الجزء 05: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى

استقبلنا الرئيس الشاذلي بحفاوة، كعادته، وتحدث، بنوع من الإسهاب، عن مراحل مختلفة من الثورة، وركز كثيرًا على المنطقة الشرقية وعلى بعض قادتها وضباطها. ثم تدخل بشير شبلي في النقاش، وكان مركزًا بالدرجة الأولى على الضيف الجديد عابد شارف، حيث كان من أشدّ المعجبين به وواحدًا من قرائه الدائمين، ثم عبّر عن رغبته في أن يكون [...] ظهرت المقالة الجزء 05: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.

سبتمبر 15, 2025 - 18:13
 0
الجزء 05: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى

استقبلنا الرئيس الشاذلي بحفاوة، كعادته، وتحدث، بنوع من الإسهاب، عن مراحل مختلفة من الثورة، وركز كثيرًا على المنطقة الشرقية وعلى بعض قادتها وضباطها.

ثم تدخل بشير شبلي في النقاش، وكان مركزًا بالدرجة الأولى على الضيف الجديد عابد شارف، حيث كان من أشدّ المعجبين به وواحدًا من قرائه الدائمين، ثم عبّر عن رغبته في أن يكون هو، أي عابد شارف، من يكتب هذه المذكرات.

كان شارف يستمع أكثر ممّا يتكلم.

تحدث مالك بن جديد أيضًا عن شقيقه الرئيس وعن البعض من قراراته، وثمّن قرار كتابة المذكرات، أمّا أنا فكنت أستمع أكثر ممّا أتكلم، وتقريبًا كنت صامتًا طيلة اللقاء الذي استغرق حوالي ساعتين، فقد كنت أشعر بنوع من الإحباط من إفلات المذكرات منّي وسقوطها بين أيدي عابد شارف، رغم أنني أول من تحدث عنها مع الرئيس السابق.

لقد كانت المذكرات فكرتي، لكن في نهاية المطاف سيكتبها غيري.

بعد ذلك، بدأ شارف يتكلم، وعبّر عن وجهة نظره في قضية كتابة المذكرات ثم وجّه بعض الأسئلة للرئيس الشاذلي بن جديد تمحورت حول الإصلاحات السياسية والدستورية عندما كان الشاذلي رئيسًا للجمهورية، ثم تناول بعض أحداث الثورة وخاصة في المنطقة الشرقية، ثم سأله عن مسيرته خلال الثورة ورأيه في بعض القادة فيها، وردّ الشاذلي بعفوية عن أسئلة شارف ووجهة نظره، وأطال في الحديث عن القائد عبد الرحمان بن سالم والرائد محمد عواشرية النائب الأول المكلّف بالشؤون العسكرية في المنطقة الشرقية والذي خلف العقيد عمارة بوقلاز (العسكري) في قيادة القاعدة الشرقية عام 1958.

كان الشاذلي واحدًا من ضباط القاعدة الشرقية، ويشعر بالسعادة وهو يتحدث عنها وعن قادتها (وهم قادته أيضًا) مثل عبد الرحمان بن سالم، ومحمد عواشرية، وعمارة بوقلاز.

لم يُعلن عابد شارف، في نهاية الدردشة، عن قراره بشأن كتابة المذكرات، هل يكتبها أم لا، وأشهد أنه كان مستمعًا أكثر مما تكلّم، وأحسست، من خلال متابعتي لما يجري، أن عابد شارف لم يكن متحمسًا لفكرة المذكرات، وإلّا لما سكت أكثر مما تكلّم.

وقد صدق حدسي، فعندما خرجنا من منزل الرئيس السابق، وكنت أنا وهو فقط أمام الباب الخارجي، حيث بقي مالك بن جديد وبشير شبلي في المنزل، ألمح لي شارف، ونحن بصدد ركوب سيارتي التي جئنا بها إلى الموعد، أنه، على الأرجح، لن يكتب المذكرات، وأنّه كان يرحّب بالفكرة قبل اللقاء، لكن الآن لم يعد متحمسًا، وقال لي إنه لم يفهم بشكل واضح ما كان يقوله الرئيس، وأن الرئيس لم يعبّر بشكل مفهوم عن أفكاره، وبالتالي لا يعتقد أنه يستطيع كتابة المذكرات، وأتذكر أنه قال لي، وهو يبتسم، ويكاد يضحك، بأن الأسماء في سوق أهراس أو في المنطقة الشرقية عمومًا، تتشابه تقريبًا فيما بينها، مثل عواشرية، ونواورية، وبوازدية، في إشارة إلى محمد بوازدية، وهو صحافي مخضرم ينحدر من ولاية تبسة وصديق لعابد شارف ومقرّب منه.

ضحكنا معًا على هذه النكتة أو الدعابة، لكنني فهمت، على الفور، بأن عابد شارف لن يكتب المذكرات.

لقد شعرت، وأقول هذا بصراحة ودون مواربة، بنوع من الراحة وأنا أستمع لعابد شارف وأستشف موقفه، فأخيرًا، يمكن للمذكرات أن تعود إليّ، وأكون أنا من يكتبها.

لم أرد أن أسأل عابد شارف عن السبب الحقيقي لاتخاذ هذا الموقف، رغم أنني تعجّبت من موقفه، فهي فرصة تاريخية يحلم بها أي صحافي أو كاتب، فمذكرات رجل مثل الشاذلي بن جديد، كان ضابطًا في حرب التحرير وقائدًا عسكريًا بعد الاستقلال، وقائدًا للناحية العسكرية الثانية لفترة طويلة، وعضوًا بمجلس قيادة الثورة، وصديقًا مقرّبًا جدًّا للرئيس الراحل هواري بومدين ورجل ثقته الأول، ثم رئيس جمهورية وسط منافسة كبيرة بين رجلين مهمين في الدولة هما المرحومان عبد العزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي، ثم رئيسًا وقعت في عهده أحداث جسام، مثل أحداث أكتوبر، وإقرار التعددية الحزبية، واعتماد الفيس والأرسيدي (بالمخالفة للدستور)، وفوز الفيس في الانتخابات البلدية سنة 1990، والعصيان المدني، ثم الانتخابات التشريعية في 1991، ثم بداية العنف المسلح والإرهاب، ثم استقالته من الرئاسة وتوقيف المسار الانتخابي.

هذه الأحداث المهمة الملتصقة بالشاذلي بن جديد كفيلة بأن تجعل أي كاتب أو صحافي يوافق على كتابة مذكراته وبدون تفكير أو انتظار.

لم أرد أن أسأل شارف أو أفهم منه، واستخلصت بأن الطريقة التي عرض بها الرئيس أفكاره، ربما، لم ترقه ولم تعجبه، هذا ما فهمته على الأقل ممّا دار في منزل الرئيس، وأيضًا ممّا دار بيننا من حوار ونحن في السيارة عائدين إلى المكان الذي انطلقنا منه، وفي الحقيقة لم أكن أريد أن أعرف السبب، لأن ما كان يهمني هو النتيجة وليس السبب.

لكن، في هذه الحياة، ليس كل ما يريده المرء يدركه، فأحيانًا كثيرة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، كما جاء في البيت الشعري الخالد للكاتب الإنجليزي الشهير وليام شكسبير، فإن تردد عابد شارف أو قراره بعدم كتابة المذكرات، لم يكن هو نهاية المطاف أو نهاية القصة…

لقد بدأت قصة أخرى بظهور زميل آخر في الصورة… هو الأستاذ والكاتب والصديق عبد العزيز بوباكير.

يتبع…

ظهرت المقالة الجزء 05: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.