وتدورُ الدّائرةُ على الكيانِ الصهيونيّ

د.خديجة عنيشل/ غزةُ هذه المدينةُ الصغيرةُ مساحةً، الكبيرةُ صموداً، الفخمةُ إباءً، أوقدت نارَ الشجاعةِ في العالَمِ كلّه بقدرِ ما تحمّلتهُ من حرائق الحقدِ الصهيونيِّ الهمجيّ. غزةُ هذه النقطةُ في بحرِ خريطةِ العالَم تضعُ اليوم نقطة نهاية الاحتلال وتبدأُ التأريخَ من أوّلِ السطر سطرِ الكرامةِ والعيشِ الحر. كان العالَمُ قبل طوفانِ الأقصى المجيد معفوناً تُغمِّسُهُ القذارةُ …

سبتمبر 30, 2025 - 17:19
 0
وتدورُ الدّائرةُ على الكيانِ الصهيونيّ

د.خديجة عنيشل/

غزةُ هذه المدينةُ الصغيرةُ مساحةً، الكبيرةُ صموداً، الفخمةُ إباءً، أوقدت نارَ الشجاعةِ في العالَمِ كلّه بقدرِ ما تحمّلتهُ من حرائق الحقدِ الصهيونيِّ الهمجيّ. غزةُ هذه النقطةُ في بحرِ خريطةِ العالَم تضعُ اليوم نقطة نهاية الاحتلال وتبدأُ التأريخَ من أوّلِ السطر سطرِ الكرامةِ والعيشِ الحر. كان العالَمُ قبل طوفانِ الأقصى المجيد معفوناً تُغمِّسُهُ القذارةُ الصهيونيةُ في وحلِ الهوانِ والفوضى والتوحّش والحروب، واكتشفتِ البشريةُ بفضلِ هذا الطوفانِ الطاهر الهادر أنَّ بؤرةَ الشرِّ هي تل أبيب، وأنَّ السمَّ الذي يسري في أطرافِ الكونِ مصدرُهُ هو أفعى الصهيونية الخبيثة، وأنَّ السابع أكتوبر المجيد هو الغيثُ الذي جاء ليغسلَ عن هذه الأرضِ الموبوءة جَرَبَ الكيان الصهيوني ويُطهّرها تطهيرا. غزةُ دفعت العالَم لأن يكون شجاعاً لأول مرةٍ في التاريخ إذ تحوّل الغربُ إلى صرخةٍ كبرى ضد الصهيونية؛ وما قامت به إسبانيا مؤخراً يثيرُ الدهشة ففي فترةٍ قصيرةٍ جدا أصدرت قراراً دائماً يقضي بحظر تصدير السلاح إلى دولة الاحتلال، وألغت صفقةَ سلاحٍ تُقدَّر بـ 700 مليون أورو معها، ورفضت أن تكون موانئُها وأجواؤُها معبراً لمرور شحناتٍ عسكريةٍ إلى الكيان الصهيوني، ثم أوقفت استيراد منتجات المستوطنات، وأدرجت أسماءَ مسؤولين صهاينة في لوائح الحظر وهي تشجعُ اليوم المساعي الدولية لمحاكمة رؤوس الصهيونية في محكمة العدل الدولية، بل وتطالبُ بطرد الرياضة الصهيونية من المنافسات الرياضية العالمية. ويستجيبُ لإسبانيا 8 خبراء من الأمم المتحدة طلبوا رسميا إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” والاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” استبعاد المنتخبات والأندية (الإسرائيلية) من جميع المسابقات الدولية.
ومن كولومبيا ينفجرُ طوفانُ الرئيس الكولومبي الحر (غوستاف بيترو) الذي زلزلَ خطابُهُ مبنى الأمم المتحدة دون خوفٍ ولا مواربة واتّهمَ دولةَ الاحتلال الصهيوني بالنازية وبأن حربَها في غزة هي حربُ إبادة. وقال بالحرف: إن الإنسانيةَ لم تعد تستطيع تحمّلَ يومٍ واحدٍ إضافيٍّ من الإبادة الجماعية في غزة. وطالبَ دولَ آسيا بتشكيلِ جيشٍ دوليٍّ لتحرير فلسطين وعبَّرَ عن استعدادِ بلاده لإرسال 20 ألف جندي كنواةٍ أولى لجيش فلسطين!!! وما إن أنهى الرئيس الكولومبي خطابَه حتى تقدّمَ إليه الرئيسُ البرازيليُّ الفذ (لولا دا سيلفا) يُقبِّلُ رأسَه في رسالةٍ إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ شجاعة تعجزُ عن وصفها الكلمات .. ويعجزُ أمامها العالَمُ العربيُّ والإسلاميُّ الغارقُ في الوَهَن والهوان والتفاهة.
