من المغرب العربي إلى غزة… نبض الأحرار في مواجهة الحصار
أ. كريمة عشيري/ في مشهد يعيد للأمة بوصلتها ويبعث في أوصالها حرارة الحياة، انطلقت من أرض الجزائر قافلة إنسانية تحمل على متنها الغذاء والدواء والأمل، وسارت في طريقها الطويل عبر تونس وليبيا ومصر، متجهة نحو بوابة العزة والصمود: غزة المحاصرة. ليست هذه القافلة مجرد مبادرة إغاثية، بل هي تجلٍّ صادق لروح التضامن المغاربي العربي، وإعلان …

أ. كريمة عشيري/
في مشهد يعيد للأمة بوصلتها ويبعث في أوصالها حرارة الحياة، انطلقت من أرض الجزائر قافلة إنسانية تحمل على متنها الغذاء والدواء والأمل، وسارت في طريقها الطويل عبر تونس وليبيا ومصر، متجهة نحو بوابة العزة والصمود: غزة المحاصرة.
ليست هذه القافلة مجرد مبادرة إغاثية، بل هي تجلٍّ صادق لروح التضامن المغاربي العربي، وإعلان شعبي أن قضية فلسطين لا تزال حية في وجدان الشعوب، مهما حاولت السياسات الرسمية تغييبها أو الالتفاف عليها.
قوافل تكسر الجغرافيا وتوحّد التاريخ..
ما صنعته قافلة الجزائر، وما تبعها من تلاحم شعبي في تونس ثم ليبيا، ليس عابرًا.
فقد كُسر الحاجز النفسي الذي رسخته عقودٌ من التقسيم والاستلاب، وسقطت الحدود الوهمية التي رسمها الاستعمار بين الأشقاء.
سارت القافلة وكأنها تُعيد تشكيل خريطة الأمة، خريطة لا تعترف بحدود سايس بيكو، بل تؤمن بأن كل شبر من هذه الأرض هو امتداد طبيعي للقدس.
لقد كانت قافلة العزة طريقًا رمزيًا نحو وحدة مغاربية عربية حول القضية المركزية للأمة، وأثبتت أن الشعوب حين تلتقي على هدف واحد، فإنها تُربك الحسابات وتُحطم العوائق.
رسائل متعددة… وعنوانها غزة
لم يكن هدف القافلة فقط كسر الحصار المادي، بل حملت معها رسائل ذات بعد حضاري وإنساني وسياسي:
أن غزة ليست وحدها، وأن التضامن معها لم يعد حكرًا على الشعارات، بل صار فعلًا ميدانيًا حقيقيًا.
أن الوعي الشعبي في المنطقة المغاربية لا يزال مرتبطًا بقضايا الأمة الكبرى رغم محاولات التغريب والتشتيت.
أن التكامل المغاربي العربي ليس مستحيلًا، بل يبدأ من المواقف المبدئية التي تتجاوز حدود المصالح الآنية.
كما أن القافلة، وإن حالت دون وصولها ظروف سياسية أو معابر مغلقة، فقد أدّت وظيفتها الأهم: إحياء القضية وتجديد حضورها في الضمير الشعبي العربي.
التحام الشعوب… رهان لا يُهزم
إن أبرز ما أفرزته هذه القافلة هو مشهد الالتفاف الشعبي حول فلسطين.
فالجزائريون، والتونسيون، والليبيون، ومن انضم إليهم، شكّلوا طوق نجاة أخلاقي وإنساني لغزة، ورسّخوا قاعدة مفادها أن التحرك الشعبي لا يقلّ أهمية عن الدعم الرسمي، بل قد يتفوق عليه حين يُقوده الإيمان العميق بعدالة القضية.
وما بثّته القافلة من زخم إعلامي، وصور ومشاهد تعانق القلوب، كان أقوى من كثير من البيانات الجوفاء، وأبلغ من خطبٍ سياسية موسمية.
لقد هزّت القافلة صمت العالم، وحرّكت مياها راكدة، وذكّرت الجميع أن الشعب الفلسطيني ليس وحده، وأن غزة لا تزال في القلب.
من قلب المغرب العربي… عهدٌ لا يخبو
القضية الفلسطينية ليست غريبة عن الوجدان المغاربي. فمنذ النكبة، ظلت حاضرة في الذاكرة الجماعية، يتوارثها الأجداد للأحفاد، وتُذكر في المساجد والمدارس والبيوت.
ولم يكن غريبًا أن تكون القافلة من الجزائر، الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء، ولا أن تحتضنها تونس، وتؤمّنها ليبيا، وتفتح لها مصر بوابة العبور.
إنها لحظة تاريخية تؤكّد أن الشعوب قادرة على صنع الفارق، متى ما توحّدت قلوبها، وصفت نواياها.
قوافل اليوم… بذور الغد
قد تُمنع قوافل من الوصول، وقد تُحاصر المعابر وتُرفع الجدران…
لكن الإرادة التي خرجت من المغرب العربي نحو غزة لن تعود أدراجها خاوية.
لقد زرعت في النفوس يقينًا بأن الطريق إلى فلسطين ليس بعيدًا، وأن الأمل لا يُقصف، وأن الشعوب إذا نهضت، تُربك الموازين وتكسر الحصار.
قوافل العزة لا تموت…
وغزة لا تُنسى…
والمغرب العربي كان – وسيبقى – خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة.