نكران الجميل.. الأبعاد الجمالية في الأخلاق والسلوك
من عادتي في كتاباتي أن أركز على الأبعاد الجمالية في الأخلاق والسلوك، ولكن أحيانًا تشدني مواقف حياتية لها انعكاسات سلبية، فأحاول كذاك الصحابي الجليل الذي كان يسأل عن الشر مخافة أن يدركه. من السلوكيات المرفوضة في الأخلاق والذوق نكران الجميل فليس من الأخلاق والذوق الحسن غضّ يدٍ امتدت لخدمتك يومًا ما. ليس انتظار تسديد الجزاء، …

من عادتي في كتاباتي أن أركز على الأبعاد الجمالية في الأخلاق والسلوك، ولكن أحيانًا تشدني مواقف حياتية لها انعكاسات سلبية، فأحاول كذاك الصحابي الجليل الذي كان يسأل عن الشر مخافة أن يدركه.
من السلوكيات المرفوضة في الأخلاق والذوق نكران الجميل فليس من الأخلاق والذوق الحسن غضّ يدٍ امتدت لخدمتك يومًا ما. ليس انتظار تسديد الجزاء، لكنه حس أدبي راقٍ أن نقول للمحسن: “أحسنت، جزاك الله خيرًا”، وإن عجزنا ردّ المعروف المسدى كي يطيب به خاطر المحسن، وهذه لا تخرج من سلوكيات المعاملة الراقية.
إن النكران يولد جرحًا خفيًا في نفس الإنسان، فالخير عند المنصفين يعود لأصحابه في شكل باقات ورود روحية ،ولعل أقبح صور النكران أن لا نرد إحسان المنعم سبحانه وتعالى، فنقابل النعم بالنكران والجحود وارتكاب المعاصي. والمعاصي تخدش الإيمان فتترك فيه بقعًا سوداء.
ومن صور النكران خيانة العشرة وهدم بنيانها وتعكير صفوها، حين تمضي الحسنات في السحاب كأن آثارها ماضية منقوضة، وعهودها ملغاة.
وقد وجدنا من موروثنا كلمات تهز القلوب، سجلها الأجداد في أمثال محفوظة،ناكر الجميل يصفه المثل بـ: “يأكل الغلة، ويسبّ الملة.”
بل يشبه كالكلب الغدار، “يعضّ اليد التي امتدت إليه بل يسجّل له الأجداد وسام شرف حين يرسمون من صور الوفاء أمثالًا مثل: “الذي تأكل ملحه، ما تخونه.” فالأجداد يعدّون ناكر الجميل مثل الخائن الغدار.
ومن صور نكران الجميل قلب الظهر لمسدي النصيحة، كالسارق يسرق المتاع ثم يختفي وطبع الحر يرعى الوفاء، ويصون العهد، ويعدد حسنات الناس، ويرد المعروف بالإحسان.
قد يظن ناكر الجميل أن أحواله مستورة، لكن فعله مفضوح، يشم الفاضل رائحته ولا يفضحها لنبل أخلاق الكبار، يرى العيب فيستره.
ويعلمنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أدب الذوق وحسن المعاملة.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:”من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه.”
وأحيانًا يرتبط نكران الجميل حين نعطي ظهورنا لمبادئ اعتنقناها، وعهود أخذنا مواثيقها، ربما أفنينا فيها أعمارنا، فبمجرد أن تنتهي المصلحة وتنقضي العهدة بسوء أحوال تعترضنا، ننقض الغزل ونفك الرابط، فتضيع جهودنا وأستارنا المحجوبة، والله إن ذاك من فعال النقص في كمال الرجولة.
وكعادتي أختم بلطيفة فيها توجيه لعله يكون لنا عبرة، فحياة الناس دروس لنا، وقد شدتني عبارة فيها حكمة بليغة، هذا نصها:
”أسوأ الأخلاق نسيان الفضل، وإفشاء السر، ونسيان العشرة.”
الأستاذ حشاني زغيدي