مرةً أخرى: سلامٌ على الشجاعية !!

د.خديجة عنيشل/ خصّت كتائبُ القسامِ في إحدى توثيقاتها الإعلامية حيَّ الشجاعية بفيديو أطلقت عليه اسم «الشجاعية.. صمودٌ وإقدام» ويُعدُّ هذا الشريط شهادةً حيةً عن روحِ التضحيةِ والفداءِ التي أبداها هذا الحيُّ الفذُّ في مواجهتهِ للإجرامِ الصهيوني. هذه الشجاعةُ النادرةُ التي تنبجسُ من تحتِ الأرض حيث لا مقوّماتٍ حقيقيةً للحياةِ الطبيعية، وحيث الظلامُ المحيطُ بالأشاوس من …

مايو 5, 2025 - 18:32
 0
مرةً أخرى: سلامٌ على الشجاعية !!

د.خديجة عنيشل/

خصّت كتائبُ القسامِ في إحدى توثيقاتها الإعلامية حيَّ الشجاعية بفيديو أطلقت عليه اسم «الشجاعية.. صمودٌ وإقدام» ويُعدُّ هذا الشريط شهادةً حيةً عن روحِ التضحيةِ والفداءِ التي أبداها هذا الحيُّ الفذُّ في مواجهتهِ للإجرامِ الصهيوني. هذه الشجاعةُ النادرةُ التي تنبجسُ من تحتِ الأرض حيث لا مقوّماتٍ حقيقيةً للحياةِ الطبيعية، وحيث الظلامُ المحيطُ بالأشاوس من كل جانب يصنعُ رجالُ المقاومة ملاحمَ بطوليةً عرّت الوجهَ الحقيقيَّ للوهمِ الصهيونيِّ الذي ظلَّ يتشدَّقُ بقوةِ الردعِ واستراتيجيةِ الردعِ التي كان الاحتلالُ الصهيونيُّ يؤسسُ عليها مفهومَه للأمن، بل إن أبطالَ المقاومةِ أخضعُوا وزيرَ الثقافة والرياضة الصهيوني ميكي زوهار ودفعوه دفعاً إلى اعترافه الأخير الذي قال فيه بإحباطٍ كبير : «إنه وبعد 9 أشهرٍ من الأحداثِ في جبهاتٍ عدة، علينا القولُ إن إسرائيلَ فقدت القدرةَ على الردع»!!
وفي الشجاعية أجثتِ المقاومةُ الفلسطينيةُ الباسلة لواءَ غولاني على الرُّكَب، ومرّغت أنفَ ترسانتهِ المُدجّجة في التراب وهو الذي يُوصفُ بأنه من قوّاتِ النخبة؛ حيث في أولى العملياتِ البريّة لجيش الاحتلال التي حاصرَ فيها الحيَّ بأكمله أوقَعَتْهُ كتائبُ القسّام في كمينٍ محكمٍ نفقَ فيه 10 من جنودِ هذا اللواء (الخُرافي)!!
سبحان الله!! حيٌّ واحد يحققُ بصموده واستبسالهِ في القتال ضرباتٍ موجعة لأعتى الجيوش العسكرية وأكثرها تقانةً ومتانة، ويكشفُ حقيقةَ بيتِ العنكبوتِ الصهيونيّ!! حيُّ الشجاعية الضارب في التاريخ يُلقّنُ دولةَ المرتزقة والجنود اللُّقطا أنهم رجسٌ في هذه الأرض الطاهرة، غُرباءٌ عنها لا جذرَ لهم في تُرابِها الزكي؛ فالشجاعيةُ من أقدم أحياء مدينة غزة بُنيَ في زمن الدولة الأيوبية. ويذكرُ التاريخُ أن معركةً حاميةَ الوطيس اندلعت منتصف ربيع الآخر 637هـ/ نوفمبر 1239م قرب غزة، بين كتيبةِ المسلمين بقيادة ركن الدين الهيجاوي والصليبيين القَتَلة، وكان ضمن الجيشِ المسلمِ قائدٌ شجاعٌ يُدعى شجاع الدين عثمان الكردي أبلى بلاءً حسناً في هذه المعركة التي قُتل فيها زهاءَ ألفي رجلٍ وتمّ أسرُ 80 فارساً و250 راجلاً ، وكافأَ سكانُ غزةَ القائدَ شجاعَ الدين الذي استشهد في هذه المعركة بأن شيّدوا في مكانها حيّاً أطلقوا عليه اسم (حي الشجاعية) تخليداً لاسم هذا البطل الفذ الشجاع .
