سجناء يبحثون عن مستقبل جديد بين أوراق الامتحان والجدران العاتية
انطلقت، الأحد، بمؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالعلمة، بولاية سطيف، امتحانات شهادة التعليم المتوسط “البيام” بمشاركة 115 مترشح، من بينهم حدث واحد، أصروا جميعًا على خوض غمار الامتحان بعزيمة تعكس إيمانهم بفرصة جديدة يمنحها لهم التعليم خلف القضبان، وهي التجربة التي عايشناها من خلال زيارة ميدانية للسجن، انغمسنا من خلالها في حدث تربوي وراء القضبان، بل […] The post سجناء يبحثون عن مستقبل جديد بين أوراق الامتحان والجدران العاتية appeared first on الشروق أونلاين.


انطلقت، الأحد، بمؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالعلمة، بولاية سطيف، امتحانات شهادة التعليم المتوسط “البيام” بمشاركة 115 مترشح، من بينهم حدث واحد، أصروا جميعًا على خوض غمار الامتحان بعزيمة تعكس إيمانهم بفرصة جديدة يمنحها لهم التعليم خلف القضبان، وهي التجربة التي عايشناها من خلال زيارة ميدانية للسجن، انغمسنا من خلالها في حدث تربوي وراء القضبان، بل في صورة نادرة للتأهيل وإعادة بناء الذات، تبدأ من عمق الزنزانة.
في صباح هادئ يتميز بحرارته المنتظرة، عبرنا البوابة الحديدية الثقيلة لمؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالعلمة. أصوات المفاتيح، خطوات الأعوان، ونظرات التفحص الأولى، جعلتنا ندرك أننا ندخل عالمًا له قواعده، نظامه، ونبضه الخاص. لكن خلف هذه الصرامة، كان هناك حراك تربوي حقيقي يتشكل بين الجدران الصامتة.
مباني السجن موزعة بدقة لافتة، حيث تنقسم إلى عدة أجنحة تفصل بينها ممرات نظيفة ومراقبة، لكل قسم حكاية مع حركية إعادة التأهيل. كانت وجهتنا نحو الجناح التربوي، حيث خُصصت قاعات نموذجية لاحتضان امتحانات شهادة التعليم المتوسط، والتي شارك فيها 115نزيل، من بينهم حدث واحد.
مررنا عبر نقاط التفتيش الداخلية، حيث يعمل الأعوان بحزم وهدوء. كل المعدات والهياكل تعبّر عن نظام أمني صارم، لكنه لا يخنق الحركة، بل يُنظمها مع ترحاب خاص من الأعوان المنتشرين عند كل زاوية ومدخل حديدي متين.
عند بلوغنا قاعات الامتحان، انخرطنا في أجواء تذكرنا بمراكز الامتحان الرسمية بالخارج، يظهر ذلك من خلال طاولات متباعدة، أوراق مرقمة، مؤطرون بالزي التربوي، وصمت مطبق لا يخترقه سوى صوت عقارب الساعة، فلا تسمع إلا همسا وسط المؤطرين.
“هنا، لا فرق بين سجين وتلميذ… الجميع أمام ورقة الامتحان متساوون”، هكذا همس لنا أحد الأساتذة المؤطرين، وهو يراقب بعينيه حركة المترشحين الذين كانوا يخطّون إجاباتهم على امتحان اللغة العربية في أول يوم.
التهيئة اللوجستية كانت محكمة. القاعات مجهزة بالمعدات الضرورية، الإنارة الجيدة، ووسائل مراقبة غير مزعجة، مما يعكس حرص الإدارة على توفير مناخ تربوي حقيقي لا تشوبه الفروقات عن المراكز الخارجية. كما لمحنا فرقا طبية ونفسية جاهزة للتدخل عند الحاجة، وتم تأمين حركة دخول وخروج المؤطرين من طرف فرق الحراسة المتنقلة.
خارج القاعات، وقف النائب العام لمجلس قضاء سطيف رفقة طاقم إداري وقضائي، متفقدًا سير العملية. وفي تصريح مقتضب، شدّد على أن التعليم داخل المؤسسات العقابية هو جزء أساسي من السياسة العقابية الحديثة، التي ترى في السجين مشروع مواطن قابل للإصلاح، لا مجرد رقم خلف القضبان.
أما مدير المؤسسة العقابية بالعلمة، فشرح لنا تفاصيل البرنامج السنوي الذي يُعنى بتكوين النزلاء وتحفيزهم على الالتحاق بالدراسة، مضيفًا أن بعضهم اجتاز محطات دراسية متقدمة بفضل هذا المسار، وهو ما انعكس على سلوكهم اليومي، وساهم في تحسين مناخ المؤسسة ككل.
في لحظة إنسانية مؤثرة، صادفنا نزيلا في العشرينيات من عمره، خرج لتوه من قاعة الامتحان، وهو يحمل أوراقه بشيء من الفخر. اقتربنا وسألناه عن سير العملية فقال باختصار: “لقد نسيت أنني في سجن… وشعرت أنني طالب عادي. الامتحان كان في متناولنا، والتنظيم ممتاز. هذا يعطينا الأمل بأن القادم يمكن أن يكون أفضل.”
ونحن نجول بين القاعات بدا النزلاء منكبّين على الطاولات، غارقين في التفكير، في مشهد يعكس رغبتهم في التغير بكل ما أوتوا من إرادة، مع عزيمة لخلق مستقبل جديدمن خلف الجدران العاتية.
في سجن العلمة، لم يكن الامتحان مجرد ورقة تُملأ، بل كان فصلًا من فصول إعادة الاعتبار للإنسان، وسط نظام صارم، لكنه لا يقف عند حدود الردع، بل يمتد نحو أمل يُزرع في قلب نزيل يجلس على طاولة ويمسك قلما بدل أن يحسب أيامه على الجدران، وكان العلم وحده هو الذي فتح نوافذ النور والحياة الجديدة.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post سجناء يبحثون عن مستقبل جديد بين أوراق الامتحان والجدران العاتية appeared first on الشروق أونلاين.