باريس… جمهورية من ورق!
ما كشفته المظاهرات الأخيرة في فرنسا ليس أزمة معيشية عابرة ولا انفجارًا اجتماعيًا فحسب، بل انكشافًا كاملًا لـ«الأسطورة الجمهورية» التي ظلّت تُسوَّق بوصفها منبع الحقوق والحريات، فحين اصطدم الشارع بالسلطة، لم تبق من قيم «الحرية والمساواة والإخاء» إلا شعاراتٍ مرفوعة على واجهات المباني، بينما تولّت العصيّ والغاز المسيل للدموع مهمة الردّ على المواطن بدل الحوار …

ما كشفته المظاهرات الأخيرة في فرنسا ليس أزمة معيشية عابرة ولا انفجارًا اجتماعيًا فحسب، بل انكشافًا كاملًا لـ«الأسطورة الجمهورية» التي ظلّت تُسوَّق بوصفها منبع الحقوق والحريات، فحين اصطدم الشارع بالسلطة، لم تبق من قيم «الحرية والمساواة والإخاء» إلا شعاراتٍ مرفوعة على واجهات المباني، بينما تولّت العصيّ والغاز المسيل للدموع مهمة الردّ على المواطن بدل الحوار معه.
اللافت أنّ أصوات «معارضة الخارج» من عملاء الأورو والتي تركب أي موجة وأي حدث لتشويه بلدها غابت أو صمتت أمام هذا الانكشاف الصارخ، والنتيجة أن تلك النخب التي تُوظَّف لتشويه صورة بلدانها خدمة لأجندات العمالة، بدت فجأة عاجزة عن تسمية القمع باسمه عندما وقع في قلب باريس، وهذا الصمت ليس براءة بل علامة ولاء لمنظومةٍ لا ترى في الديمقراطية إلا أداة ضغط على الآخرين.
لقد أخرجت الاحتجاجات من ذاكرة فرنسا شبح “لويس السادس عشر” وطبقات الإقطاع، وأظهرت أنّ «الجمهورية» ليست سوى سلطةٍ قديمة ترتدي بدلةً حديثة، والدرس الأبلغ هنا: أنّ الحرية إذا لم تصنها العدالة والكرامة تصبح غطاءً شفافًا للاستبداد، وأن الغرب الذي يُعطي الدروس في الأخلاق السياسية لا يزال بحاجة إلى أن يتعلّم معنى المساواة على أرضه قبل أن يسوقها ويتاجر بها في ساحة الأخرين.