حق القوة في مواجهة قوة الحق!
أ. عبد الحميد عبدوس/ لو كان للقانون الدولي أدنى اعتبار أو نصيب من الفاعلية في تسيير الشأن الدولي، لكانت الضفة الغربية والقدس المحتلة قد تخلصتا، في مثل هذا اليوم، من الاحتلال الإسرائيلي، تطبيقا لقرارات القانون الدولي، والشرعية الأممية. فقد مر يوم السبت 19 جويليه 2025، عام كامل، على صدور حكم محكمة العدل الدولية المعلن يوم …

أ. عبد الحميد عبدوس/
لو كان للقانون الدولي أدنى اعتبار أو نصيب من الفاعلية في تسيير الشأن الدولي، لكانت الضفة الغربية والقدس المحتلة قد تخلصتا، في مثل هذا اليوم، من الاحتلال الإسرائيلي، تطبيقا لقرارات القانون الدولي، والشرعية الأممية. فقد مر يوم السبت 19 جويليه 2025، عام كامل، على صدور حكم محكمة العدل الدولية المعلن يوم 19 جويليه 2024 الذي نص على أن: «استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأنها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن». أي بمهلة أقصاها 12 شهرًا من تاريخ اتخاذ القرار. كما طلبت المحكمة من المجتمع الدولي الامتناع عن تقديم أي دعم لإسرائيل كقوة احتلال. هذا الرأي القانوني أعتبره خبراء مستقلون في مجال حقوق الإنسان تأكيدا للقواعد الآمرة التي تحظّر ضم الأراضي وبناء المستوطنات والعزل والفصل العنصريَّيْن»، وذكّروا بأن «هذا الرأي صدر بعد 20 عاماً من صدور حكم آخر عن المحكمة نفسها بعدم شرعية الجدار الإسرائيلي». لكن إسرائيل لم تكتف بتجاهل القرار الأممي، وحتى بالدوس عليه، ولكنها وسعت بعد صدور القرار الأممي، من عملياتها العسكرية العدوانية إلى لبنان وسوريا، وصعدت حربها الإبادية في قطاع غزة، مستفيدة ومستقوية بالقوة الغاشمة الأمريكية التي تفرض حمايتها على الجرائم الإسرائيلية، وتواطؤ الاتحاد الأوروبي، الذي قرر، يوم الثلاثاء 15 جويليه الجاري، عدم تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل رغم استمرار المجازر بحق المدنيين في غزة. وهو أمر اعتبره «جوزيب بوريل» الممثل السابق للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي بمثابة: «السماح لإسرائيل باستمرار الإبادة الجماعية في غزة دون هوادة». كما اعتبرته السيدة «أغنيس كالامار»، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: «خيانة للمشروع الأوروبي القائم على صون القانون الدولي ومناهضة الممارسات الاستبدادية» مؤكدة أن هذا القرار: «سيذكر كأحد أكثر اللحظات عارا في تاريخ الاتحاد الأوروبي».الولايات المتحدة الأمريكية،من جهتها، عارضت، يوم الخميس 17 جويليه الجاري، دعوة «مجموعة لاهاي» لمنع: «توريد أو نقل أسلحة وذخائر ووقود عسكري لإسرائيل ومنع المؤسسات والصناديق من دعم الاحتلال». الخارجية الأمريكية ردت على دعوة «مجموعة لاهاي» من أجل العمل الجماعي لاحترام القانون الدولي، بالقول: «ستدافع الولايات المتحدة بقوّة عن مصالحها وجيشها وحلفائها، بمن في ذلك إسرائيل، ضد هذه الحرب القانونية والدبلوماسية المُنسّقة.»
