متى نستفيق؟

أ. عبد العزيز كحيل/ كثير من المثقفين العرب يفتخرون برجل إنجليزي – هو لورانس العرب – وآخر فرنسي – هو لوي ماسينيون – ويعدونهما من أصدقائنا الخلص الذين قدموا للعرب والمسلمين خدمات جليلة!!! وهذا استغفال صارخ، فالأول يمثل بامتياز الصليبية الناعمة في المجال السياسي بينما يمثل الثاني الصليبية الناعمة في المجال الديني، وكانت مهمتهما معا …

مايو 5, 2025 - 18:33
 0
متى نستفيق؟

أ. عبد العزيز كحيل/

كثير من المثقفين العرب يفتخرون برجل إنجليزي – هو لورانس العرب – وآخر فرنسي – هو لوي ماسينيون – ويعدونهما من أصدقائنا الخلص الذين قدموا للعرب والمسلمين خدمات جليلة!!! وهذا استغفال صارخ، فالأول يمثل بامتياز الصليبية الناعمة في المجال السياسي بينما يمثل الثاني الصليبية الناعمة في المجال الديني، وكانت مهمتهما معا ضرب الإسلام والمسلمين في العمق من غير تكشير أنياب فانطلى ذلك على المغفلين من أهل الثقافة والرأي والسياسة، وقد اتضح امرهما بوضوح بعد مضي الزمن لكن المنهزمين روحيا والمستلبين فكريا من بني جلدتنا ما زالوا مشدودين إلى الرجليْن ومشروعهما الاستعماري وكأنهما قدما خدمات جليلة للعرب والمسلمين في حين أن الأول أسس لتفتيت العالم العربي – ومن تجليات ذلك حدود سايكس – بيكو المشؤومة التي أورثت الأمة الانقسام والتفتيت والضعف والتبعية للغرب، في حين أعطى الثاني دفعا كبيرا للاستشراق والتبشير والاستعمار وأسس للغزو الفكري خاصة في المغرب العربي، وكل ما نعيشه اليوم من ضياع حضاري هو بشكل من الأشكال من نتائج ما فعله لورانس وماسينيون وأمثالهما، وكان ينبغي أن يهتم المثقفون بفضح المخطط البريطاني الفرنسي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من تراجع وتبعية بناء على الوثائق والدراسات الأكاديمية والتحريات الميدانية وفي الأرشيف الذي يحوي تفاصيل ذلك المخطط وقد أصبح متاحا للباحثين، والأمة في أمس الحاجة إلى هذه الدراسات لتتحرر من قيود التبعية للغرب، هذه القيود التي أنتجت حالة غزة التي تركها العرب والمسلمون تباد لأنها – بحكم النظرية الغربية المستوردة – قضية خارجية أجنبية بالنسبة للمغاربي والمصري والكويتي أقصى ما تستحقه هو التعاطف، وما كان ليحدث هذا لولا دسائس أمثال لورانس وماسينيون التي استطاعت إهالة التراب على عقيدة الولاء والبراء الإسلامية لتحل محلها فكرة الدولة القومية القُطرية التي أصبحت عند المثقفين والساسة وكثير من الشعوب العربية هي الحق حتى صارت حدود سايكس – بيكو شيئا مقدسا، أي أصبحنا نقدس الحدود التي وضعها الاستعمار ونتنكر للانتماء للأمة الوحدة، وغدا الوطن وثنا يُعبد مع الله أو من دونه كما هو الشأن عند حزب البعث مثلا ومرجعيات أخرى على شاكلته في طول البلاد العربية وعرضها.
لقد فعل سعي لورانس وماسينيون وأمثالهما في الأمة فعله حتى أصبحنا نعيش تناقضات تصل حد الغرائب والعجائب، منها – وغزة تباد – :
– دول تملك السلاح النووي تشترط على حماس نزع سلاحها البدائي المحلي الصنع !!! وقد فهمنا الأمر: لا يعنيهم السلاح بل يريدون الوصول إلى الرجال الذين هزموهم بهذا السلاح البسيط.
– المغرب يرفض حضور حركة حماس مؤتمر حزب العدالة ولا يمنح وفدها تأشيرة الدخول في حين ترسو سفن العدو في موانئه بحمولات أسلحة لتبيد غزة (الشعب المغربي في فعاليات متواصلة ضد كل هذا وضد التطبيع).
– الأردن يحظر جماعة الإخوان إداريا لأن ملفها لو عُرض على القضاء ما وجد فيه عملا واحدا ضد البلاد بأي شكل، في نفس الوقت «المملكة الهاشمية» تزوّد العدو بالخضر والفواكه وكافة المعدات.
– مصر تُحكم إغلاق معبر رفح على الغزاويين، هل تستطيع إغلاق قناة السويس وقد أمرها ترمب بفتحها أمام السفن الأمريكية لتمرّ دون دفع رسوم؟ شيش يا من تستأسد على الشعب الغلبان.
وقد قال لي صديق وهو يعتصر ألمًا: أصابني ضغط الدم وأنا أستمع إلى أولئك الشيوخ أصحاب اللحى والعمائم وهم ينتقصون من المقاومة ويبررون أفعال الحكام المطبعين وعدوان الاحتلال على غزة، فقلت له: ألا تعلم أن أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، أحدُهم عالم دين؟ أي عنده علم بالدين لكنه خان الله ورسوله …وها نحن نرى هذا النموذج بأعيننا في صورة شيوخ الوهابية وعلماء السلاطين من كل نوع، لكن في المقابل هناك علماء ربانيون ينتصرون لغزة ويصطفون مع الحق لكن الإعلام المأجور يغيّب صوتهم، أما شيوخ الضلال فقد عُرفوا في تاريخنا باسم المرجئة، ونقل ابن كثير عن النضر بن شميلة أن الخليفة المأمون سأله: ما الإرجاء؟ قال «دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم وينقصون به من دينه، وقال سعيد بن جبي: المرجئة يهود القبلة، فما من عدو إلا ظاهروه، ولا فاسق إلا حالفوه، ولا ظالم إلا أعانوه، ولا داع للخير إلا حاربوه، ويُطلق العلماء وصف المرجئ على من يتبع السلطان في المعصية ومن يسوغ لهم ما حرم الله ويبرر لهم أفعالهم، وقال ابن تيمية: المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقا وإن لم يكونوا أبرارا، وها قد تبين لكل من يملك عقلا واعيا أن المهمة التي تتولاها الوهابية الآن هي تحطيم الأمة وتمزيق صفها وإذلالها والحيلولة دون رقيها، وذلك باسم السنّة وطاعة «ولاة الأمور».
فمتى نستفيق ونرى أن غزة ارتجفت من البرد ولم تركع، عانت المجاعة ولم تركع، قصفت ليل نهار ولم تركع، خذلها المسلمون ولم تركع، تركع لله وحده ويركع لها الأعداء لأنها تحررت من مخدّر لورانس وماسينيون.