لماذا؟

أ. عبد العزيز كحيل/ ملحمة غزة التي غيّرت وجه العالم بشكل غير مسبوق تجعلنا نطرح عدة أسئلة تبدأ كلها بكلمة «لماذا؟» في مقارنة بين العرب والغربيين. لماذا يتكلم رئيس كولومبيا ورئيس الشيلي في الأمم المتحدة بهذه القوة إلى درجة تهديد الكيان بحشد السلاح ضده؟ هذا شيء كان قبل سنة واحدة أمرا مستحيلا وأصبح ممكنا. لماذا …

أكتوبر 6, 2025 - 12:35
 0
لماذا؟

أ. عبد العزيز كحيل/

ملحمة غزة التي غيّرت وجه العالم بشكل غير مسبوق تجعلنا نطرح عدة أسئلة تبدأ كلها بكلمة «لماذا؟» في مقارنة بين العرب والغربيين.
لماذا يتكلم رئيس كولومبيا ورئيس الشيلي في الأمم المتحدة بهذه القوة إلى درجة تهديد الكيان بحشد السلاح ضده؟ هذا شيء كان قبل سنة واحدة أمرا مستحيلا وأصبح ممكنا.
لماذا تتخذ إسبانيا ورئيسها وشعبها هذه المواقف الشجاعة الصلبة ضد الكيان وتنتصر لغزة؟
لماذا ينتفض الشعب الإيطالي ويعلن رفضه للعدوان الصهيوني على غزة وينتصر لسكان القطاع رغم أنف حكومته اليمينية المتطرفة المصطفة مع الكيان وأمريكا؟
لماذا تشهد إيطاليا إنشاء تكتل القساوسة من أجل غزة رغم موقف الفاتيكان الفاتر من الحرب الصهيونية على القطاع؟
لماذا يتحرك أبرز وجوه هوليوود أمثال بن أفليك وميل جيبسن بقوة ضد الهمجية الصهيونية ويعلنون تأييدهم لفلسطين وغزة وهم بهذا يغامرون بمكانتهم بل وبحياتهم نظرا لسيطرة اليهود على صناعة السينما؟
لماذا أسطول الصمود فيه قلة من العرب والمسلمين؟ لماذا انطلق من أوروبا وليس من بلد عربي متوسطي؟ لماذا وجد كل التسهيلات في جميع الموانئ الأوربية ولم يجدها في الموانئ العربية إلا قليلا؟ لماذا تحرك عالم الفن والرياضة والجامعات والصحافة وبدؤوا أنواعا من مقاطعة أنشطة الكيان وفنانيه ورياضييه ووزرائه ومفكريه؟
لماذا لم يحصل شيء من هذا في بلاد العرب؟ لماذا لم يتخذ أي إجراء ضد الكيان ولو كان رمزيا حتى بعد قصف قطر؟
السبب يكمن في الحرية قبل كل شيء، فالحكام الذين يتمتعون بثقة شعوبهم أحرار أصحاب كرامة لا يخافون الخارج وضغوطه، بخلاف الحكام الذين لا يستطيعون رفع رؤوسهم في وجه الخارج لأن هذا الخارج هو الذي نصبهم ويحرسهم من شعوبهم، وأحسن مثال على ذلك محاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا فلم تتصدّ لها السلطة وحدها بل الشعب كله حتى المعارضون لأردوغان…من الجانب الآخر شعوب تتمتع بحرية الرأي والتظاهر والنشاط واتخاذ المواقف وقول «لا»، والحرية تجعل صاحبها يحس بالكرامة والأنفة والمروءة بخلاف فاقد الحرية، وعندنا في الإسلام ربط الله تعالى العقيدة – وهي أخطر شيء في الدين – بالحرية فقال «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وما قيمة عقيدة وإيمان تحت الإكراه؟ وبلا حرية يصبح الناس قطيعا يفقد حتى الإنسانية، لكننا عشنا حتى رأينا رجال دين يحاربون الحرية ويؤصلون للعبودية والاستبداد وذلك بالقرآن والسنة !!! ساء ما يفعلون…ولنا في السيرة النبوية شواهد على ما تتيحه الحرية من نماذج رفيعة في المروءة والأنفة والعزة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وجّه الصحابة أيام التضييق عليهم في مكة إلى الحبشة التي ليس فيها ملك عادل فحسب بل وشعب حر أبي أحسن استقبال أولئك المهاجرين ولم يضق بهم ذرعا حتى رحلوا، والذي مزق صحيفة مقاطعة المسلمين هو المطعم بن عدي وكان مشركا لكنه صاحب ضمير وأنفة، وهو الذي دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة في جواره بعد عودته من الطائف، وهو على شركه لكنه إنسان حر صاحب عزة نفس، واليوم إن وجد شيء من هذه النماذج النيّرة فهي في الغرب، أما من المحيط إلى المحيط فهي في حماس والأفغان، وللإنسان أن يقارن – إذا جاز ذلك – بما عليه حماس من قوة وشجاعة ورجولة وما تعانيه سلطة رام الله من ضعف وهوان ومذلة، والحقيقة أن وصولنا إلى هذه الحال من العجز هو حصاد عقود من الفن الرخيص والأغاني الهابطة، والمسلسلات الغرامية، وجنون كرة القدم، وتأليه الحكام، والاستبداد السياسي، وتزييف التاريخ وقلب حقائقه، وتحريف الدين وقصره على العبادات الفردية إلى درجة أن قطاعا من المتدينين يعدّون الحرية بضاعة الكفار و يحاربونها بكل قوة ويبررون الدكتاتورية والعبودية لأنظمة الحكم بالآيات والأحاديث !!! ولنا أن نسأل في هذا الإطار: أين العلماء الرسميون؟ أين شيخ الأزهر؟ أين دور الفتوى؟ بقي الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وحده في الميدان لأنه يضم علماء أحرارا وليسوا موظفين لدى الأنظمة…ثم أين الفنانون واللاعبون الذين يتقاضون أموالا خيالية؟ ألا يرون كيف تحرك زملاؤهم في الغرب وفي العالم كله؟
ما الحل إذًا؟ لا مناص من إعادة تأسيس المجتمعات العربية على أساس قيم الحرية والكرامة والعدل أو سنبقى لا نصلح للحياة، ثم الأمر لا يحتاج إلى تحليلات كثيرة ولا تنظيرا أكاديميا: لن تخرج الأمة من دائرة التخلف والعجز والهوان إلا إذا كسرت قيود سيكس- بيكو وعادت جسما واحدا ينعم بالحرية ويرد عدوان الأعداء وبطش الطغاة، ولن يكون ذلك إلا بالعودة الجادة البصيرة إلى الإسلام كله، فهو السلاح الجبارالذي من ابتغى منا العزة في غيره أذله الله كما نرى بأعيننا.