تعويض الآلاف من مستخدمي التربية المعنيين بالتقاعد الإجباري

مع بداية السنة الدراسية والإدارية الجديدة، عادت قضية التقاعد الإجباري لتفرض نفسها على طاولة النقاش، بعد أن وجهت وزارة التربية الوطنية في مراسلة رسمية إلى مديرياتها الولائية، تعليمات صريحة تدعو الموظفين البالغين سن الخامسة والستين (65) سنة إلى تقديم ملفات إحالتهم على التقاعد بعنوان الموسم الدراسي 2025/2026، وذلك في أجل أقصاه 31 ديسمبر المقبل. وعليه، […] The post تعويض الآلاف من مستخدمي التربية المعنيين بالتقاعد الإجباري appeared first on الشروق أونلاين.

سبتمبر 12, 2025 - 20:35
 0
تعويض الآلاف من مستخدمي التربية المعنيين بالتقاعد الإجباري

مع بداية السنة الدراسية والإدارية الجديدة، عادت قضية التقاعد الإجباري لتفرض نفسها على طاولة النقاش، بعد أن وجهت وزارة التربية الوطنية في مراسلة رسمية إلى مديرياتها الولائية، تعليمات صريحة تدعو الموظفين البالغين سن الخامسة والستين (65) سنة إلى تقديم ملفات إحالتهم على التقاعد بعنوان الموسم الدراسي 2025/2026، وذلك في أجل أقصاه 31 ديسمبر المقبل.
وعليه، من المتوقع، حسب تقديرات أخيرة، أن يذهب عشرات الآلاف من الموظفين عموما والأساتذة بشكل خاص في تقاعد على المستوى الوطني، وبالموازاة مع ذلك، فإن مصالح مديريات التربية للولايات المختصة، ستكون مطالبة وجوبا، بتعويض “المحالين على التقاعد” من فئة المربين، عن طريق الاستعانة بالأساتذة المستفيدين من إجراءات وتدابير “التوظيف التعاقدي” بعنوان الموسم الدراسي الجديد، بناء على الاحتياج المطلوب في كل ولاية وفي كل تخصص، بالإضافة إلى سد الشغور عبر إجراء مسابقة توظيف وطنية خارجية للالتحاق برتبة أستاذ في أحد الأطوار التعليمية الثلاثة، والتي من المزمع برمجتها شهر ديسمبر.
أفادت مصادر “الشروق”، أن هذه الخطوة التي تبدو إجرائية من الناحية الإدارية، إلا أنها قد أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التربوية والوظيفية، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول خلفياتها، انعكاساتها، ومدى استعداد المؤسسات التربوية، لتجديد دمائها في ظل النقص المسجل في بعض التخصصات كالرياضيات والعلوم الفيزيائية.
وإلى ذلك، لفتت مصادرنا إلى أن المراسلة ذاتها قد تضمنت توجيهاً واضحاً إلى كل مستخدم أتم الخامسة والستين من عمره بضرورة الشروع في إعداد ملف إحالته على التقاعد، وفق الإجراءات القانونية المعمول بها، في أجل أقصاه نهاية السنة المالية الجارية.
كما أكدت نفس الوثيقة، أنّ الأمر يتعلق بـ”التقاعد الإجباري” الذي يفرضه قانون الوظيفة العمومية، باعتبار أنّ بلوغ هذا السن يعدّ سقفاً أعلى للخدمة في الإدارات والمؤسسات العمومية، ما عدا بعض الاستثناءات التي تسمح بالتمديد لفترات محدودة في القطاعات التي تعاني عجزاً أو تخصّصات دقيقة يصعب تعويضها.
أما من الناحية القانونية، أشارت ذات المصادر إلى أنّ التقاعد عند 65 سنة ليس جديداً، بل هو منصوص عليه منذ سنوات في التشريعات المنظمة للوظيفة العمومية، غير أنّ تطبيقه ظلّ يخضع أحياناً لمرونة، خاصة في قطاع التربية الوطنية، حيث كان يُسمح لبعض الموظفين، لاسيما الأساتذة ذوي الخبرة الطويلة، بالاستمرار في مناصبهم بعد هذه السن، نظراً للحاجة الماسة إلى خبراتهم، لكن يبدو أنّ الوزارة هذه المرة عازمة على التطبيق الصارم للنص القانوني، في إطار مساعيها لإعادة تنظيم الموارد البشرية وإتاحة الفرصة أمام جيل جديد من الإطارات الشابة.

