نحو إعادة بعث مصعد جسر “سيدي مسيد” بقسنطينة

بجدية كبيرة، تبحث المصالح الولائية بقسنطينة عن الطريقة والكيفية لإعادة تشغيل مصعد جسر “سيدي مسيد”، المتوقف عن العمل منذ العام 1965، أي منذ ستين سنة كاملة، والذي صنّف في تلك الفترة كأغرب مصعد في العالم، لأنه يشق الصخر ولا يكاد في مساره يطل على الهواء إطلاقا. وقد خطف مشروع بعث هذا المصعد وقتا ليس بالوجيز، […] The post نحو إعادة بعث مصعد جسر “سيدي مسيد” بقسنطينة appeared first on الشروق أونلاين.

يونيو 15, 2025 - 16:28
 0
نحو إعادة بعث مصعد جسر “سيدي مسيد” بقسنطينة

بجدية كبيرة، تبحث المصالح الولائية بقسنطينة عن الطريقة والكيفية لإعادة تشغيل مصعد جسر “سيدي مسيد”، المتوقف عن العمل منذ العام 1965، أي منذ ستين سنة كاملة، والذي صنّف في تلك الفترة كأغرب مصعد في العالم، لأنه يشق الصخر ولا يكاد في مساره يطل على الهواء إطلاقا.
وقد خطف مشروع بعث هذا المصعد وقتا ليس بالوجيز، خلال أشغال الدورة الأولى للمجلس الشعبي الولائي المنعقدة الثلاثاء الماضي، وقيل بأنه بدأ التفكير في الطريقة والكيفية الجدية لإعادة تشغيل وبعث هذا المعلم، الذي سيضفي الكثير من التميّز على الحركية السياحية التي تعرفها قسنطينة خلال السنوات الأخيرة.
والمعلوم أن مصعد جسر “سيدي مسيد”، هو أحد أهم معالم قسنطينة الضائعة منذ عقود من الزمن، فاستثناء هذا المصعد عن بقية المصاعد، أنه داخل تجويف صخري بمسافة 200 متر عمودية، يمتد بين أحد أنفاق شارع زيغود يوسف “الكورنيش” نزولا إلى ضفاف وادي “الرمال” عند منطقة الشلالات الكبرى في جهتها اليمنى، وبمسافة زمنية تخترق الصخر العتيق في مدة 08 دقائق، اختزالا للطريق البري الذي قد يصل زمن الوصول فيه لنفس النقطة وبالسيارة إلى ساعة من الزمن، أي أن المصعد ينقل السائح من المغارات غير بعيد عن جسر “سيدي مسيد” إلى شلالات جسر “الشيطان” في ظلمة الصخور.
وكان هذا المصعد الفريد بتقنيته الميكانيكية التي تخترق جوف الصخر وتحصي إلى جانبه 800 درج تشكّل سلم النجدة، قد دشّن العام 1934، ليكون ولمدة 31 سنة، وسيلة نقل متميزة لهواة السباحة بمسبح “سيدي مسيد”، وأيضا لهواة السياحة مشيا على الأقدام بين ضفاف وادي “الرمال” بمناظر خلاّبة تجمع بزاوية التقاط صورة جسر “الشلالات” من السفح وجسر “سيدي مسيد” من الأعلى.
وتوقف استغلال هذا المصعد العام 1965 بسبب عطب، ليدخل منذ ذلك الزمان حيز الإهمال ومن ثمّ، النسيان، وقد اشتغلت عليه مؤسسة يوغوسلافية في الثمانينيات، فأخذت الأموال ولم تسلم المصعد، لتأتي سنوات العشرية السوداء بما تبقى على هذا المعلم، أين ضرب بجدار إسمنتي على بابه بنفق زيغود يوسف، ليصبح نسيا منسيا، مجرد ذكرى تتناقلها أحاديث وروايات من بلغوا اليوم من السن عتيا بـ”كان هناك”.
ولعل بصيص الأمل الذي لاح مع إشارة والي ولاية قسنطينة الحالي إلى هذا المعلم في عدة مناسبات، هو جدية السلطات المحلية خلال السنوات الأخيرة في التعامل مع ملف السياحة، وبالخصوص معالم قسنطينة التاريخية التي يعاد ترميمها وتهيئتها بشكل تدريجي ومتصاعد من المساجد العتيقة كـ”الجامع الكبير” وجامع “حسان باي” و”الجامع الأخضر”، وفندق “سيرتا الكبير” الذي انتهت به أشغال الترميم والتهيئة ليكون ضمن الأجندة مع موعد قريب لتدشينه، وإعادة بعث المصعد الهوائي “التيلفيريك” الذي عاد لصناعة الفرجة الخرافية للمناظر الخلاّبة بين ضفاف الوادي الذي يشق أخاديد الصخر العتيق، وإعادة الاعتبار لحديقة “سوسة” بعد سنين طوال من الإهمال، وساحة “أحمد باي”، وساحة “كركري”، والأنفاق الأرضية بوسط المدينة، وغيرها من العمليات المنفذة بمجموع 28 عملية إعادة اعتبار، فيما تبقى 16 عملية أخرى قيد الإنجاز، وأخرى تنتظر خبرة أجنبية وجرأة في التنفيذ ومنها مصعد “سيدي مسيد” و”درب السياح” الذي تم الانتهاء من الدراسة الأولى بشأنه.
