تقلبات الطقس تحفز أمراضا بلا موعد وتنعش العيادات الطبية
تشهد عديد ولايات الجزائر، منذ أسابيع، موجة تقلبات جوية غير مسبوقة، جعلت المواطن يعيش فصول السنة الأربعة في يوم واحد. في الصباح الباكر، برد شديد وضباب كثيف، وسرعان ما ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات شبه صيفية منتصف النهار، لتتحوّل الأجواء إلى رطبة أو ممطرة مساء، مع هبوب رياح شتوية. هذه التقلبات المناخية اليومية أفرزت واقعا […] The post تقلبات الطقس تحفز أمراضا بلا موعد وتنعش العيادات الطبية appeared first on الشروق أونلاين.


تشهد عديد ولايات الجزائر، منذ أسابيع، موجة تقلبات جوية غير مسبوقة، جعلت المواطن يعيش فصول السنة الأربعة في يوم واحد.
في الصباح الباكر، برد شديد وضباب كثيف، وسرعان ما ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات شبه صيفية منتصف النهار، لتتحوّل الأجواء إلى رطبة أو ممطرة مساء، مع هبوب رياح شتوية.
هذه التقلبات المناخية اليومية أفرزت واقعا صحيا مقلقا، حيث انتشرت الأمراض التنفسية بشكل ملفت، خاصة مع فئة الأطفال، وسط توافد غير مسبوق على العيادات التي تشهد ضغطا كبيرا وندرة في المواعيد.
الدكتور الصيدلي عبد الوهاب نوي، شرح لـ”الشروق اليومي” الوضع الحالي: “من كل الأعمار، الناس تطلب الدواء، هم يطلبون “الباراسيتامول” وكل الأدوية المضادة للزكام، نحن ننصحهم بعلاج كل حالة على انفراد، وعدم الثقة في مناخ هذه الأيام وأن لا يتخلوا عن ألبستهم الربيعية حتى ندخل الصيف الحقيقي، كما نوصي بالاستعمال الحذر للمكيّفات، فنحن أبعد ما نكون عن الصيف”.
أما الطبيبة قطر الندى، فسجلت قناعة بعض المواطنين ببروتوكولات “كورونا” السابقة وهم يلجأون إليها مع كل سعال أو عطس أو درجة حرارة إضافية في أجسامهم، وبقدر ما لا تسجل الدكتورة قطر الندى اعتراضها على بروتكولات المغنيزيوم والفيتامين “سي”، بقدر ما تنبه إلى ضرورة معالجة كل حالة على حده كما أشار إلى ذلك الدكتور الصيدلي عبد الوهاب نوي.
الظاهرة دفعتنا إلى أخذ عينة من ولاية سطيف، أين يسجّل هذه الأيام تزايد لافت في عدد المرضى، حيث أصبحت قاعات الانتظار في العيادات والمراكز الصحية تعج بالمرضى، خصوصا في أجنحة طب الأطفال.
وتقف كل العيادات على أعراض متشابهة تشمل السعال الجاف والرطب، والارتفاع في درجة الحرارة، وسيلان الأنف، وآلام الحلق، والأوجاع العضلية مع ارتباك عام في الحالة الصحية.
وفي تصريح لـ”الشروق”، يقول الطبيب العام الدكتور حسان عساس من سطيف، أن “هذا النوع من التقلبات الحادة في درجات الحرارة يؤثر بشكل مباشر على الجهاز المناعي، خاصة لدى الأطفال، وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة”. ويؤكد الدكتور أن “الفيروسات التنفسية تنتعش في هذا المناخ المتقلب، حيث تتوفر بيئة مثالية لانتشارها، فدرجة الحرارة لا تبقى مستقرة ولا تمنح الجسم فرصة للتكيف”.
كما أشار إلى أن هذه الموجة الموسمية تتكرر سنويا، لكنها هذا العام أكثر حدة بسبب الاضطرابات المناخية المسجلة على المستوى العالمي.
في عيادة خاصة بسطيف، وقفنا على مشهد فوضوي، حيث تغص قاعة الانتظار بجمع من الأطفال وذويهم ينتظرون الدخول لقاعة العلاج. تقول سيدة في العقد الثالث من العمر، إنها اضطرت إلى الانتظار لأكثر من ثلاث ساعات رغم الحجز المسبق، مضيفة أن “الوضع مرهق لنا ولأبنائنا، والمرض أصبح يصيب كل أفراد العائلة دفعة واحدة”، قبل أن تختم بانزعاج: “لقد هربنا من القطاع العام بسبب الضغط، فوجدنا الوضع مماثلا في العيادات الخاصة”.
هذه الشهادة تتقاطع مع أخرى لرجل أربعيني قال إن “بعض الأطباء استغلوا هذا الضغط الرهيب وعدد الحالات التي تتردّد يوميا، وذلك باللجوء إلى الفحص السريع الذي لا تزيد مدته عن 5 دقائق، مع تسعيرة مرتفعة تصل الى 2000 دج للفحص فقط، وهناك مصاريف أخرى تتعلق بالراديو والحقن والتحاليل”، ويقول محدثنا: “الوضع أصبح عبئا نفسيا وماديا على العائلات”.
ما لمسناه ميدانيا أن كثيرا من الحالات لا تستجيب للعلاج بسهولة، إذ تعود الأعراض بعد أيام قليلة، بفعل برودة الصباح وحرارة النهار، ما يربك جهاز المناعة لدى الصغار، ويضع أولياءهم في دوامة لا تنتهي.
وفي إحدى قاعات الانتظار بمركز صحي وسط المدينة، بدا الإنهاك على وجه أمّ تحمل طفلها الذي يعاني من صعوبة في التنفس، وأكدت أنها تزور الطبيب للمرة الثالثة في أقل من عشرة أيام، من دون تحسن يذكر.
الأطفال، ككل مرة، يدفعون الثمن الأكبر في مثل هذه الأزمات الصحية العابرة، إذ أن أجسامهم الضعيفة لا تقوى على التأقلم مع التغيرات السريعة في المناخ.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية، في تقرير حديث لها نشر في مارس 2025، أن تقلبات الطقس خلال اليوم الواحد ترفع خطر الإصابة بالأمراض التنفسية بنسبة 45 بالمائة.
الملاحظ، حسب المتتبعين، أن الأمراض الموسمية لم تعد مجرد ضيوف ثقيلة تمرّ في صمت، بل أصبحت نتيجة حتمية لفوضى مناخية تتسع رقعتها عاما بعد آخر، تجعل الأجساد البشرية في حالة استنفار دائم.
ولم يعد البرد هو العدو الوحيد، بل الخطر اليوم كامن في هذا الانتقال السريع والمفاجئ بين الحر والقر، وبين الرياح الجافة والرطوبة الثقيلة. والمواطن العادي، وسط هذا المشهد المرتبك، لم يعد بحاجة فقط إلى دواء، بل إلى وعي صحي وسلوك وقائي.
التقلبات الجوية ليست ظاهرة عابرة، بل واقع جديد قد يفرض علينا أن نعيد التفكير في الوقاية والتداوي. وفي ظل انسحاب الفصول من ترتيبها الزمني، لا خيار أمامنا سوى أن نتأقلم، ليس فقط بالملابس، بل بالعقل والوعي والوقاية.
فالشتاء قد يعود في قلب الربيع، والخريف قد يزحزح الصيف من مكانه، والأنفلونزا تمردت على كل الفصول.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post تقلبات الطقس تحفز أمراضا بلا موعد وتنعش العيادات الطبية appeared first on الشروق أونلاين.