هل جاء دور الشعوب؟

أ د. عمار طالبي/ يبدو بوضوح تام فشل المجتمع الدولي بما في ذلك مجلس الأمن المعطل بالفيتو الأمريكي. فشل أخلاقي، وسياسي، وانعدام أي تأثير حقيقي سوى الوعود السرابية، والمشاعر القلقة، التي لا تغني ولا يتحقق منها شيء فعّال. إلا أن الشعوب عبّرت عن غضبها وسخطها عن طريق سفن الحرية التي يعتقل أصحابها ويسجنون ويطردون إلى …

يونيو 17, 2025 - 16:48
 0
هل جاء دور الشعوب؟

أ د. عمار طالبي/

يبدو بوضوح تام فشل المجتمع الدولي بما في ذلك مجلس الأمن المعطل بالفيتو الأمريكي. فشل أخلاقي، وسياسي، وانعدام أي تأثير حقيقي سوى الوعود السرابية، والمشاعر القلقة، التي لا تغني ولا يتحقق منها شيء فعّال.
إلا أن الشعوب عبّرت عن غضبها وسخطها عن طريق سفن الحرية التي يعتقل أصحابها ويسجنون ويطردون إلى بلدانهم بعد الإهانة، مع أنهم أناس سلميون، ولا يستعملون أية وسيلة من وسائل العنف، دوافعهم إنسانية أخلاقية لفك الحصار والقتل، والتجويع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ولكن لا حياة لمن تنادي، واليوم نرى الشعوب الأوربية الآسيوية وأمريكا اللاتينية وبعض الشعوب العربية من الغرب الإسلامي يهبون جماعات ووحدات في قوافل سلمية تضم شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، في حافلات وسيارات ينادون برفع الحصار والتجويع والإبادة الجماعية لإفناء البشر من غزة ومحوهم من الوجود في أرضهم ووطنهم، والغريب أن الولايات المتحدة تندّد ببريطانيا ومن معها من الدول الغربية بسبب عقاب مجرمين من مجرمي الحرب، المتطرفين في حكومة الإرهاب وتشجع على استمرارهم في القتل والتجويع، وحرق قرى الفلسطينيين، واقتلاع أشجارهم، وتدمير مزارعهم، للقضاء على أقواتهم ومعايشهم.
إن هذه القافلة، قافلة الصمود من الجزائر وتونس وليبيا التي سافرت برّا بحوالي 30 حافلة، وحوالي 350 سيارة أو أكثر، أما الأشخاص فيتجاوز عددهم 1500 شخص، وكثير من الأوربيين يأتي بطريق الجوّ بما يزيد عددهم على 3000 فرد من مختلف الطبقات من الإعلاميين والمحامين والمثقفين والفنانين، وقد سبقتهم سفن الحريّة التي بلغ عددها 27 سفينة منذ 2007 آخرها مادلين، التي أحدثت طوفانا من التأييد في أوربا وغيرها، وقد اعتقل أفرادها الاثني عشر، منهم نائبة في البرلمان الأوربي.
يتجمع هؤلاء كلهم من شمال إفريقيا وأوربا وأمريكا اللاتينية واليابان والفيتنام ما يساوي 54 دولة في القاهرة راغبين أن تيسر لهم السلطات المصرية الدخول إلى معبر رفح للضغط على مجرمي الحرب كي يكفّوا عن التقتيل والتجويع، والحصار لأهل غزة الذين ابتلوا بهذا الطغيان الصهيوني الشرير، لسنين عديدة إلى يومنا هذا.
والذي يلاحظ في هذا الفشل الدولي طمس الضمير الأخلاقي في هذه الحضارة الغربية، في قادتها الذين لا تهمهم إلا مصالحهم المادية والربح، أما أرواح بني آدم فلا بأس من إزهاقها وسفك دمائها، فالدولار هو القيمة الكبرى، أما الإنسان فلم تبق له قيمة، وهو الذي كرّمه الله، وحرم العدوان عليه، في جسمانه وروحانيته، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ(الإسراء/33).
لذلك ترى كثيرا من المفكرين الغربيين يكتبون عن انهيار هذه الحضارة وسقوطها، ونحن نعلم من فلسفة القرآن في التاريخ أن الحضارة تهلك إذا كثر فيها الفساد والمظالم والحرب وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ(القصص/59). وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً(الأنبياء/11).
وقد بلغ الصهاينة غاية الظلم والفساد في الأرض، كما بلغ الأمريكان الغاية في شنّ الحروب وتدمير العراق وأفغانستان وغيرهما، وأصبحت الولايات المتحدة تقاد بسياسة الصهاينة وتوجيههم، فأنت ترى ترمب يستشير المجرم نتانياهو في شأن المفاوضات مع إيران في برنامجها النووي، ولا يتخذ قرارا إلا إذا رضيت عنه الصهاينة المجرمون.
ومن أغرب سلوك الولايات المتحدة أنها تقف ضدّ أي قرار يدين الصهاينة، فاعترضت على قرار مجلس الأمن بوجوب إيقاف الحرب في غزة، إنها تصرّح بأنها تنصح بإيقاف النار، وأن هذا يمثل رغبة ترمب، ومن أعجب العجب أن الولايات المتحدة تدين بريطانيا ومن معها من الدول التي قررت عقاب المسؤول عن الأمن في دولة الكيان ووزير المالية لما يدعوان إليه من الإبادة الجماعية والاستيطان والدعوة إلى سيادة الصهاينة على الضفة الغربية، كأنها بذلك تشارك في قتل الأطفال بتشجيع هذين الطاغيين العنصريين على المضي في هذه الإبادة الجماعية.
فهذا وغيره يشير بوضوح إلى مآل هذه الإمبراطورية الأمريكية من سقوط وانحدار إلى الانهيار الحضاري، وغياب القيم الأخلاقية والإنسانية عن آفاق هذه الإمبراطورية الظالمة والمؤيدة لكل فساد وظلم وإفناء البشرية، وتعاقب بعض القضاة في محكمة العدل الدولية أيضا، دفاعا عن جرائم الصهاينة.
والأعجب من كل هذا اعتقاد بعض العرب في أن أمريكا تحميهم وتدافع عنهم، إن المدقق في الملاحظات يستخلص أن ترمب ميؤوس منه في أن يأمر الصهاينة بإيقاف النار أبدا، فهو مستعبد تابع لما يمليه عليه الصهاينة في النووي وغيره.