يتزاحمون في غزو الفضاء.. ونتقاتل على الهوية!

عندما يفرغ الإنسان من قراءة بعض الدراسات المستقبلية حول عالم الروبوتات و”حروب المستقبل”، والتكنولوجيا العسكرية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وما يرافقها اليوم من تساؤلات وجودية وفلسفية حول مصير الإنسانية كلها. وحين يطالع الجزائري عن آفاق التنافس الأمريكي – الصيني، ليس على الريادة فوق الأرض، بل على التفوّق في غزو الفضاء، ثم يعود إلى بيئته المحليّة، […] The post يتزاحمون في غزو الفضاء.. ونتقاتل على الهوية! appeared first on الشروق أونلاين.

مايو 12, 2025 - 16:34
 0
يتزاحمون في غزو الفضاء.. ونتقاتل على الهوية!

عندما يفرغ الإنسان من قراءة بعض الدراسات المستقبلية حول عالم الروبوتات و”حروب المستقبل”، والتكنولوجيا العسكرية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وما يرافقها اليوم من تساؤلات وجودية وفلسفية حول مصير الإنسانية كلها.
وحين يطالع الجزائري عن آفاق التنافس الأمريكي – الصيني، ليس على الريادة فوق الأرض، بل على التفوّق في غزو الفضاء، ثم يعود إلى بيئته المحليّة، فيجد المعركة حامية الوطيس حول العرقيّات وأصول البشر قبل مئات القرون والبحث عن الأنساب الغابرة، يخرّ المرء محبطا مغشيّا على آماله الخائبة!
أيّها العقلاء… لستم لقطاء فوق هذه الأرض لتنبشوا في هويتكم، بل قوموا إلى نداء وطنكم المفدى، بروح الواجب وسواعد البناء، دعكم من الأسئلة الساذجة والملغمة: من أنتم؟ ومن نحن؟ لأنّ السؤال الخطير الذي يراد لنا جميعا أن نغفل عنه هو الآتي: ماذا نصنع الآن معا؟ وإلى أين نتوجّه في مزاحمة الأمم؟
إن المتأمل اليوم في طبيعة النقاش الفلسفي والفكري والثقافي والعلمي بين مجتمعات الحضارة المدنيّة المعاصرة وشعوب “العالم الثالث”، خاصة في منطقة الشرق الأوسط (وفق تصنيف المعيار السياسي)، سيجد الفجوة المعرفيّة والعقليّة كبيرة جدّا بين تطلعات دول الحداثة الماديّة وارتهان الأمم المتخلفة.
من الغريب أن تتزاحم قوى الكون في الغرب والشرق على غزو الفضاء، لإرساء موطن قدم لها نحو المستقبل، وتتدافع على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لحسم معركة التنافس الدولي قريبا، بينما نغرق نحن في البحث عن جذورنا العرقيّة والقبليّة، كأنّنا لم نسد فوق الأرض قرونا مديدة، قدنا خلالها الحضارة الإنسانية في عزّ ازدهارها.
لقد نجح الاستعمار الإمبريالي، منذ اتفاقية سايكس- بيكو المشؤومة، وقبلها بدخوله إلى شمال إفريقيا، في ضبط المخططات المستقبليّة للتلهية والتفتيت، حينما زرع بذور الانقسامات البينيّة، بهدف التحكّم في المجتمعات المستعمرة وتحسّبا أيضا لجلائه اللاحق عن المنطقة.
لذلك، حين خرجت جيوش الاحتلال، تركت خلفها دويلات وطنيّة هشّة، تنام على حقول من الألغام الهويّاتية والطائفيّة والعرقية والدينيّة واللغويّة، كثير منها لم يتمكّن من التأسيس لدولة المواطنة والمساواة والحريّات، حيث يمكن أن يعيش مواطنوها بوئام في ظل التنوع الثقافي، إذ كان الأصل أن تجعل من التعدّد عامل قوة وثراء، لكنها فشلت في تجاوز المشروع الاستعماري، فظلّت، حتى الآن، يتنازعها صراع الهويّة المفتعل، ثم تدفع جرّاءه وقتا ثمينا ضائعا من مسيرتها الوطنية على طريق التحرر الكامل والتنمية الشاملة.