وإن كانت هذه العمليات قد أنجزت ومنها ما هو قيد الإنجاز، ذكرناها دونما بخس لمجهودات القائمين عليها، فإن عديد المعالم الأخرى والتحف تنتظر التفاتة جدية لإعادة الاعتبار إليها، منها ضريح الملك ماسينيسا بالخروب، وساعات المدينة المعطّلة منذ عقود والتي تعلو البنايات المصنّفة مثل مقر المجلس الشعبي البلدي لقسنطينة بشارع زيغود يوسف، والساعة التي تعلو مقر دائرة قسنطينة الحالي من جهة بوابته الرئيسية بحي القصبة، وساعة مبنى البريد بوسط المدينة، وحتى ساعة ثانوية “رضا حوحو” بشارع طاطاش بلقاسم، وهي الساعات المعطّلة لأسباب ميكانيكية يمكن أن تسهم خبرة التقنيين والمهندسين الميكانيكيين بشركة “سوناكوم” للجرارات الفلاحية بواد حميميم في إعادة تصليحها وبعثها من جديد، وأيضا إعادة الاعتبار لدور السينما المغلقة منذ سنين طوال ومن بينها سينما “فيرساي” بحي سيدي مبروك السفلي وسينما “رويال” المقابلة لساحة “كركري”، وحتى مقر “السينماتيك” بحاجة لإعادة تهيئة، فيما يخص كتامته بالدرجة الأولى.
قسنطينة تجمع بجمالها الطبيعي ومعالمها تاريخ مدينة قال عنها المؤرخ ابن العطار المولود العام 1790 بقسنطينة في كتابه “تاريخ بلد قسنطينة” المقدم والمحقق والمعلق عليه من طرف الدكتور عبد الله حمادي، أن تاريخها يعود إلى الأزمنة البائدة زمن عاد وثمود: “مدينة لم يطفأ لها نار منذ ثمانية آلاف سنة”، أما تاريخ الألفين وخمس مئة سنة، فهو تاريخ إعادة بنائها من طرف الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم العام 313 ميلادي، والذي تحمل اسمه حاليا والذي حور عربيا إلى قسنطينة، وذلك بعد تدميرها بأمر من الإمبراطور ماكسيناس العام 311 ميلادي، فهي مدينة الجمال والتاريخ التي يمكن أن تنافس سياحيا كبرى المدن السياحية العالمية، باعتراف فناني العالم، مثال ذلك ما خلّده الفنان الأمريكي فريديريك بريدغمان في لوحته المجسّدة لاستقبال باي قسنطينة للسفراء، ولوحة “الطفلة” للفنان أنتوان غادون، والمعروفة بـ”موناليزا قسنطينة”، ولوحتان للفنان غوستاف أوقيستدوبا، الأولى “خوانق الرمال” والثانية “حمامات ومسابح واد الرمال”.. وغيرها من عديد الأعمال الفنية العالمية التي كانت قسنطينة ملهمة لها، كما نجدها في الكثير من مؤلفات المؤرخين والرحالة بتدوينات دقيقة الوصف، كما ذكر مناقبها أبو عبدالله الشريف الإدريسي في “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، ومن بين أهم ما ذكره أنها مدينة عامرة، وبها أسواق وتجارة، وأهلها مياسير، وبأن فيها نهر يصب في خندقها العظيم ويسمع لذلك دوي هائل ويرى النهر في قعر الخندق مثل ذوابة النجم لشدّة ارتفاعها -أي قسنطينة- عن خندقها، كما امتد تأثير المدينة وسحرها إلى العديد من الكتّاب والرحالة الأجانب، ومن أهمهم الأديب جي دي موباسان، الذي انبهر بموقعها الصخري، واندهش من نهرها وأوديتها وآثارها التاريخية، وخاصة صخورها التي عليها بنيت الجسور وفي قلبها أنجز المصعد العجيب و”درب السياح” الخرافي.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post نحو إعادة بعث مصعد جسر “سيدي مسيد” بقسنطينة appeared first on الشروق أونلاين.