في ظلال السنة تبادل التحية بالسلام من خصائص أمة الإسلام

بقلم: مسعود فلوسي روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». من المقاصد الربانية في تشريع الأحكام الإسلامية؛ بناءُ المجتمع المؤمن المتماسك، الذي تسود بين أبنائه …

يوليو 15, 2025 - 22:36
 0
في ظلال السنة تبادل التحية بالسلام من خصائص أمة الإسلام

بقلم: مسعود فلوسي

روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ».

من المقاصد الربانية في تشريع الأحكام الإسلامية؛ بناءُ المجتمع المؤمن المتماسك، الذي تسود بين أبنائه علاقات التراحم والتضامن والتكافل والتعاون، وتجمع بينهم روابط الأخوة والمحبة والمودة، روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ؛ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» [متفق عليه]. ولذلك اعتبر عليه الصلاة والسلام من علامات صدق الإيمان التي يستحق بها المؤمنون أن يكونوا من أهل الجنة في الآخرة؛ المحبة التي تربط بين قلوبهم وتتجلى مظاهرها في علاقاتهم ومعاملاتهم.

السلام سبيل المحبة بين المؤمنين:

هذه المحبة لا يمكن أن توجد أو تسود بين المؤمنين ما لم يسلكوا إلى ذلك السبل التي توصل إلى تحقيقها وتمكينها، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن أحسن مسلك إلى ذلك هو إشاعة التحية بالسلام بين المؤمنين. ولهذا كان إفشاء السلام من الدعائم التي أرسى عليها النبي صلى الله عليه وسلم بُنيان المجتمع المسلم أوَّلَ مَقْدَمِه إلى المدينة مهاجرًا، كما أخبر بذلك عبد الله بن سلام رضي الله عنه إذ قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة سمعته يقول: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلاَمٍ». (أخرجه الترمذي وابن ماجه).
واعتبر عليه الصلاة والسلام تسليم المؤمنين على بعضهم بعضا حقا مُتبادلا يستحقه كل واحد منهم على الآخرين، فقد جاء في صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ»، قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: «إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ» (رواه مسلم).

السلام تحية المؤمنين في الدنيا والآخرة:

إن السلام هو التحية التي ارتضاها الله عز وجل لعباده المؤمنين في الدنيا.. وبهذه التحية تستقبل خزنة الجنة أهل الجنة عندما يُساقون إليها ويصلون إلى أبوابها، قال عز وجل: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر: 73)‪.‬ وبعد أن يستقر الأمر بالمؤمنين في الجنة تكون التحية التي يتبادلونها بينهم فيها هي السلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (يونس: 9-10).‬
وصورة التحية في الإسلام هي: (السلام عليكم)، والأحسن: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ورَدُّ السلام يكون بصيغة (وعليكم السلام)، والأفضل: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عليه، ثم جلس، فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ». ثم جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فجلس، فقَالَ: «عِشْرُونَ». ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فرد عليه، فجلس، فَقَالَ: «ثَلاثُونَ» (أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد).

مغزى التحية بالسلام:

وهذه التحية العظيمة لها مغزاها العميق ومعناها الدقيق؛ فالسلام دعاء بتنزُّل الرَّحَمات والخيرات والبركات والسلامة من السوء والآفات.. والسلام تحصينٌ للمسلَّم عليه باسم الله السلام وتعويذٌ له به عز وجل، فالله حفيظ عليم رؤوف رحيم ستار حليم.. روى البيهقي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إنَّ السلامَ اسمٌ من أسماءِ اللهِ تعالى وُضِعَ في الأرضِ، فأَفْشوا السَّلامَ بينكم»‪.‬ والسلام هو شعار التآلف، وعنوان المودة، ودليل المحبة، وسبيل صفاء القلب وسلامة الصدر وهو مظهر احترام النفس والآخرين، قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه: “ثلاثٌ يُصَفِّينَ لكَ مِن وُدِّ أخيكَ: أنْ تُسَلِّمَ عليه إذا لَقيتَه، وتُوسِّعَ له في المَجلِسِ، وتَدعُوَه بأحَبِّ أسمائِه إليه”..‬
إن إفشاء السلام، هو مفتاح القلوب، ومن بدأ بالسلام وحيىَّ به فهو سباق للخير مبادر إلى محبة الخلق، وفي الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ». فينبغي الحرص على إفشاء السلام ليكون سلوكا ظاهرا شائعا بين المسلمين، لا تُخَصُّ به فئة دون فئة ولا قريبٌ أو صاحبٌ دون غيره، بل هو حق المسلم على المسلم.. روى الشيخان عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».. وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالسلام من لقيه، بل كان يسلم على الصبيان إذا مر بهم ليربيهم على الألفة والمحبة، وينشر فيهم إفشاء السلام وردَّ التحية بمثلها أو أحسن منها..