العالم المتقدم منشغل اليوم بتجليات أفق الثورة الصناعية الخامسة، والتي قد تتغير فيها جوهريّا العلاقة بين الإنسان والآلة، بتدشين “عصر الروبوتات”، وما يمكن أن يوفّره الذكاء الاصطناعي من حلول جذرية في كل مجالات الحياة، مقابل ما يثيره من تحدّيات اجتماعية ونفسية وأخلاقية واقتصادية وسياسية وأمنية، قفزت بالنقاش من التقنية والتكنولوجيا إلى الفلسفة والأخلاق والقانون.
كبار خبراء العالم منغمسون في استشراف دور “الروبوتات” العسكرية في تعويض الجيوش التقليدية، وتأثيرها الخطير على “حروب المستقبل”، بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكل آفاق الصناعة الحربيّة، ناهيك عن أدواره في التخطيط والقرارات وتحليل البيانات والمعلومات الاستخباراتية.
هذه الثورة التكنولوجية العجيبة، ستنقل التطبيقات العسكرية، باستخدام أنظمة الأسلحة الفتّاكة ذاتية التشغيل، إلى زمن “الثورة الثالثة في الحرب” بعد البارود والأسلحة النووية، حسب المختصّين، لقدرتها المستقلة على تحديد وتدمير الأهداف من دون تدخل بشري مباشر، ولعلّ أحداث حرب أوكرانيا و”طوفان الأقصى” خير دليل على ذلك.
وعلى خلفية هذا الواقع العسكري الجديد، وغيره من الآثار البارزة لنهاية الثورة الصناعية الرابعة، يتوجّه النقاش العلمي كذلك نحو مستقبل العلاقات الدولية، ومفاهيم سيادة الدولة والديمقراطية والقوة والأمن، لأنّ مكانة الدول مستقبلا ستحدّدها إمكاناتها في إنتاج الذكاء الاصطناعي واستخداماته، ولعلّ هذا ما يفسّر تنافس القوى العظمى حاليّا على ضخ الأموال الطائلة للاستثمار في أبحاثه الدقيقة.
تجدر الإشارة إلى أن المجال الرئيس للتنافس الأمريكي – الصيني، وفق دراسات مستقبلية رصينة، ستكون ساحته القادمة غزو الفضاء الخارجي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بالنظر إلى التمركّز الاقتصادي الحالي والنفوذ الجيوسياسي والتفوّق العسكري التقليدي للأمريكيين، وقد تبرز في الأشهر المقبلة كثير من المؤشرات في هذا الاتجاه، بتحليل نتائج حرب الهند وباكستان، إذ فتحت شهية الخبراء على استشراف القدرات الحربيّة الجديدة للصين.
قد يقول قائل: لم كل هذا الاسترسال خارج موضوع القضية الأصليّة وهي صراع الهوية عندنا؟ في الحقيقة نحن لم نبرح السياق العامّ، لكنّنا أردنا ممارسة العصف الذهني على عقول الجمهور وجزء تائه من النخبة، لم ينتبه إلى حقيقة الرهانات وآفاق الوطن في ظل فجوة حضاريّة مع الآخرين بمئات السنين، ولا سبيل لاستدراكها إلا بـ”ثورة وعي” عميقة، تعيد ترتيب الأولويّات في تفكيرنا بوضع المنهجية السليمة للاستئناف النهضوي، لأنّه من غير المتخيّل أن ننطلق في بناء صحيح، بينما لا نزال نتقاتل حول أصولنا وجذورنا العرقيّة ونتفاخر بها في مواجهة البعض.
لقد حان الوقت، لأنّ ما ضاع منّا كاف وكثير، لتجاوز جدليّات الهويّات القاتلة، ومعارك الأنا الفرعيّة، بالتوافق على تبنّي “الهوية الوطنية الجامعة” بكل مكوّناتها التاريخية، في كنف الانتماء الحضاري، وهذه مسألة لا تحسمها الدساتير ولا القوانين وحدها، بل تستدعي تجذير صناعة الوعي الجمعي عبر التنشئة الثقافية والاجتماعية.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post يتزاحمون في غزو الفضاء.. ونتقاتل على الهوية! appeared first on الشروق أونلاين.