ماذا بعد قصف قطر؟

أ. عبد العزيز كحيل/ هل ستستخلص الأمة الدرس أخيرا؟ متى تترك أوهام السلام والمفاوضات والتطبيع والبيت الإبراهيمي والشرق الوسط الجديد وحل الدولتين؟ متى تسلّم أن المقـاومة هي خط الدفاع الأخير عن الأمة، وأنها تخوض المعركة نيابة عن الأمة كلها؟ هي تدافع عنا جميعا وبدل أن يدعمها كل العرب والمسلمين قدموها قربانا لعدوّهم وعدوّها…فليعلموا كلهم أن …

سبتمبر 17, 2025 - 17:44
 0
ماذا بعد قصف قطر؟

أ. عبد العزيز كحيل/

هل ستستخلص الأمة الدرس أخيرا؟ متى تترك أوهام السلام والمفاوضات والتطبيع والبيت الإبراهيمي والشرق الوسط الجديد وحل الدولتين؟ متى تسلّم أن المقـاومة هي خط الدفاع الأخير عن الأمة، وأنها تخوض المعركة نيابة عن الأمة كلها؟ هي تدافع عنا جميعا وبدل أن يدعمها كل العرب والمسلمين قدموها قربانا لعدوّهم وعدوّها…فليعلموا كلهم أن المعركة التي يفرون منها آيتيتُهم جميعا، فإما أن يخوضوها بشرف، أو تطحنهم أقدام العدو في عواصمهم وبيوتهم، إن لم يكن اليوم فغدا أو بعده.
في وضعنا المأسوي المزري استاء بعض الناس من عدم ردّ قطر على قصف أراضيها، وهذا موقف ساذج، والسؤال الملح هو: ماذا يحدث لو قصف العدو أي عاصمة عربية او إسلامية أخرى؟ ونعلم جميعا أنه لو وقع ذلك لن يحدث أي رد فعل، والتاريخ القريب خير شاهد: ألم يقصف تونس العاصمة وبيروت ودمشق وصنعاء وطهران؟ أو لم يقصف الأمريكان – أي الوجه الآخر للكيان الصهيوني – طرابلس الغرب والخرطوم؟ ألم يحتلوا بغداد ويفعلوا بالعراق ما لم يفعله بها التتار؟ لم نجد ردا على العدوان وموقفا مشرفا من العدو إلا في أفغانستان على يد طالبان، وفي غزة على يد حماس وباقي الفصائل…متى نفهم جميعا أنه في ظل الأوضاع الجيوسياسية الحالية المقاومة هي الحل الوحيد والجهاد هو السبيل الأوحد للبقاء كأمة وكدول؟ في الحقيقة هذا الكلام وهذه الأسئلة موجهة للأنظمة الحاكمة لأنها في واد وشعوبها في واد آخر، مقصدها الأكبر هو البقاء في السلطة – سواء كانت أسرة أو طغمة أو فردا – مهما كان الثمن، لذلك لا تبالي بالرأي العام من المحيط إلى الخليج بل تتعامل إيجابيا – وعلنا – مع العدو وتصطف معه سياسيا وتساعده تجاريا وعسكريا وتبطش بأي مواطن يظهر عداوة له، وعداؤها منصرف للمقاومة وعلى رأسها حماس لأنها ارتكبت أخطاء جسيمة لا تُغتفر، فهي مع الوفاء في زمن الخيانة، مع المقاومة في زمن التطبيع، مع الجهاد في زمن الاستسلام، مع الرجولة في زمن النسوية، مع الإسلام في زمن الردة، أي هي تفسد كل ما أطبقت عليه هذه الأنظمة وخاصة تحريك الجماهير من ركودها وبث الوعي فيها وإيقاظها من حالة الزيف والتيه والتخدير التي اكتنفتها منذ مدة طويلة، وأكثر من هذا رفض هذه الأنظمة الاحتكام إلى آليات الديمقراطية التي تزعم الإيمان بها لأنها في صالح المشروع الإسلامي بلا ريب كما أثبتت التجارب في طول البلاد العربية وعرضها، فاتبعت سياسة تجفيف منابع التدين والتضييق على الإسلاميين والوطنيين النزهاء، وكان لا مفر لها من الارتماء في أحضان المشروع الصهيوني.
آن الأوان أن تفرض الأمة إرادتها، والبداية بإرساء قواعد الدولة القوية، وهي دولة المؤسسات المبنية على الشرعية، أولى أولوياتها كرامة الفرد وإشاعة العدل والمساواة والقضاء على الفساد والحڤرة والسير بما يرضي الشعب لا بما يرضي العدو، ومن أهم ما ينبغي المسارعة إلى إصلاحه بصفة جذرية الإعلام، لأن هذه هي الصورة بلا رتوشات: الإعلام الرسمي العربي – ومعه القطاع الأكبر مما يسمى إعلاما مستقلا – يحارب الاسلام وأهله بلا هوادة وبألف طريقة ويتربص بالحق ويخذله ويفسد الأخلاق وينصر العدو، والعلمانية المتوحشة تقف خلفه بقوة وتنفخ فيه وتشجعه، وما تفعله القناة المسماة «العربية» – ومعها أخواتها في الشقاوة – من ضرب للأمة من الداخل لا يقل خطورة عما يفعله العدو بسلاحه…أما ثالثة الأثافي فتتمثل في علماء السوء وأتباعهم المغفلين الذين تبنوا وجهة نظر العدو بل وزايدوا عليه، يطعنون المجاهدين والمرابطين والمتعاطفين في الظهر والصدر والخاصرة ويضربون منهم كل بنان باسم القرآن والسنة !!! ويسوّقون للمسلمين أنهم كانوا في جهل مطبق وضلال مبين حتى دفعت «دولة التوحيد» بربيع المدخلي وحسين العولقي وسليمان الطويل (والراجح أنهم متخرجون من جامعة تل أبيب الإسلامية)، ودفعت الإمارات بإبراهيم عيسى ويوسف زيدان وعدنان إبراهيم ليعلموهم الاسلام الصحيح لأن كل العلماء القدامى والحاليين جهلة دجالون حرفوا دين الله !!!
هذا حالنا: الضربات الموجعة تتوالى علينا، الأعداء يفعلون بنا ما يشاؤون، العملاء يزدادون شراسة، الهوان هو سيد الموقف، ولا ينفع أن نمني أنفسنا بالأوهام فالسماء لا تمطر نصرا ولا تغييرا، والبكاء لا يجدي شيئا، وهنا يأتي اليقين بنصر الله مهما ادلهمت الخطوب واحلولكت الظروف، لكنه نصر تصنعه الأمة بواسطة نخبتها الواعية الغيورة المجاهدة التي يحركها فهم عميق وتدين واع ونخوة أصيلة.
أجل، تتواصل الإبادة في غزة، ويستشهد القادة في ساحة القتال، ويزداد يقين المؤمنين في نصر الله، وأهم درس نستخلصه من الملحمة أن العجز هو سيد الموقف من المحيط إلى المحيط، وقد آن الأوان أن يتغير الأمر وينتقل الخوف إلى صف العدو.