أحكام السلام وآدابه:

التحية بالسلام، لها أحكام وآداب؛ فمن أحكامها؛ أن البدء بالسلام سنة مؤكدة، وأما ردُّه فواجب، فتُرَدُّ التحية بأحسن منها أو مثلها، يقول الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء: 86). وجاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حَقُّ المسلمِ على المسلِمِ خمسٌ: ردُّ السَّلامِ، وعيادةُ المريضِ، واتَّباعُ الجنائزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطسِ». وروى السيوطي في الجامع الصغير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مرَّ بقومٍ فسلَّمَ عليهم فردوا عليه، كان له عليهم فضلُ درجة؛ بتذكيره إِياهم السلامَ، فإنْ لم يردُّوا عليه، ردَّ عليه مَن هو خيرٌ منهم وأطيبُ».
أما آداب السلام التي ينبغي الالتزام بها؛ فمنها أن يبتدئ به المسلم إذا دخل بيته، فقد روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بُنَيَّ إذا دخَلت على أهلك فَسَلِّمْ، يكن بَرَكَةً عليك وعلى أهل بَيْتِك». وإذا لم يكن في البيت أحد، فيقول: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، لقوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) (النور: 61). وبالسلام أيضا يبتدئ إذا دخل بيت غيره، لقوله عز شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور: 27).
ويُستحسن أن يُقرَن السلام بالمصافحة، زيادة في إظهار الوُدِّ والمحبَّة، فقد أخرج أبو داود والترمذي عَن البَرَاءِ بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا»‪.‬ وأخرج الطبراني في معجمه الأوسط عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَلاقَوا تَصَافَحُوا، وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفِرٍ تَعانَقُوا”. ويكون أحسن وأفضل إذا اقترن ببشاشة الوجه ولين الجانب وحرارة اللقاء، فقد روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ»‪.‬ وكما أن السلام مطلوب عند الالتقاء، هو مطلوب كذلك عند الافتراق، أخرج أبو داود والترمذي عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الأُولَى بأَحَقَّ مِنْ الآخِرَةِ».‬‬
ومن آداب السلام التي أرشد إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ما علم به أمته حين قال صلى الله عليه وسلم: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ» (متفق عليه).. لكن إذا لم يسلم من عليه الحق فمن الأحسن أن يبادر الآخرُ بالتسليم محافظة على السنة ومسابقة إلى الخير ومسارعة في إفشاء السلام، وخيرُ الناس من يبدأ بالسلام.. فقد روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسولَ اللَّهِ! الرَّجُلانِ يلتقيانِ، أيُّهما يبدأُ بالسَّلامِ؟ فقالَ: «أَولاَهُما باللَّهِ»؛ أي: مَن بدَأ مِنهما بالسَّلامِ فهو أقرَبُ إلى اللهِ تعالى، وأقرَبُ إلى الفوزِ برحمته عزَّ وجلَّ.

تحمل السلام وتبليغه:

ومما جاء في السنة؛ مشروعيةُ تحملِ السلام وتبليغِه، فقد روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ»، فَقالتْ: “وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ”. وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا بَلَّغَه السلامَ أحدٌ عن غيره أن يرُدَّ عليه وعلى المبلِّغ، فقد أخرج أبو داود عن رجل من بني نمير قال: بعثني أبي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: ائتِه فأقرِئهُ السلامَ. قال: فأتيتُه، فقلتُ: إنَّ أبي يقرئُك السلامَ، فقال: «عليكَ السلامُ، وعلى أبيكَ السلامُ».
إننا حين نلتزم بإفشاء السلام وتبادله فيما بيننا، مع من نعرف ومن لم نعرف، تسود المحبة وتتقارب القلوب وتتعانق الأرواح وتزول الجفْوَة، وتصلح الأحوال وتقِلَّ العداوات والخصومات، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين المسلمين في كل زمان وفي كل مكان.
‪ ‬‬