وتنتفضُ إيطاليا الشعب والنُّخب ضد إيطاليا السياسة اليمينية التي رفضت الاعتراف بدولة فلسطين في مظاهرات غاضبةٍ عارمة شاركت فيها النقاباتُ العماليةُ والفئاتُ الطلابيةُ والحركاتُ الشبانيةُ والنُّخبُ والجماعاتُ المحليةُ الداعمةُ لفلسطين. لم يستوعب أحدٌ حجمَ الغضب الذي أظهرهُ الشعبُ الإيطالي في المُدن الكبرى وفي أكثر من 50 مدينة انضمّت إلى هذه المظاهرات الرافضة للحرب الصهيونية على غزة أُغلقت فيها الطرق السريعة والسكك الحديدية. ويواصلُ أسطولُ الصمودِ العالمي رحلتَهُ البحرية الصعبة لكسر الحصار على غزة وإدخال المساعدات إليها في تحدٍّ إنسانيٍّ عظيم عنوانه: تثبيتُ الحقِّ الفلسطيني وكشفُ الوهم الصهيوني.
وفي سلوفينيا تدعو رئيسةُ البلاد ناتاشا بيرك موسار إلى وجوب وقف الإبادة الجماعية في غزة حيث لم تعد هناك أعذار كما قالت، وتفرضُ سلوفينيا حظر السفر على بن غفير وسموتريتش وأضافت النتن ياهو إليهما.
الذي يحدثُ الآن هو أن العالَمَ يكرهُ دولةَ الاحتلال ويريدُ التخلّصَ من سمّها حتى يستعيدَ عافيتَه؛ وأصبحَ معلوماً حتى للصهاينة أنفسهم أن النتن ياهو هو رأسُ الأفعى الذي سيقضي على دولتهم المتآكلة حيث صرّحَ يائير لبيد زعيمُ المعارضة في الكيان الصهيوني مؤخراً قائلا: ” في مواجهةِ حملةٍ فعّالةٍ يقودُها كارِهو (إسرائيل) تقفُ حكومةٌ مريضةٌ وعاجزةٌ بلا رؤية تدفعُ بنا نحو عزلةٍ دوليةٍ ونحو مصيرِ دولةٍ منبوذة.. ” والنّبذُ في حدِّ ذاته هو عقدةُ الصهيوني وهو حتفُه.
أتذكّرُ أنه منذ مدة وجّهَ عضوُ البرلمان الأوروبي عن إيرلندا (باري أندروز) كلمةً قال فيها بكل شجاعة: “رئيس الوزراء نتنياهو قال إنه يخوضُ حرباً من أجلِ الحضارة ضد الهمجية لكن العالم المتحضّر خَلَصَ إلى أنّ من يشنُّ حملةً من الهمجية هو جيش الاحتلال (الإسرائيلي)” هل نحن نعي فعلا ما الذي أحدثهُ طوفان الأقصى؟ برغم المهر الدموي الغالي الذي يدفعه أهلُ غزة الصامدون: لقد نُسفت صورةُ الكيان الصهيوني ورسخت قدمُ الحق الفلسطيني، لقد تقيّأَ العالَمُ خَبَثَ هذه الدولة المجرمة وإن القادمَ لن يكون فيه موضعُ قدمٍ للصهيونية بإذن الله. وسحقَ هذا الطوفانُ الهادر كلَّ اتفاقاتِ السلام المهينة وأظهرَ حجمَ الرفض العربي الشعبي للصهاينة بل إن الشعوبَ العربيةَ استعادت روحَها الجهاديةَ وقيمَ القضية المقدسية التي حاولت الكثيرُ من الأنظمةِ السياسية وأدَها. وتحولت البشريةُ إلى الشرق تبحثُ عن روحهِ ومعانيه فاتّسعت دائرةُ المقاطعة للمنتجات الصهيونية والشركات الداعمة لها، وتحولت منصاتُ الإعلامِ والفنِّ والمجتمع في الغرب إلى منابرَ تُرافعُ عن حق الفلسطيني في أرضه وحقه في الدفاعِ عنها. لن نرى الثمارَ الحقيقيةَ لطوفان الأقصى الآن ولكننا سنرى فلسطين تُزهرُ ذات يوم في حقولِ العزةِ والعطاء حيث لا مكان للصهاينة السفّاحين القَتَلة. سيتفيَّأُ الجيلُ القادمُ في غزةَ وفلسطين ظلالَ العزة والكرامة التي صنعها أبطالُ طوفان الأقصى، وسترفلُ الأجيالُ الغزيةُ القادمةُ في نعيمِ المجدِ والرفاه بفضلِ صمودِ آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم في هذه الحرب الهمجية القذرة. وسيلعنُ التاريخُ هذه الأنظمة العربيةَ التي عجزت عن نطق حرف الرفض (لا) وخذلت المجاهدين وشاركت في تجويع الأبرياء وعجزت عن إرسالِ جنديٍ واحدٍ في أسطول الصمود تحفظ به ماءَ وجهها القبيح. سيذكرُ التاريخُ اليمنَ العزيز .. اليمنَ الأبيّ الذي لم يخنع ولم يذل وفزعَ لغزةَ فزعةَ الحرّ الذي لا يرتضي لنفسه الذلّة. لو لم يكن لطوفان الأقصى من ثمرٍ سوى هذا الكره العالمي للدولة الصهيونية وانكشاف حقيقة الصهاينة المجرمين لكفاه حتى يُدركَ الجميع أنَّ الدائرةَ تدورُ على دولةِ الكيان الصهيوني وأنَّ هذا الطوفان هو أولُ خطواتِ التحرير تحرير فلسطين كلِّ فلسطين.