لا تكتفي الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتحدي القانون الدولي، ومعاكسة الرأي العام العالمي، بل إنها أصبحت تحت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، ترفع سيف الترهيب والعقاب في وجه كل من يدين أو يقف في وجه جرائم إسرائيل، أويدافع عن الحق، وسيادة القانون، وعالمية حقوق الإنسان. حيث فرضت في شهر فيفري الماضي
(2025) عقوبات على المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية «كريم خان»، كما فرضت في شهر جوان 2025، عقوبات أخرى على أربعة قضاة في المحكمة بسبب دورهم في إصدار مذكرات توقيف ضد المجرمين، بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال ويوآف غلانت وزير الحرب الإسرائيلي السابق. أما دولة إسرائيل الإرهابية المارقة، فقد أرسلت ـ حسب موقع» ميدل إيست آي «البريطاني، تهديدا سافرا عن طريق المحامي البريطاني- الإسرائيلي »نيكولاس كوفمان «للسيد كريم تضمن تحذيرا لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية» مفاده بأنه في حال عدم سحب مذكرات التوقيف الصادرة ضد بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، فإن كريم خان ومعه المحكمة «سيتم تدميرهما». الصحافة الأمريكية اليمينية تولت مهمة محاولة تدمير السمعة الأخلاقية لكريم خان بنشر مواضيع عن مزاعم تورطه في جريمة التحرش الجنسي. لكن هذه الضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية لم تفلح، إلى حد الآن، في جعل محكمة الجنايات الدولية ومدعيها العام يتراجعان عن مذكرات اعتقال المجرمين نتنياهو و غالانت. حيث رفضت المحكمة، يوم الأربعاء الماضي (9 جويليه الجاري)، طلب إسرائيل إلغاء مذكرات اعتقال وتعليق التحقيق ضد المجرمين نتنياهو، وغالانت. أما عمليات الترهيب التي تمارسها إدارة دونالد ترامب ضد ممثلي القانون الدولي، ورموز الشرعية الدولية، فقد فرضت، يوم الأربعاء الماضي، عقوبات على السيدة المحترمة «فرانشيسكا ألبانيزي»، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي وثقت الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بقطاع غزة في عدة تقارير. وكتب وزير الخارجية الأميركي «ماركو روبيو»: «لا تسامح بعد الآن مع حملة ألبانيزي من حرب سياسية واقتصادية على الولايات المتحدة وإسرائيل».
لعل التكالب الأمريكي ضد المناضلين من أجل حقوق الإنسان، والتنمر السافر ضد ممثلي الشرعية الدولية، لم يكونا بعيدين عن تقديم طلبات استقالة من طرف أعضاء بارزين في لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة التي تبحث بالجرائم المرتكبة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.حيث أعلن يوم الثلاثاء الماضي (8 جويليه 2025) كل من «نافي بيلاي» المفوضة السابقة لحقوق الإنسان، و«كريس سيدوتي»، المفوض السابق لحقوق الإنسان في استراليا، و«ميلون كوثاري»، المقرّر الخاص الأوّل المعني بالسكن اللائق في الأمم المتحدة عن استقالاتهم من لجنة التحقيق، وذكرت تقارير إعلامية أن أعضاء اللجنة استقالوا لأسباب شخصية مثل السن، معربين عن اعتقادهم بأن اللجنة بحاجة إلى التجديد.
الجدير بالذكر، أنه بعد عام من صدور قرار محكمة العدل الدولية، وصل عدد ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا ضد الفلسطينيين إلى ما يقارب 200 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، وما يزيد على 10 آلاف مفقود. لكن يبقى الأمل الوحيد في التصدي لهذا التغول الأمريكي والتوحش الصهيوني هو استمرار صمود الشعب الفلسطيني، واستمرار إنجازات المقاومة الفلسطينية الخارقة، من خلال تصديها البطولي والملحمي للحملة العسكرية الصهيونية الطويلة والشرسة. فكلما اعتقد مجرمو الحرب الأمريكيون والإسرائيليون أنهم قد توصلوا لكسر الصمود الفلسطيني، وسحق فصائل المقاومة، وحسم المعركة عسكريا، فاجأتهم فصائل المقاومة بتوجيه المزيد من الضربات الموجعة، وإلحاق الهزائم المذلة بالجيش الإسرائيلي الذي عجزت معظم الجيوش العربية عن مواجهته أو ردعه، وظلت قيادات المقاومة متمسكة بشرف الجهاد، رافضة رفع راية الاستسلام، مدافعة بشجاعة وتبصر عن حقوق الشعب الفلسطيني وحتمية استرجاعها سواء بالمفاوضات السياسية أو بالمواجهة العسكرية.