في رحاب الإيمان
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ أخذناه إرثا عن آبائنا، لكننا ارتبطنا بتفاصيله ارتباطا وثيقا، كان حبا ينبع من حبنا لآبائنا، الذين كان الإيمان يتجلى في عباداتهم وتعاملهم مع كل الناس ومع الدنيا، كان صدقهم مع الله يتدفق مع أنفاسهم: لا يكذبون، لا يسرقون، لا ينافقون …يستشعرون رقابة الله في كل تصرفاتهم…ربما لم يتعلموا مذاهب الإسلاميين، لكن …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
أخذناه إرثا عن آبائنا، لكننا ارتبطنا بتفاصيله ارتباطا وثيقا، كان حبا ينبع من حبنا لآبائنا، الذين كان الإيمان يتجلى في عباداتهم وتعاملهم مع كل الناس ومع الدنيا، كان صدقهم مع الله يتدفق مع أنفاسهم: لا يكذبون، لا يسرقون، لا ينافقون …يستشعرون رقابة الله في كل تصرفاتهم…ربما لم يتعلموا مذاهب الإسلاميين، لكن يقينا كانت تصلهم معلومات الدين بواسطة رواد المساجد، ومع بساطتها كانت مشحونة بالإيمان الصادق …
تعلموا على رجال من جمعية العلماء المسلمين، فكثيرا ما كنت أسمع والدتي رحمها الله تقول: هذا ما قاله الشيخ بن عتيق في هذه المسألة … كان اسم ابن عتيق يتردد كثيرا في أقوالها وحين وعيت ورحلت الوالدة، بحثت عن ابن عتيق فإذا به رجل مخلص من رجال الجمعية، عاش حياته مرافقا لابن باديس والإبراهيمي ومحمد خطاب الفرقاني الملياردير الذي خدم الإسلام وطلبة العلم ليس في الجزائر وحسب، بل في كل بلاد المغرب العربي …
هؤلاء الرجال أضاؤوا سبل السالكين بطرق كثيرة: عن طريق التعليم المباشر في المدارس والمساجد وعن طريق الكتابة …كان والدي رحمه الله يلتقي بالشيخ بن عتيق فترة بقائه بمدينتنا مستمعا إليه وينقل مقالاته وفتاواه للوالدة …وبقيت طوال حياتها تذكر ابن عتيق ومقولاته في الفتوى والتزكية، فبقي الرجل العالم من الأشخاص الذين ارتبطت بهم حبا وعرفانا، بواسطة كلام الوالدة رحمها الله، التي رسمت لنا طرق السلام قبل أن نسلك طريق العلم، وبقي ما تعلمناه منها قائد دروبنا …
إن إيمان آبائنا هو ذلك الإيمان الذي تمناه كثير من الناس، وأثر عن أحد العلماء أنه قال : اللهم ارزقنا إيمان العجائز، ولا تغرنك ظواهر الكلمات، فإيمان العجائز ليس إيمان الجهل وعدم الوعي، بل الإيمان الصافي النظيف النقي، الذي لا يفلسف الأمور فلسفة تجرد الأركان والمصطلحات من قيمتها ومضامينها التربوية…
إيمان العجائز كما أفهمه هو إيمان أمي وكثير من أمثالها، أمي تلك المرأة التقية، التي كنت أسمعها تذكر الله في كل أحوالها، تبتهج بقيامها لصلاة الفجر قبل الأذان الأول لتعيش أجمل لحظات القرب من الله، وتحرص على نوافلها حرصها على الفرائض، ترحم الأرامل وتعطف على اليتامى، تصوم رغبة في القرب دنيا وآخرة، فعاشت قريبة من الأتقياء قريبة من الله. ونسأل الله أن تكون في الآخرة من عباد الله المخلصين…
إيمان هؤلاء ورثوه، لكنهم غذوه بالأخلاق الحميدة والمعاملات الحسنة، والفاعلية في الحياة، فما رضوا أن يعيشوا عالة على أحد (رجالا ونساء)، كانوا مرتبطين بالعمل ارتباطهم بالعبادة، لأنهم كانوا يرونه جزءا منها، لتحقيق كفافهم وكفاف أبنائهم، ارتبطوا بأرضهم فما كانت الأم ترى عيبا في فلاحة أرضها والمساعدة في القيام على الأسرة، لقد كان الإيمان والعمل في حياة آبائنا مرتبطين لا ينفصلان، العمل بكل معانيه: العبادات والمعاملات والأخلاق…
حققوا معنى العبادة الواسع الذي ذكره كبار علماء المسلمين حين قالوا: العبادة هي كل عمل يقوم به الإنسان مبتغيا مرضاة الله … لقد حقق إيمان هؤلاء مقاصده على بساطته؛ ففروا إلى الله وكدحوا إليه فوجدوا الحب والأمن، كما كان الأمر عند كبار الحكماء كالغزالي، وابن عطاء الله السكندري …وإقبال الذي تلألأت روحه بحب الله ففاضت أشعارا جرت في لفظها لغة السماء …
لتحقيق الإيمان تتعدد المسالك، فإذا تعطلت الفطرة، أنارت الدروب خطابات العقل الراشد، واستثار الحس والمشاهدة مكامن الذات الخفية …إن تعدد المسالك من نعم الله عز وجل على الإنسان، لكيلا يتيه في مغارات هذه الحياة، التي تزداد ظلمة وظلما يوما بعد يوم …