وفي الشجاعية تلّةُ المنطار التي تكسرت عليها أحلام نابليون بونابرت، وانسحقَ فيها الآلافُ من جنود الحلفاء تحت حِراب القوات العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ودُفِنوا في ما يسمى اليوم بـ (مقبرة الحرب العالمية الأولى) الواقعة في غزة . وظلت الشجاعية تُهدي فلسطينَ باقاتِ الشهداء لا تتوقفُ ولا تكلُّ ولا تمل، وظلت معقلاً لفصائل المقاومة تحتضنُ المُجاهدين وتؤويهم وتعضدهم ، لذلك يحقدُ المحتلُّ الصهيونيُّ على حي الشجاعية الذي واجهَ جرائمَ الصهاينة بصدرٍ عارٍ خلال الحروب المتتالية كلها، ولعل من أقسى صور الانتقام والحقد الصهيوني ما واجههُ هذا الحيُّ الشجاع من قصفٍ عشوائيٍ لمدفعية العدو العام 2014 اُستشهد بسببه 75 مدنياً أعزلَ تناثرت جُثثهم في الشوارع بلا رحمة ولا ضمير. وفي هذه الحرب لازال الجيشُ الصهيونيُّ النازي المتوحّش يقتاتُ من لحومِ الأبرياء في حي الشجاعيةِ الأبيّ الذي وقعت فيه مجزرةٌ أخرى فجرَ الأربعاء 8 أفريل المنصرم نتيجةَ تفجيرِ مربّعٍ سكنيٍّ بصواريخَ ثقيلة استشهدَ بسببها أكثر من ثلاثين فلسطينياً معظمهم من النساءِ والأطفال، ويدّعي الاحتلالُ أنه يلاحقُ قيادياً كبيراً من حماس !! ولكنه في الحقيقة يُريدُ إبادةَ كلّ ما يتنفّسُ في غزة هذه المدينة الرمز التي حطّمت أحلامَ الصهيونية وأدخلت كيانَها الغاصب في طريقِ الموت والاندثار.
لا يمكنُ أبداً لأرضٍ ارتوت بدماءِ رجالها أن تستسلم أو تسقط .. ولا يمكنُ أبدا للشجاعية أن تنحني وتذل فمن تحتِ الأنفاق يخرجُ لنا مُجاهدو المقاومة بكل شجاعة وبمعنوياتٍ عالية يعلنون تصميمَهم على اجتثاث العدوّ من أرضهم، والاستمرار في المقاومة دون هوادة، بل ويُصوّرون بأريحيةٍ كيف يُجهّزون العبوّات الناسفة، ويُعدّون العدة لاصطياد فرائس العدو!! وبكل ثقة يقول أحدُ مجاهدي القسام وهو يُصوّرُ بقايا أسلحة وآليات جيش الاحتلال المعطوبة: «هذه فضائحُ إسرائيل في الشجاعية» !! فسبحان الذي ينصرُ هؤلاء المجاهدين وهم قلّة؛ يُمنَعُ عنهم كلُّ شيء، ويُخذَلون من كل جانب ولكنهم ينتصرون بعقيدتهم وإيمانهم، لا يضرُّهم من خذلهم، ولعل الملثّم أبا عبيدة قصدَ في تسجيله الأخير أن يبدأَ خطابَهُ بقوله تعالى:
﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ ليُرسلَ رسالةَ الإصرار على الجهاد مع اليأسِ من دعمِ الإخوة ونُصرة الأشقاء؛ لأن رجالَ المقاومة يؤمنون بمعيّة الله، وبأن الله ناصرُهم وكلمة ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ جاءت في سياقِ آيةٍ عظيمة يقولُ فيها ربُّنا العليُّ الكبير:
﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾[النساء84].
إنهم رجال آمنوا بربهم فزادهم بأسا وزادهم تمكينا.