مروان البرغوثي.. حين يشيخ الجسد وتبقى فلسطين شابة

انتشرت في الأيام الأخيرة صورة للمناضل الفلسطيني مروان البرغوثي، ذاك الذي اعتدنا أن نراه شابا متقد الحماسة، صارخا في وجه الاحتلال، خطيبا في الميادين، ومفكرا يرسم الطريق لأجيال فلسطينية ولدت في العاصفة، اليوم نراه شيخا وقد أكلت السجون من عمره ما أكلت، لكن ملامحه ما زالت تحمل ذات الصلابة، وعيونه لا تزال تشي باليقين نفسه: […] The post مروان البرغوثي.. حين يشيخ الجسد وتبقى فلسطين شابة appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 20, 2025 - 18:40
 0
مروان البرغوثي.. حين يشيخ الجسد وتبقى فلسطين شابة

انتشرت في الأيام الأخيرة صورة للمناضل الفلسطيني مروان البرغوثي، ذاك الذي اعتدنا أن نراه شابا متقد الحماسة، صارخا في وجه الاحتلال، خطيبا في الميادين، ومفكرا يرسم الطريق لأجيال فلسطينية ولدت في العاصفة، اليوم نراه شيخا وقد أكلت السجون من عمره ما أكلت، لكن ملامحه ما زالت تحمل ذات الصلابة، وعيونه لا تزال تشي باليقين نفسه: أن فلسطين قضية لا ولن تموت.
هذه الصورة التي روّجها جنود الاحتلال، لم تكن بريئة، إنها جزء من حرب نفسية قديمة، يسعى فيها الكيان الغاصب إلى تحطيم رموز المقاومة، وبث اليأس في القلوب: أنظروا، هكذا ينتهي من يتحدّى إسرائيل، في غياهب الزنازين، بعيدا عن الضوء، منسيا في قاع العزلة..غير أن ما لم يفهمه الاحتلال، هو أن صورة البرغوثي لم تتحوّل إلى أداة إذلال، وإنما إلى وثيقة إيمان، إلى مرآة تعكس أن القضية لا تزال حيّة، وأن هناك رجالا يختارون السجن على الحرية الزائفة، والشيخوخة خلف القضبان على الانحناء للظلم.
لقد كان مروان البرغوثي، منذ شبابه، رمزا لشجاعة نادرة، صوته عال في وجه المستحيل، وإيمانه راسخ بالطريق الطويل المليء بالأشواك. واليوم، وهو شيخ أسير، تتضاعف رمزيته: فما معنى أن يُسجن إنسان ربع قرن أو أكثر، إلا أنه صار وثيقة حيّة للتاريخ؟ صورة من لحم ودم تقول للأجيال القادمة: فلسطين لم تبع، ولن تباع، ولو دفع أبناؤها أعمارهم كاملة ثمنا لذلك.
البرغوثي في شيخوخته، يذكّرنا بآلاف الفلسطينيين الذين قضوا شبابهم في السجون، ليخرجوا شيوخا منسيين، لكنهم لم يفرّطوا يوما في شرف الانتماء.. ويذكّرنا أيضا نحن الجزائريين، بتلك الصور التي بثها الاستعمار الفرنسي في حرب التحرير: صور الشهداء المعلّقين على المشانق، والقرى المحروقة، والأجساد المقطّعة، رمي المجاهدين والمدنيين من مسافات عالية بواسطة المروحيات، تنكيل، اعتداءات على الحرمات.. كانت كلها صورا لبث الرعب، لكنها تحوّلت في ذاكرة الشعب إلى صور بطولة، صنعت اليقين بالنصر، ورغبة في التحرير والاستقلال.
إن ما يجهله المحتل أن السجن لا يقتل القضية، لكنه يطيل عمرها ويخلّدها، وأن الصور التي يظنها إذلالا، تتحوّل في الذاكرة الجمعية إلى أيقونات أمل، إلى أدلة دامغة على أن هناك رجالا ونساء يختارون التضحية على المساومة. صورة البرغوثي الأخيرة لن تضعف الفلسطينيين، وإنما ستعمل على توحيدهم في سؤال وجودي: إن كان هذا الرجل قد صمد حتى شيخوخته من دون أن يساوم، فلماذا يختلف الأخ مع أخيه؟ ولماذا تتشتت الصفوف بدل أن تلتئم حول قضية واحدة؟
اليوم، الشيخ الأسير يذكّر الداخل الفلسطيني بأن لا فرق بين غزة والضفة، بين الداخل والخارج، بين التنظيمات والأيديولوجيات.. فكل هذا إلى زوال، أما فلسطين، فهي الباقية.
إن صورة مروان البرغوثي ليست صورة رجل أنهكه الزمن، وإنما هي صورة وطن يتجدّد في سجونه وأزقته وأرضه، صورة شعب لا ينكسر، صورة أمة ما زالت، رغم الخيبات والتشرذم، تحمل في قلبها بذرة التحرير.
ولعل أجمل ما يمكن أن يُقال عن هذه الصورة، هو أنها ليست صورة النهاية، ولكن صورة بداية البدايات، فالسجون مهما طالت، والقيود مهما اشتدت، ستبقى فلسطين تنجب رجالا يشبهون مروان البرغوثي، يشيخون في السجون لكنهم يورثون الشباب معنى الحرية.
طاب سجنك أيها البطل، فما السجن إلا محطة على طريق النصر، وإن الله لا يضيع أجر من جاهد وصبر، أيقن وتدبر، عقل وتوكل.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post مروان البرغوثي.. حين يشيخ الجسد وتبقى فلسطين شابة appeared first on الشروق أونلاين.