الإشاعات الكاذبة.. سلاح خفي لضرب استقرار الدولة وأمنها
بقلم: آلاء أسيل بوالانوار في زمن السرعة الرقمية والتدفق الهائل للمعلومات، لم تعد الحرب تقليدية بأسلحة نارية أو دبابات، بل أصبحت الإشاعة الكاذبة أداة فعالة لتفكيك المجتمعات، وزعزعة أمن واستقرار الدول من الداخل، دون إطلاق رصاصة واحدة. لقد أصبحت الإشاعة أخطر من أي وقت مضى، بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسهّل …

بقلم: آلاء أسيل بوالانوار
في زمن السرعة الرقمية والتدفق الهائل للمعلومات، لم تعد الحرب تقليدية بأسلحة نارية أو دبابات، بل أصبحت الإشاعة الكاذبة أداة فعالة لتفكيك المجتمعات، وزعزعة أمن واستقرار الدول من الداخل، دون إطلاق رصاصة واحدة.
لقد أصبحت الإشاعة أخطر من أي وقت مضى، بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسهّل انتشارها في ثوانٍ معدودة، وتحولها إلى “حقيقة” مزيفة في أذهان العامة، خصوصًا في ظل غياب الوعي الرقمي وضعف مهارات التحقق من المعلومات.
ضرب الثقة وزرع الفتنة
الإشاعة لا تهاجم الأشخاص فقط، بل تستهدف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وتهدف إلى بث روح الشك والبلبلة، وتأليب فئات المجتمع بعضها على بعض. فهي سلاح بيد الحاقدين وأصحاب الأجندات المشبوهة، يُستخدم لتشويه صورة المسؤولين، وإضعاف معنويات المواطن، وخلق بيئة مشحونة قابلة للانفجار الاجتماعي.
وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ارتفاع وتيرة الأخبار الكاذبة التي تمس قضايا حساسة، مثل الأمن، الاقتصاد، الصحة، وحتى الجيش الوطني الشعبي، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه، لما يشكله من خطر على الأمن القومي، وعلى السلم الاجتماعي.
وسائل التواصل… ساحة معركة جديدة
تحولت منصات التواصل الاجتماعي من أدوات تواصل إلى ساحة حرب إعلامية، تُستخدم لنشر الشائعات وتضليل الرأي العام. فبضغطة زر، تنتشر أخبار غير موثوقة ومغلوطة، يُعاد تداولها آلاف المرات، دون التحقق من صحتها أو الرجوع إلى المصادر الرسمية.
والأخطر من ذلك، أن بعض هذه الإشاعات تُصنع خارج الوطن، وتُمرر بأسلوب مدروس يستهدف التأثير على الرأي العام الجزائري، في محاولة لضرب الاستقرار وخلق فجوة بين الدولة ومواطنيها.
للحدّ من الإشاعات الكاذبة وحماية أمن الدولة، لا بد من اتباع مجموعة متكاملة من السبل القانونية، الإعلامية، المجتمعية والتقنية. فيما يلي أبرز السبل العملية والمستدامة التي يمكن اعتمادها:
- التوعية المجتمعية والإعلامية
تنظيم حملات توعوية وطنية عبر وسائل الإعلام والمدارس والمساجد تشرح مخاطر الإشاعة على أمن واستقرار الدولة.
تعزيز الثقافة الرقمية لدى المواطنين، خاصة فئة الشباب، لتعلم كيفية التحقق من المعلومات ومصادرها.
إشراك المؤثرين والإعلاميين في مكافحة الشائعات بتقديم محتوى مسؤول وموثوق.
- تقوية الإعلام الوطني
دعم الصحافة الجادة والمهنية لتكون مصدرًا رئيسيًا للمعلومة الصحيحة.
تسريع نشر الردود الرسمية على الأخبار الزائفة، لتفادي انتشارها وتضليل الرأي العام.
فتح قنوات تواصل فعالة بين مؤسسات الدولة والإعلام لتسهيل الحصول على المعلومة الرسمية.
- تطبيق القانون بصرامة
تفعيل القوانين التي تجرم نشر أو ترويج الأخبار الكاذبة أو التحريض على الكراهية والفوضى.
محاسبة الأشخاص أو الجماعات التي تنشر الشائعات قصد المساس بأمن الدولة أو إثارة الفتنة.
مرافقة الإجراءات العقابية بـ توعية قانونية للمواطنين حول حدود حرية التعبير ومخاطر نشر الإشاعات.
- تطوير أدوات الرصد الرقمي
إنشاء وحدات إلكترونية مختصة في رصد وتتبع الإشاعات على مواقع التواصل.
اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل وتحذير الجهات المختصة من موجات الأخبار الزائفة.
التعاون مع شركات المنصات الرقمية (فيسبوك، تويتر، تيك توك…) من أجل غلق الحسابات أو الصفحات المضللة.
- تفعيل دور الأسرة والمدرسة
تعليم الأطفال والطلبة منذ الصغر أهمية التحقق من الأخبار، وخطورة الشائعات.
توعية الأولياء بمسؤوليتهم في تربية رقمية سليمة لأبنائهم ومنعهم من نشر أو تصديق الأكاذيب.
- تعزيز الشفافية الرسمية
نشر المعلومات والقرارات الرسمية في وقتها المناسب لتفادي الفراغ المعلوماتي الذي تستغله الإشاعات.
تنظيم ندوات صحفية دورية من قبل المسؤولين الحكوميين لشرح السياسات وتفنيد الأخبار المغلوطة.
- تشجيع المواطن على التبليغ
إنشاء منصات رسمية للإبلاغ عن الإشاعات والمحتويات المضللة.
حماية هوية المبلغين وتشجيعهم على لعب دور فاعل في حماية وطنهم.
الإشاعة الكاذبة ليست مجرد “كلام فارغ”، بل هي أداة هدم خطيرة تستهدف كيان الدولة، وتستدعي يقظة دائمة من الجميع. وفي ظل التحديات التي تواجهها الجزائر داخليًا وخارجيًا، فإن التصدي للإشاعة مسؤولية وطنية، تتطلب إعلامًا يقظًا، مواطنًا واعيًا، ودولة حازمة في مواجهة من يزرعون الفتنة.