بين واقع الميدان وقانون التقاعد
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون للشأن التربوي أنّ القرار في جوهره يستند إلى منطق التناوب الطبيعي على المناصب، إذ لا يمكن لموظف أن يستمر إلى ما لا نهاية في أداء مهامه، في وقت تتزايد فيه أعداد البطالين وحاملي الشهادات الجامعية الباحثين عن فرصة عمل، فالتقاعد الإجباري يفتح المجال لتوظيف دماء جديدة قد تحمل معها أفكاراً وأساليب عمل مختلفة.
لكن، في المقابل، يطرح نقابيون إشكالية جاهزية القطاع لتعويض هذه الخبرات التي ستُحال على التقاعد دفعة واحدة، إذ تشير بعض التقديرات إلى أنّ عدداً معتبراً من الأساتذة والمقتصدين والمديرين والنظار سيتقاعدون خلال الموسم الدراسي المقبل، ما قد يخلق “فراغاً وظيفياً”، إذا لم تُفتح مسابقات توظيف جديدة في الوقت المناسب، أو إذا لم يتم التعاقد مع خريجين جدد بشكل يغطي العجز الذي سيطرح.
وبناء على ما تم ذكره، فإن المراسلة قد أثارت ردود فعل متباينة، فبينما رحّب بها جزء من الموظفين الذين يرون أنّ الوقت قد حان لترك المجال للشباب، عبّر آخرون عن امتعاضهم، معتبرين أنّ التجربة لا تُعوّض بسهولة، وأنّ التقاعد الإجباري قد يحرم المؤسسات من كفاءات يصعب الاستغناء عنها في هذه المرحلة.
وعليه، فإن الأساتذة على وجه الخصوص، قد أبدوا مخاوف من أن يؤدي القرار إلى اضطرابات في سير الدروس إذا لم يتم تدارك النقص بسرعة، خاصة في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء حيث تعاني المدارس أصلاً من شحّ في عدد الأساتذة المؤهلين.
ومن ثمة، فإن الوزارة الوصية تجد نفسها أمام تحدٍّ مزدوج، فمن جهة هي مطالبة بتطبيق القانون وتكريس مبدأ التداول على المناصب بما يسمح بضخ دماء جديدة، ومن جهة أخرى مطالبة بضمان استمرارية الخدمة التربوية من دون انقطاع أو تراجع في المستوى، وهو ما يفرض – حسب خبراء – ضرورة وضع خطة انتقالية، تشمل فتح مسابقات توظيف واسعة، إلى جانب اعتماد التكوين المستمر للخريجين الجدد من أجل ضمان انتقال سلس للمهام.
وبالاستناد إلى ما سلف، وبعيداً عن البعد الإداري البحت، يثير القرار أيضاً نقاشاً اجتماعياً، فالكثير من الموظفين الذين بلغوا 65 سنة يعتبرون المدرسة بيتهم الثاني، بعد أن قضوا عقوداً طويلة بين جدرانها، ونسجوا علاقات مهنية وإنسانية متينة، وعليه، فإحالتهم على التقاعد ليست مجرد “ملف إداري”، بل هي انتقال نحو مرحلة جديدة من حياتهم قد تكون صعبة نفسياً واجتماعياً.
ومن هذا المنطلق، برزت مطالب بضرورة مرافقة هؤلاء ببرامج دعم نفسي واجتماعي، وضمان حقوقهم كاملة في التقاعد، حتى لا يشعروا بالإقصاء أو التهميش.
وبالموازاة مع الجدل القائم، يرى متابعون أنّ القرار قد يشكّل فرصة لإعادة التفكير في المنظومة التربوية ككل، من خلال إفساح المجال أمام الشباب لإثبات قدراتهم، وإدخال مقاربات حديثة في التدريس والإدارة، وعليه، فإن التحديات التي تفرضها الرقمنة، وتغير أساليب التعليم، والتعامل مع الجيل الجديد من التلاميذ، كلها عوامل تجعل من الضروري وجود كفاءات شابة قادرة على التأقلم بسرعة مع هذه التحولات.
واستخلاصا لما سبق، فإن المراسلة المتعلقة بإحالة الموظفين على التقاعد الإجباري، ليست مجرد إجراء روتيني، بل هي محطة مفصلية في مسار تسيير الموارد البشرية بقطاع التربية، فهي من جهة تطبق القانون وتفتح المجال لجيل جديد، ومن جهة أخرى، تطرح تحديات كبيرة تتعلق بتعويض الخبرات وضمان استمرارية المرفق التربوي على المدين المتوسط والبعيد.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post تعويض الآلاف من مستخدمي التربية المعنيين بالتقاعد الإجباري appeared first on الشروق أونلاين.