فرنسا تتألم

على قدر الألم كان الصراخ، لا يشكِّل في الحقيقة مثلا من الأمثال التي نرددها تعبيرا عن واقعة معينة وفقط، بقدر ما أصبح منذ يومين علامة فرنسية مميزة، لقد خرجت فرنسا عن بكرة أبيها تندب ألما ليس كالألم، وتعبِّر عن وجع عاطفي عظيم وشديد ومزمن بسبب الجزائر، التي ضربت فأوجعت، من دون ضجيج. الجزائر التي قام […] The post فرنسا تتألم appeared first on الشروق أونلاين.

يوليو 26, 2025 - 20:03
 0
فرنسا تتألم

على قدر الألم كان الصراخ، لا يشكِّل في الحقيقة مثلا من الأمثال التي نرددها تعبيرا عن واقعة معينة وفقط، بقدر ما أصبح منذ يومين علامة فرنسية مميزة، لقد خرجت فرنسا عن بكرة أبيها تندب ألما ليس كالألم، وتعبِّر عن وجع عاطفي عظيم وشديد ومزمن بسبب الجزائر، التي ضربت فأوجعت، من دون ضجيج.
الجزائر التي قام رئيسها عبد المجيد تبون بزيارة رسمية إلى ايطاليا للمشاركة في القمة الحكومية الجزائرية – الايطالية رفيعة المستوى، وهي الزيارة التي كان من نتائجها تعزيز أكثر لمسار من الشراكة الاقتصادية والسياسية، ما فتئ يتعزز سنة بعد أخرى، تركت القوم هناك يندبون ويتصايحون، فارتفع العويل في البلاطوهات، إلى عنان السماء.
تجرّدت الوجوه من أقنعتها، وعبّرت عن شدة الصدمة بالقول إن الزيارة إلى ايطاليا “مؤلمة” وذهب أحد مذيعي فرانسوا بولوري إلى حد القول “من المؤلم لنا نحن الفرنسيين رؤية هذه الصور”، وفي خلفية الشاشة كان الرئيس عبد المجيد تبون يُستقبل بحفاوة بالغة ويُفرش له السجاد الأحمر في كل موقع زاره وتقف له فرق الحرس الوطني الايطالي رافعة السلام.
كان الألم شديدا وهو يرتسم على وجوه كهنة الإعلام البولوري وهم يتصايحون “كيف تستقبل ايطاليا الجزائر بهذه الأبّهة والاحترام”؟
وكيف لا يستشيروننا؟ كان الصراخ على قدر الحقد الذي يسيطر على قلوب أبناء الأقدام السوداء وأحفادهم، وهو الحقد الذي يحمله وزير الداخلية روتايو، وتحمله الدولة العميقة في هذا البلد الاستعماري النازي تجاه كل ما هو جزائري.
لقد كان المشهد في فرنسا جنائزيًّا، يعرِّي حقيقة هذا البلد الذي فشل في أن يبني علاقات مع مستعمراته القديمة كلها، بالارتكاز على توازن المصالح الاقتصادية والسياسية، في وقتٍ تقف ايطاليا بعيدا عن ذلك وتتحرَّك بخطى ثابتة تجاه دول الضفة الجنوبية وعلى رأسها الجزائر، وفقا لمبدأ المصلحة المشتركة “رابح – رابح”، وهو المبدأ الذي رفعته الجزائر أيضا في الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية إقليميًّا ودوليًّا، فكان الباب الذي فتح على مصراعيه في جعل الشراكة بين البلدين ترقى إلى مستويات غير مسبوقة، في الوقت الذي لا تزال فيه فرنسا حبيسة فكرها الاقتصادي الاستعماري المبني على نهب ثروات الشعوب والاستغلال، وهو ما جعلها تخسر إفريقيا خاصة ودول جنوب المتوسط باستثناء المغرب الذي يعدُّ حديقة خلفية للاليزي، والذي لا زال يفرّط فيه المخزن بتقديم ثروات الشعب المغربي على طبق من ذهب للفرنسيين.
لقد كان عويل دوائر الحقد الفرنسي، عاليًّا وفاضحًا وكاشفًا وهي تركِّز على كل تفاصيل الزيارة، انطلاقا من الجوانب البروتوكولية إلى مضامين الاتفاقيات الاقتصادية، التي تعتبر نموذجا في التعاون شمال جنوب، وتسمح لإيطاليا بأن تصبح البوابة الأوروبية للطاقة، مع الأخذ بالاعتبار أنّ الجزائر شريكٌ موثوق لاستقرار المنطقة في هذا الجانب، وقد تمكّنت في كل الظروف أن تلبِّي احتياجات الدول التي تتعامل معها، وقد عملت على أن تكون بلدا مفتوحا على كل الشراكات الاقتصادية، فيما فشلت فرنسا في أن تبني قاعدة من الثقة منزوعة من المحمول الاستعماري، فخسرت كل شي وما محاولات روتايو القفز على كل ما هو ديبلوماسي إلا دليل واضح على أن الصراخ كان بقدر الألم.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post فرنسا تتألم appeared first on الشروق أونلاين.