصد تلك القدرة الذاتية التي تمتلكها الدولة والمجتمع في مواجهة التهديدات والتحديات، والوقوف في وجه محاولات الاختراق أو التقسيم أو التأثير السلبي على القرار الوطني. إنها حالة من التماسك الوطني، تقوم على الوعي الجماعي، والعدالة الاجتماعية، والثقة بين المواطن ومؤسساته، والارتباط العميق بالهوية والمصلحة العليا للوطن‪.‬‬
‪ ‬‬
المناعة ليست شعارًا يُرفع، بل منظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات والممارسات التي تبدأ من البيت والمدرسة، وتمتد إلى الإعلام والإدارة، مرورًا بالمجتمع المدني والمؤسسات الدستورية‪.‬‬
‪ ‬‬
· المخاطر المحدقة: تهديدات من نوع جديد
‪ ‬‬
لم تعد التهديدات اليوم محصورة في جيوش نظامية أو أسلحة تقليدية. إن الخطر الأكبر يتمثل في الحروب الناعمة، وحملات التشويش، والتضليل الرقمي، ومحاولات التأثير في الرأي العام عبر أدوات التواصل الحديثة، التي تُستخدم‪ – ‬في كثير من الأحيان – لزعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي للمواطن، وإشاعة مناخ من السلبية والتشكيك‪.‬‬‬
‪ ‬‬
كما أن تغلغل بعض الخطابات المتطرفة، سواء باسم الدين أو العرق أو الجهة، يمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة النسيج الوطني، ويُحتم ضرورة التحرك الاستباقي لحماية الشباب من براثن الاستقطاب والأدلجة‪.‬‬
‪ ‬‬
· ركائز المناعة الوطنية: ما الذي نحتاج إليه؟
‪ ‬‬
‪ ‬‬
‪ ‬‬
المجتمع الذي يشعر أفراده بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، وأن الفرص تُمنح على أساس الجدارة لا الولاء، هو مجتمع عصيّ على الاختراق. لذلك، فإن تعزيز العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتحقيق التنمية المتوازنة عبر كافة ولايات الوطن، يشكل أحد أعمدة المناعة الداخلية‪.‬‬
‪ ‬‬
· ‪ ‬إعلام وطني مسؤول‬
‪ ‬‬
الإعلام هو مرآة المجتمع، وهو في الوقت نفسه أداة توجيه وتنوير. لا بد من تطوير خطاب إعلامي متزن، يحارب الشائعات، ويواجه الحملات الخارجية، ويقرب المواطن من قضاياه الحقيقية، مع تشجيع المبادرات الإعلامية التي تخاطب الشباب بلغة عصرية ومهنية‪.‬‬
· تربية سياسية ومواطنة فاعلة
‪ ‬‬
ترسيخ قيم المواطنة، والوعي بالحقوق والواجبات، يبدأ من المدرسة. على المنظومة التربوية أن تُدمج في برامجها مبادئ التفكير النقدي، واحترام التنوع، والانخراط في الشأن العام، حتى نُنشئ جيلًا واعيًا قادرًا على التمييز بين الخطاب الهدّام والخطاب البناء‪.‬‬
‪ ‬‬
· ‪ ‬مؤسسات شفافة وقريبة من المواطن‬
‪ ‬‬
الثقة في مؤسسات الدولة لا تُمنح، بل تُبنى. من خلال مكافحة الفساد، وتكريس مبدأ الشفافية، وتفعيل آليات الاستماع والانفتاح على انشغالات المواطنين، يمكن إعادة ترميم الجسور بين الدولة والشعب، وجعل المؤسسات رافعة حقيقية للوحدة الوطنية‪.‬‬
‪ ‬‬
· ‪ ‬مجتمع مدني فاعل ومبادر‬
‪ ‬‬
المجتمع المدني هو الحاضنة الطبيعية لأي مشروع وطني يهدف إلى بناء الإنسان. لا بد من دعم الجمعيات الجادة، وتأطير المبادرات الشبابية، وتوسيع فضاءات الحوار والنقاش، لتكون المؤسسات المدنية شريكًا أساسيًا في حماية الجبهة الداخلية وتعزيز المناعة الوطنية‪.‬‬
‪ ‬‬
· الجزائر… بلد عصيّ لكنه بحاجة إلى اليقظة
‪ ‬‬
لقد أثبتت التجربة أن الجزائر، بفضل وعي شعبها، وتماسك مؤسساتها، قادرة على الصمود في وجه الأزمات. غير أن ذلك لا يُغني عن اليقظة الدائمة، وعن ضرورة التحرك الاستباقي بدل الانتظار، ومواجهة التحديات قبل أن تتفاقم. فكل أزمة مهملة هي فرصة لأعداء الوطن كي يُحركوا أجنداتهم الخفية‪.‬‬
‪ ‬‬
خاتمة: نحو عقد وطني جديد
‪ ‬‬
إن بناء مناعة داخلية قوية هو مشروع دولة ومجتمع، يتطلب إرادة سياسية واضحة، وقيادة رشيدة، ومجتمعًا يقظًا وواعيًا. نحن بحاجة إلى عقد وطني جديد، يُعيد ترتيب الأولويات، ويُركز على الإنسان باعتباره الثروة الحقيقية. لأن أمن الأوطان لا يصنعه فقط السلاح، بل يصنعه المواطن الواعي، المتشبع بالقيم الوطنية، والمستعد دائمًا للدفاع عن بلده في وجه كل التحديات، المعلنة منها والمبطنة‪.‬‬
ولأن الجزائر تستحق أن تبقى شامخة، حرة، وآمنة… فإن المناعة الداخلية هي خيارنا الاستراتيجي، ودرعنا الأول في مواجهة كل تهديد‪.‬‬