الإنسان ذلك المعلوم
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ تحدث القرآن الكريم عن الإنسان كمحور أساسي إلى جانب محاور أخرى كان لابد من تغيير نظرة الإنسان إليها بعدما سيطر عليها الفكر البشري القاصر. لم يكن الإنسان بالنسبة للمسلم مجهولا في تفاصيل رحلته الدنيوية والغيبية، ذلك لأن الله عزوجل حين ختم الوحي بالقرآن أعطى للإنسان الدستور الذي يسير عليه في حياته. …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
تحدث القرآن الكريم عن الإنسان كمحور أساسي إلى جانب محاور أخرى كان لابد من تغيير نظرة الإنسان إليها بعدما سيطر عليها الفكر البشري القاصر. لم يكن الإنسان بالنسبة للمسلم مجهولا في تفاصيل رحلته الدنيوية والغيبية، ذلك لأن الله عزوجل حين ختم الوحي بالقرآن أعطى للإنسان الدستور الذي يسير عليه في حياته. وأخبره عن تاريخ الخلق وقيمته ووظيفته ومسالك نجاته، ولكن الإنسان المسلم ولأسباب كثيرة أعرض عن القرآن الكريم، وتاه وراء الفكر البشري، فتفرقت به السبل.
لقد شوهت الفلسفات البشرية الصورة الصحيحة للإنسان، ولأن هذه الفلسفات وافدة على المسلمين، فإنها لم تستطع أن تعالج مشاكله الفكرية والواقعية، ربما استفاد منها قليلا، لكنه لم يستطع أن يلتحق بركب الحضارة التي يحلم بها، على عكس الإنسان الغربي الذي عرف كيف يستفيد من التراث الإسلامي الذي ترجمه وانطلق من خلاله إلى عالم التحضر العلمي برغم فشله الأخلاقي …
كان للتخلف الذي لحق بالمسلمين ارتباط وثيق بتخليهم عن المفهوم الاستخلافي للإنسان، ولأن الوضع كان لافتا للانتباه، ومنذرا بالخطر اتجهت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أقلام كثيرة إلى إعادة إحياء المفهوم الصحيح للإنسان انطلاقا من القرآن الكريم، لقد كان الوضع مستفزا أيامها، والعالم الإسلامي يقع فريسة للاستدمار في فلسطين والجزائر وكثير من بلاد المسلمين، و التخلف يلف حياته، فكان ذلك داعيا إلى إعادة مراجعة مفهوم الإنسان ، فكتبت عائشة عبد الرحمن كتابها : القرآن وقضايا الإنسان، وكتب العقاد كتاب : الإنسان في القرآن، وكتب عادل العوا :الإنسان ذلك المعلوم، وكتب مالك بن نبي شروط النهضة، وكتب محمد الغزالي : المحاور الخمسة للقرآن الكريم، وكتب عبد المجيد النجار : مبدأ الإنسان وقيمة الإنسان … وظهرت كتب أخرى تتحدث عن علاقة الإنسان بالكون في التصور الإسلامي. وربما كان للكتب الكثيرة التي كتبت عن الإنسان في القرآن الكريم صدى على المستوى النخبوي، فقد يكون لها يد في تغيير حياة كثير من الناس وتصحيح مسارهم.
لكن ما آل إليه وضعنا الحالي وكشفت عنه الأحداث المتتالية، من الحرب على غزة، وولاء كثير من المسلمين للأعداء، وفشلنا في علاج آفاتنا الاجتماعية والاقتصادية يكشف لنا أن الإنسان المسلم وإن كان حقق الاستقلال في كثير من أراضيه، إلا أنه لازال تابعا للغرب في أغلب شؤونه. فلازال منبهرا بفلاسفته وحداثته، ويعشق انتاجه ويراه علامة التحضر والتفوق. لازلنا نعيش عبيدا لما يخترعه الغرب، نتسول منه أغلب مقومات حياتنا. ولازالت مقولة الشيخ الغزالي رحمه الله: لوقيل لكل شيء ارجع إلى أصلك لبقينا حفاة عراة. لازالت تحيا معنا.
إننا في حاجة ماسة إلى إعادة بناء الإنسان الذي حدثنا عنه القرآن الكريم؛ الإنسان الخليفة، الإنسان الذي يمشي في الأرض عزيزا معتقدا أن الأرض لله يورثها لمن يستوعب قوانين الحياة، ولا يتنكر لعقيدته، الإنسان الذي يستوعب مفهوم الائتمانية، فتسري على جميع مظاهر حياته، الإنسان الذي يعمل للجماعة ويخطط للأمة …
لقد ظهرت مشاريع إصلاحية كثيرة عبر التاريخ الإسلامي، لكنها لم تستطع أن تنهض بالأمة تلك النهضة التي تجعلها عصية على الأعداء، ففقه المراجعة ضروري للانقاذ، علينا أن نستوعب الدروس القاسية التي تمر بها الأمة المسلمة في زماننا، ـونبحث عن الطرق السليمة والفاعلة التي تعيد لنا ثقتنا بأنفسنا التي اهتزت من خلال وقوفنا جبناء أمام الجبروت الأمريكي والصهيوني، الذي استطاع أن يستفيد من مفهوم التسخير المادي أحسن منا. وربما يحتاج ذلك إلى وقت طويل لكنه ليس مستحيلا .